ليست آمنة لهم ولا أمينة على مستقبلهم

ليست آمنة لهم ولا أمينة على مستقبلهم

منذ سنة ونصف تقريباً، وتحديداً بتاريخ 14 \ 2 \ 2022  نشرت مقالاً على موقع أورينت نت بعنوان " الفاشيون قادمون "  حذّرت فيه من خطورة انتقال خطاب الكراهية والمواقف العنصرية لقطاع من المجتمع التركي تجاه اللاجئين عموماً وتجاه السوريين منهم على وجه الخصوص من حيّز الكلام والنشر والتحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى عتبة السلوك والفعل العدائي تجاههم بعد أن كتب هؤلاء الفاشيون على عدة جدران في إسطنبول ومرسين عبارات تهديد نازية، خصوصاً أن ثمة إرهاصات سبقت هذه الخطوة تمثلت في عدة اعتداءات متفرّقة اتخذت طابعاً عنصرياً كان ضحية بعضها شباناً سوريين فقدوا حياتهم فقط لكونهم سوريين! . 

المشهد المريع والمروّع الذي شاهده ملايين العرب والأتراك عبر مختلف وسائل التواصل والذي يعتدي فيه مجموعة كبيرة من الأتراك على شاب يمني بطريقة حيوانية متوحشة لمجرد وقوع خلاف بين أطفال أتراك ويمنيين ضمن مجمع سكني في إسطنبول، وكمّ الهمجية والعدائية التي تصرّف فيها المهاجمون الأتراك يلخّص خطورة العتبة التي وصلت إليها مشاعر الكراهية والعنصرية ضد العرب عموماً واللاجئين السوريين خصوصاً.. وهو شيء صار خارج المعتاد والمألوف ذلك أن القول بوجود عنصرية في كل المجتمعات والدول بنسب مختلفة هو محاولة لمواراة سوأة العنصرية التركية الطاغية واللامعقولة ليس أكثر.

هذا المشهد بتقديري هو نتيجة منطقية وطبيعية لعدم مبالاة حكومية غير طبيعية في طريقة التعاطي الحكومي مع مجمل الخطاب الكاره للعرب والسوريين والذي استولد هذه العدوانية الإجرامية الفاقعة، بل إن الكثير من الإجراءات والقرارات الحكومية - حتى وإن كان بعضها محق - لكن توقيت اتخاذها وآليات تطبيقها يعطي انطباعاً للمجتمع وكأن الحكومة تمتثل وتستجيب لمطالب هؤلاء العنصريين وتخضع لضغوطهم وابتزازهم. 

لا يمكن الزعم بأي حال من الأحوال أن ثمة تجاوزات ارتُكبت خلال الحملة الأمنية الأخيرة التي اتخذت من محاربة الهجرة غير الشرعية عنواناً لها أدت لترحيل آلاف اللاجئين من ذوي الأوضاع القانونية السليمة أو من مرتكبي مخالفات بسيطة لا تستوجب الترحيل ولا ينص قانون الحماية المؤقتة على أنها من الأسباب القانونية للترحيل (!) بل هو سلوك يأخذ طابع منهجية عمل معتمدة من قبل رئاسة الهجرة التركية وقوات إنفاذ القانون لبث جوّ من الذعر في أوساط اللاجئين يهدف للخروج بخلاصات تقول للاجئين إنه لم يعد لديكم مستقر في هذا البلد، وأن عليكم أن تغادروا بلدنا إلى أي وجهة تريدونها أو أن تعودوا إلى  بلدكم سواء أكنتم آمنين فيه أم لا، فالأمر لم يعد يعنينا(!)  وما يعزز هذه الفرضية أنها ليست المرة الأولى التي تُرتكب فيها تلك التجاوزات، وليست المرة الأولى التي يتم فيها انتهاك قانون الحماية المؤقتة، إذ سبق أن حصل ذلك في النصف الثاني من العام 2019 عقب هزيمة حزب العدالة والتنمية في انتخابات بلديتي إسطنبول وأنقرة عندما جعل السوريين مكسر عصى لتلك الهزيمة (!).

 لقد تعدت المسألة أن يكون في هذا المجتمع من يكره العرب ومن لايرغب بوجود أو ببقاء السوريين ليصل إلى متابعة ما تبثه القنوات الإعلامية السورية وما تكشفه وتعرضه من تجاوزات وانتهاكات وجرائم ترتكب بحقهم، وإطلاق حملات من التحريض عليها وعلى العاملين فيها، في تهديد صريح مؤدّاه أننا سنخرسكم ولن نسمح لكم بفضح جرائمنا ولن نتيح لكم منبراً للحديث والتعبير عن أنفسكم ومعاناتكم .. يجب أن تموتوا بصمت، وأن تُرّحلوا بصمت، كل ذلك يحصل في ظل عجز أو تعاجز حكومي عن اتخاذ إجراءات رادعة بحق هؤلاء الفاشيين، وهو صمت لا يجد تفسيراً له إلا الرضى، ذلك أن التحالف الحاكم بقيادة العدالة والتنمية يملك من الأغلبية البرلمانية ما يمكّنه من تشريع قانون يجرّم الخطاب والسلوك العنصريين ويوقع بالفاعلين عقاباً رادعاً لكنه لا يفعل (!) ولا يوجد أي سبب ألا يفعل سوى أنه لا يريد أن يفعل ربما للحفاظ على تماسك هذا التحالف الحكومي (!)  فهل يتعين على العرب أو السوريين أن يدفعوا ثمن التحالفات وتقلب السياسات؟ أم إن ثمة نواظم قانونية تلزم السلطة نفسها أن تتعاطى مع الأمر كجزء من التزاماتها القانونية التي توجب عليها إسباغ الحماية على اللاجئين وتوفير كل عوامل العيش الآمن لهم، وأن يتكيّف التحالف الحاكم مع القانون لا أن يتكيّف اللاجئون مع تقلبات السياسة والتجاوز على القانون.

 لم يعد أمام الحكومة التركية إلا واحدٌ من سبيلين؛ إما توفير الحماية للاجئين وكفّ لسان ويد العنصريين عنهم بمختلف السبل والأدوات القانونية الحازمة، والكف عن العبث باستقرار عيشهم من خلال تلك القرارات والإجراءات التقييدية والتضييقية عليهم والكف عن ترحيلهم العشوائي المشوب بالإكراه وبالكثير من الإهانات والحط من الكرامة الإنسانية، أو بإعادة تفعيل وتنشيط برنامج إعادة التوطين ورفع يدها عنه وإعادته للجهة المنوط بها قانونياً رعايته والاشتغال عليه وهي مفوضية شؤون اللاجئين التي للأسف لم نسمع لها صوتاً ولا همساً في حمأة ما يطال اللاجئين الذين من المفترض أنها مسؤولة عنهم وعن حماية حقوقهم، فالسوريون لم يعودوا أصلاً راغبين بالبقاء في تركيا التي ما عادوا يرونها آمنة لهم ولا أمينة على مستقبلهم.

التعليقات (5)

    سوري حر

    ·منذ 8 أشهر أسبوعين
    و على أرض الواقع ، الحال أسوء من المقال

    الصناعي رياض الهريسي

    ·منذ 8 أشهر أسبوعين
    الفشل الاقتصادي التركي و مناورات الحكومة الفاشلة ستقود البلاد لحرب اهلية لا ناقة و لا بعير للسوريين فيها تخبط و سياسات و مكاسب مادية سريعة كشفت من الغرب و امريكا بدايتها سحب الباتريوت من تركيا و نهايتها الإجماع على طرد تركيا من الناتو

    شكرًا

    ·منذ 8 أشهر أسبوعين
    مقال جيد

    ليست امنة

    ·منذ 8 أشهر أسبوعين
    وصف غير دقيق ، لاتوجد دولة والقيادة كلها ضد الشعب وتحمي بلد عزراءيل. الامن الموسادي السوري عدو الشعب متل أي عدو . وهنا يجب الحديث عن الخيانة العظمى من اجل مصالح العدو

    روج

    ·منذ 8 أشهر أسبوعين
    يا اخواننا العرب المحترمين يجب الا تستغربوا من عنادنا الكردي في وجه التبعية للدولة التركية ومحاربة نفوذها الاناني المتكبر الخبيث، فهي نابعة عن تحالفات عميقة معهم تمتد لأكثر من ٣٥٠ عام، تنتهي دائما بالغدر والخيانة و الطعن، فقد يقضي معك وقتا جميلاً في النهار، ثم يطعنك في المساء، بدون سبب. لا يشرفنا التحالف مع هكذا ذهنية مزاجية متقلبة، وخطيرة تتصرف وفق الغرائز و ليس العقل و المنطق و الاخلاق. هؤلاء قدموا التسهيلات لنا كي نتحول الى اتراك الا اننا نرفض، فلا بارك الله لمن ينضم الى قطيع ذئاب لا قواعد اخلاقية او انسانية فيه. تصور استاذي غزوان انهم يستخدمون الذئب كرمز لهم، و هذا الاخير ليس سوى مخلوق يتميز بالغدر و التعطش للدماء، فلا بارك الله بأمة تشبه نفسها بالذئاب، فنحن بشر، و هذا ما لا نشك به جميعا. نتمنى الخير لكل اهلنا السوريين في هذا البلد الذي لا يحترم حقوق الانسان و اثبتت انها ليست بدولة طبيعية و تحتاج الى رياح التغيير. وفي الاخير لا يصح الا الصحيح.
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات