حـيـن يتوله بعض الرجال بحب امرأة جميلة, ويعشقون جسدها, أو حتى جزءاً من جسدها, فإنهم يصبحون مستعدين للتضحية بأولادهم في سبيلها, أن يبيعوا أباءهم وأمهاتهم ووطنهم من أجلها.
قـد يكونون شرفاء فإذا هم يسرقون, وقد يكونون وديعين فإذا هم يقتلون, وقد يكونون أوفياء أمناء فإذا هم يغدرون!
في الحالة السورية لم تكن المرأة الجميلة سوى المال
انتهت الحرب في سوريا، والكثير من المناطق باتت ركاما من الأنقاض، وإعادة إعمار البلاد هي قضية وقت حيث يكثر هذه الأيام تصريحات من المسؤولين الأوروبيين وهو أن الأسد سيبقى في السلطة، وأن استعادته للأراضي التي خرجت عن سيطرته لا يمثل إلا قضية وقت وتفكر الدول الغربية أن تشارك في تمول إعادة إعمار سوريا، بشكل مشابه لمشروع مارشال وهو الخطة الاقتصادية التي أُطلقت بمبادرة من وزير الخارجية الأميركي الأسبق جورج مارشال، من أجل مساعدة البلدان الأوروبية على إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية وبناء اقتصاداتها من جديد.
لكن أوروبا وعلى رأسها ألمانيا لها طلبات سياسية وشروط لتقديم المساعدة في إعادة الإعمار في سوريا، يتحدثون عن تكاليف إعادة الإعمار تقريبا، أنها بين 250 مليار دولار، و400 مليار دولار، وسيدوم هذا البرنامج عشر سنوات على الأقل.
ويقول المسؤولون الألمان "لن تحصل استثمارات في سوريا إلا مع وجود عملية سياسية تأتي بالسلم يشارك "فيها جميع الأحزاب وأن إعادة الإعمار وشكله يجب أن يقرره السوريون أنفسهم.
وهنا يبرز سؤال مهم وجوهري عند القول إن إعادة الأعمار يجب أن يكون بيد السوريين ويقولون أيضا إن الذي يقرر شكل الحكم المقبل هم السوريون أيضا ولكن من هم السوريون؟
هل هم الذين يحكمون الآن أم المحكومون الآن أم هم الذين يقفون بالدور لشراء الخبز أم هم الذين تركوا بلادهم وصاروا في بلاد الغير.
السوريون أو الشعب السوري هل هم مواطني الجمهورية العربية السورية، أم إن المصطلح يشمل مفاهيم أضيق من ذلك
هل هم اللاجئون في أوروبا وكندا وأمريكا وأستراليا أم اللاجئون في تركيا ومصر ولبنان والأردن والعراق؟
هل هم المتواجدون في المغرب العربي والخليج والسودان والهند والصين وروسيا وإيران ودول البلقان؟
هل هم المتواجدون في المناطق التي تسيطر عليها قوى الأمر الواقع، النظام وتركيا وأمريكا؟
هل هم الائتلاف والمنصات واللجنة الدستورية والمنظمات والهيئات أم الممثلون أم أصحاب المبادرات؟
بدأت الثورة بالنخبة المثقفة من فنانين وكتاب وإعلاميين وسرعان ما غادر هؤلاء وحل محلهم على شكل مفارز طائفية ودينية وإثنية وأمية, ما أتاح للنظام وللتنظيمات المتطرفة فتح باب جهنم على السوريين وحرق الأخضر واليابس في سوريا والعالم وتالياً دخل على الخط كل ما شابههم في المنهج أو في اللصوصية والانتهازية
سبق الثورة استياء شعبي على الامتيازات التي يتمتع بها رجال المخابرات والطبقة الحاكمة وطبقة التجار والرأسماليون الموالون لنظام الحكم ورجالات الأمن
الذين أقنعوا الرئيس بعدم جدوى الإصلاحات الأساسية
هذه الطريقة التي يقاوم بها النظام خصومه السياسيين
استمر هذا النظام عشرات السنوات وبقي هذا النظام حياً بالخوف، اليد التي ترتفع تقطع واللسان الذي يتكلم يقطع والرأس الذي تتعب من الانحناء تقطع وتوضع على عامود وترفع عاليا حتى يراها كل من في الشارع، وهذا ما يحفظ نظام الحكم من السقوط.
وساعدوا على تهريب مذكرات المعتقلين السياسيين من الشعراء و الكتاب وأوصلوها إلى طلبة الجامعات وإلى الناشئة لزرع الخوف في قلوبهم من ما ينتطرهم من اعتقال وتعذيب وابتلاع للفئران وأكل الخبز والبطاطا مع الخراء وسلخ جلودهم عن عظامهم وعوائهم بالمقلوب من ضربات الكبل الرباعي على أجسادهم واشتهاء الموت في جحيمهم المبكر.
البقية من الناس منهم من بقي في الظل أو هاجر وما تبقى استطاع الرئيس أن يستأجر مواقفهم بسيارات المارسيدس السوداء أو البيجو بيضاء، ببساطة يمكنك أن تستأجر القليل للسيطرة على الكثير.
من البداية جاءت التدخلات الخارجية بسوريا لرسم مسار الثورة
الثورة السورية كانت تهدف إلى القضاء على النظام، ولكنها تحولت إلى ساحة دولية على الأراضي السورية من كل الجنسيات، قُبل فيها المتطوعون والمرتزقة كأطراف داخل المعركة، في إطار التحالفات المعروفة بين الفصائل الإسلامية المتنازعة، وذلك بدعم من أطراف سياسية لدول كبرى، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، تدعم فيه الطرف الذي يوافق أهواءها ومصالحها، ويضمن لها استمرار التبعية لها. وبقي السوريون في حربهم، التي لم تأت بجديد وبقيت الكفة متعادلة بالنسبة للطرفين، ولم يكن هناك أي تغيير يذكر، لأن هذه الحرب، وبعد سنوات الحرب، أصبحت لصالح اليمين المتطرف والخاسر الأكبر فيها هو الشعب.
على الصعيد الداخلي أدى العنف الذي مارسه النظام إلى جعل الثورة متطرفة
بشكل كبير تألقت الثورة بشعاراتها لقمع ما يعرف بالنظام السوري الفاسد وتحرير الفرد وتوزيع عادل لثروات البلاد وإلغاء امتيازات رجالات الدولة الفاسدين وإنشاء المساواة بين مكونات الشعب السوري وتبسيط الحياة واسترداد كرامته وعزته المسلوبة كانت تقول إنها تريد القضاء على نظام الحكم ولكنها قضت على الدولة وبقي نظام الحكم, كمرجل هائل يضم خليطه مخابرات الدول ومواردها وأحزاب البلاد وأحزاب بلاد غيرها ويوزع على اليمين وعلى اليسار وعلى الرابح وعلى الخاسر
السنوات التي قادت إلى الثورة بسبب القمع الوحشي للنظام ثورة قام بها سوريون، ثم جاءت الوحشية التي مارسها الثوريون ضد السوريين أنفسهم لتنهي الحلم الذي لم يكتمل.
إن معظم من عمل في المعارضة المنظمة السياسية تورط بشكل أو بآخر بالمال السياسي الأميركي أو الخليجي أو الأوروبي أغلب الذين اشتغلوا لمؤسسات أو مع جهات عربية ودولية من المعارضين، وعلى وجه الخصوص من يُسمون بالنُخب من مثقفين وفنانين وسياسيين وجماعات حقوق الإنسان كل واحد من هؤلاء استفاد هو أو أقرباؤه وعلى جميع المستويات وهم متورطون بالفساد وبالدم مثلهم مثل أزلام بشار الأسد، وبل يحملون ذنباً ومسؤولية أكثر بكثير.
فلأول مرة بالتاريخ تقاسم قادة الثورة ربيعها وحصصهم وأرباحهم من سوريا قبل انتظار نتائجها والكلام هنا للراحل ميشيل كيلو.
ما الشيء الذي يمكن أن يفعله "السوريون" بعد تخلي المجتمع الدولي عنهم؟.. وبقاء معارضتهم أدوات بيد الجميع إلا السوريين وبدعوتهم إلى المفاوضات والاجتماعات لتحديد شكل النظام القادم ولتحديد آلية وضع دستور جديد لسوريا لنظام لا يسأل أصلاً عن دستور ولا عن شعب وما زال متمسكاً بأنها مؤامرة كونية وكل من ينتفض بوجه نظامه هو خائن وعدو الشعب.
ثورة الخبز قادمة
غالبية الناس، يجمعوا على اعتبار تركيبة النظام نفسها أحد أبرز أسباب الثورة القادمة. الأسباب الأخرى بشكل أساسي هي اقتصادية، إذ كان الجوع وسوء التغذية منتشرا بين الفئات الفقيرة مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالخبز وأسعار المحاصيل، بنتيجة التغير المناخي والجفاف والحصار الاقتصادي إلى جانب نظام وسائل النقل غير الكافية التي تعيق نقل المزروعات من المناطق الريفية إلى المراكز السكانية الكبيرة، إلى حد زعزع لدرجة كبيرة استقرار المجتمع السوري. ومن القضايا الاقتصادية الأخرى كان إفلاس الدولة بسبب التكلفة الكبيرة للحروب السابقة، وتخلي الحلفاء عنها لأسباب ذاتية.
هذه الأمور ساهمت في إثارة الرأي العام داخل مناطق النظام وهناك العديد من العوامل الأخرى، يمكن النظر إليها أنها من الممكن أن تسبب في اندلاع الثورة الثانية، كالرغبة في القضاء على الحكم المطلق، والاستياء من الامتيازات الممنوحة لبعض الأشخاص وطبقة الحكم، والاستياء من تأثير رجالات الدين على السياسة العامة والمؤسسات، والتطلع نحو الحرية الدينية والتخلص من الأرستقراطية لأثرياء الحرب، وتحقيق المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لا سيّما إذا تقدمت الثورة للمطالبة بنظام جمهوري عادل ديمقراطي حر.
التعليقات (62)