عن الفساد وحريق سوق ساروجة في دمشق

عن الفساد وحريق سوق ساروجة في دمشق

تكرِّس "ناديا خوست" الكاتبة السورية التي فرضت نفسها وصية على آثار مدينة دمشق طوال حياتها مقولةً درج عليها بعضٌ ممن يمجِّدون الديكتاتورية، والحكم الفردي المطلق، منذ أيَّام حافظ الأسد إلى ابنه الوريث، وهي: أنَّ "الرئيس السوري وطني ومخلص، لكن الحكومة، ومن يلوذ بها مجموعة من الفاسدين!"

 كان الممجدون يبرِّرون لحافظ الأسد تردِّي الوضع الداخلي الاقتصادي والمعيشي بأن اهتمامه كان منصبَّاً على متابعة السياسة الخارجية، ليحافظ على الموقف "الوطني"، ويصدَّ "تآمر العالم" عن سورية، وكان أحد قادة أحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" يهدئ بعض أعضاء حزبه، ممن لا تروق لهم سياسة حزبهم تجاه الفساد، وبؤس أحوال الشعب بقوله: "لو كنَّا ننطلق من الأوضاع الداخلية لكنا في المعارضة حتماً" هكذا بكل مخاتلة، وكأن سورية دولة ديمقراطية يسمح فيها لأحزاب معارضة، وكأنَّ الموقف الوطني منفصل أيضاً حاجات الشعب! 

اليوم يقول هؤلاء وورثتهم عن ابنه، بأنه مخلص وطيب، ويقود معركة "وطنية ضد الفساد، والإرهاب".. لكن الواقع غير ذلك وسأورد بعض القصص لنرى أين هو موطن الفساد الحقيقي:

في إحدى الزيارات الرسمية للرئيس السوري بشار الأسد خارج سوريا، رأى أحد مرافقيه الوزراء استغلال قربه منه في الطائرة، أن يعرض عليه مشكلة تتعلق بالمهندس "قيس الأسد" من أولاد عمومة الرئيس، وكان مديراً لمؤسسة استصلاح الأراضي.. وما إن بدأ الوزير بمخاطبة الرئيس ذاكراً اسم المهندس، ونسبته، ووظيفته حتى بادره "الرئيس" بقوله:

 - "أحقاً لي قريب مهندس، ومدير أيضاً.. جميل، والله، أنا لا أسمع أخباراً تخصُّ أقربائي إلا حول إثارة مشكلات، وإزعاج الآخرين. هات نورني.."

- أوردت هذه الحادثة كما حكيت أمامي بدقة، لأقول أمرين، أولهما: إن الحكم أميل إلى نظام الأسرة، وإن اسم أيِّ واحد منها يشكل رهبة للسوريين حتى وإن كان وزيراً، وهذا لا يعني أنَّ وجوهاً من الطائفة استثمرت في الجيش وأجهزة الأمن حفاظاً على سلطة الأسرة، مقابل إطلاق أيديها في أملاك الدولة، وأموال الشعب! وثانيهما: إن الفساد، وتحديداً تجارة الممنوعات، بدأت منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، أي منذ أن استباح الجيش السوري دولة لبنان، ومن عاش تلك الفترة، لا يزال يذكر كيف افتتح رفعت الأسد سوقاً للمهربات من لبنان على أرض اقتطعت من أملاك الدولة أو غيرها على أوتوستراد المزة، في منطقة "السومرية"!

- في حديث لي عن حال سورية وشؤونها، وكمِّ الفساد الحاصل في أركانها، ومفاصلها الرئيسة، مع أحد قياديي الحزب الشيوعي السوري الموحد، أشار إلى ما باح به أمامه أحد أثرياء مرحلة حافظ الأسد عن حياة البؤس التي عاشها في طفولته، ومن ذلك، أنَّه كان يذهب إلى المدرسة الابتدائية حافياً! يعلِّق ذلك القيادي بقوله "اليوم لديه ميناء خاص على الساحل السوري!" بالطبع لم أسأله عن اسم الشخص، لكنني أقدر أنه جميل الأسد الأخ الأكبر لحافظ.. وربما كان هناك أكثر من ميناء..

- في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي شكَّلت الحكومة السورية لجنة أسمتها لجنة الكسب غير المشروع.. وأوكلت أمرها إلى "أحمد دياب" عضو القيادة القطرية لحزب البعث، وقيل يومها إنه حزبي موثوق، ومشهود له بنظافة اليد! وبالفعل انتهت اللجنة، بعد فترة وجيزة، إلا أنَّ "دود الخل منه وفيه!" إذ وضعت يدها على شبكة فساد كانت وراء صفقة شاحنات صغيرة (سوزوكي) تعود لشركة "هدايا" التي كان لرفعت الأسد حصة فيها.. حينذاك انتحر أحد أطراف الشبكة بإلقاء نفسه من الطابق الرابع! ولتموت اللجنة بوثائقها معه. ولا أحد، في الحقيقة، يعرف هل انتحر ذلك الفاسد الشريك فعلاً، أم إن جذور انتحار محمود الزعبي، وغازي كنعان بثلاث رصاصات في الرأس، يعود إلى ذلك الزمن.. 

- الصحفي و"اليوتيوبر" "ماهر شرف الدين" أشار في قراءته لنتائج الشهادة الثانوية السورية، إلى ما وراء تلك الشهادات فقال: إن واحداً وعشرين طالباً من بين ثلاثة وثلاثين نالوا العلامة التامة في الشهادة الثانوية لدورة العام الحالي 2023 هم من محافظتي اللاذقية وطرطوس، وتساءل أين هم إذاً طلاب دمشق وريفها وحلب وحمص وحماة والسويداء ودرعا؟! ويتابع فيقول: اللافت أكثر، أن ثمانية من هؤلاء قدموا امتحاناتهم، في قاعة واحدة.. انتبهوا، في قاعة واحدة، لا في مركز واحد..! ورغم ذلك تراهن الكاتبة، المشار إليها أعلاه، على "مؤسسة الرئاسة السورية" في حماية التعليم وكذا.. وكذا، إذ تقول:

"بعد اثنتي عشرة سنة من الحرب، نحتاج تثبيت سلطة الدولة حامية التعليم والاقتصاد الوطني والصحة والثقافة والإعلام. وحل مشكلة التناقض بين النهج السياسي الوطني الذي تحمله مؤسسة الرئاسة السورية في اتجاه روح العصر، وبين نهج الحكومة، والفئات الحزبية التي تجسِّد الجانب الذي يطوى من التاريخ الإنساني". 

إن الكاتبة تَفْصِل بين القصر الجمهوري، بمن يمثله، وبين الحكومات السورية المتعاقبة، وفئات من الحزب الحاكم، وكأن الحكومة السورية ينتخبها الشعب، لا يعيِّنُها الرئيس كما يعين القيادة القطرية لحزب البعث! وكأن الرئيس الوريث لم يأمر جيشه ذي "الأساطير والصمود" (الوصف للكاتبة) بإطلاق النار على الشعب لأنه طالب بجزء من حرية، وبانتخابات يكون له دور في محاسبتها..

- يرى عبد الرحمن الكواكبي في بحث الاستبداد والمجد من كتابه طبائع الاستبداد أن المستبد: "يتخذ المتمجدين سماسرة لتغرير الأمة باسم خدمة الدين أو حب الوطن" فيقول في المبحث ذاته: على لسان المُمَجِدِين (المنافقين)، وهم يوجهون خطابهم للمستبد على كرسيِّ عرشه:

 "والله ما مكَّنَك في هذا المُقَام، وسلَّطك على رقاب الأنام، إلا شعوذتنا وسحرنا، وامتهاننا لديننا ووجداننا، وخيانتنا لوطننا وإخواننا، فانظر أيها الصغيرُ المُكَبَّر، والحقيرُ المُوَقَّر، كيف تعيشُ معنا.." 

وأختم بحادثة معروفة إذ تؤكد أن رأس الدولة هو المسؤول دائماً عن سير بلده صواباً أو خطأ.. وهي عن رئيس دولة ماليزيا السابق "مهاتير محمد" الذي أحبَّ وطنه فأحبه شعبه، وهو الذي نقل بلاده من التخلف إلى التقدم، خلال عقدين من الزمن، معتمداً على التعليم بالذات.. فبعد أن استقال، طوعياً، بسنوات، ظهر فساد في البلاد، فأعاده الشعب إلى الحكم، وكان قد تجاوز التسعين، واستطاع خلال أسابيع أن يسترد مليارات الدولارات المنهوبة..!

بقي أن أؤكد أنَّ الحرائق بدءاً من حريق سوق البزورية، وانتهاء بسوق ساروجة، ومروراً بحرائق الغابات، وحريق سورية الكبير وخرابها إنما هي مسؤولية القصر الجمهوري لا غير..!

التعليقات (4)

    لف ودوران وحشو

    ·منذ 8 أشهر 3 أسابيع
    لف ودوران وتشتيت ذهن القارئ ان الحريق بفعل بشار الاسد وهو يوهم القارىء ان رأس النظام بشر وهذا مناف للحقيقة لان بشار لا يفكر لو اختصرت كل هذا اللف والدوران والحشو وقلت : الذي حرق غابات الساحل هو الذي حرق سوق ساروجة كنت وصلت معلومة مفيدة

    سوري مُشرد

    ·منذ 8 أشهر 3 أسابيع
    خير الكلام ماقل و دل. و لا داعي لكل هذه المقدمة الطويلة المشتتة للأفكار و التفكير.باختصار شديد الحرائق التي التهمت الأسواق التجارية هي بفعل أزلام العصابة النصيرية الطائفية الإجرامية لصالح مجوس إيران حتى يتم استملاكها من قبل هؤلاء المجوس الكفرة عبيد الأضرحة و المقابر و بأرخص الأسعار لتصبح هذه الأسواق فيما بعد مكملة لأسواق جمهورية إيران المجوسية اللا إسلامية .و شيئاً فشيئاً ستندثر هوية دمشق الأموية الإسلامية و تتحول بمعية الكفرة إلى بؤرة للرذيلة و التحشيش و دعارة المتعة و الحُسينيات و حفلات التطبير لأجل خرافة (الحسين) المزعوم و (المهدي المنتظر) . و أهل السنة يتفرجون غير مبالين!!

    عجيب

    ·منذ 8 أشهر 3 أسابيع
    استغرب أن أورينت لا تضع وتظهر إلا التعليقات التافهة والهابطة وكأنها جزء من آلة الأسد الإعلامية. هل معقول أنه لم يبق من متابعيكم ومعلقيكم إلا التافهون. أم أن من ينتقي التعليقات مستواه هكذا. على كل هذه رسالة له.

    E.E.Z

    ·منذ 8 أشهر 3 أسابيع
    إن بلاد الشام مهد الحضارة الانسانية الممثل بسوريا ولبنان والأردن وفلسطين قد استغرق هذا المهد وقت طويل عبر التاريخ لتنشئ فيه نهضة البنيان، لذلك كان من الواجب على الحاقدين من اعداء الإنسانية وأخوة الشياطين امثال العلوية والشيعة التي اقامتهم ودعمتهم فرنسا والصهيونية وحزب الملك العاهر الأردني التي اقامتهم ودعمتهم انكلترا أن تأخذ بعض الوقت لحرق هذه الحضارة وبالتدريج، وكما شاهدنا كيف احترقت فلسطين والاردن يوم بعد يوم عبر 70 عام شاهدنا ايضاً كيف تحترق دمشق وبيروت يوم بعد يوم بالتدريج وبكافة التفاصيل والطرق الخبيثة.
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات