سوريو التيه ومحاولات شيطنة الإعلام المناصر لهم

سوريو التيه ومحاولات شيطنة الإعلام المناصر لهم

هل سمعتم أو قرأتم قط عن دولة هرب نصف سكانها منها ويسعى النصف الآخر جاهدا للنجاة بنفسه وعائلته والفرار من جحيم العيش فيها ما استطاع إلى ذلك سبيلا؟.

بالتأكيد لم يحصل، ولا أعتقد أنه سيحصل مستقبلا إلا في أشباه الدول التي تتماثل فيها شروط العيش الحيواني مع شروط حياة السوريين تحت نعل البسطار العسكري والبطش الأمني الذي تمارسه العصابات الحاكمة في تلك (الدول)! . 

السوريون الذين اختاروا البقاء بمحض إرادتهم في دول الجوار، أو أجبرتهم ظروفهم المختلفة على البقاء في تلك الدول دون غطاء قانوني أممي يحمي وجودهم وحقوقهم فيها ويدافع عنهم إذا ما انتهكت تلك الحقوق يمكن تصنيفهم اليوم على أنهم سوريو التيه.. فهم لا يعرفون لأنفسهم وحياتهم مستقرا مع تنامي الكراهية لهم وتعاظم السلوك العنصري تجاههم في المجتمعات الملجئة، فلا هم قادرون على تحمل وطأة هذا السلوك ومفرزاته ونتائجه، ولا هم يستطيعون العودة إلى بلادهم التي تحولت إلى جحيم مستعر ولا يسمح لهم بالفرار من تلك البلاد نحو أرض لا تزال تقيم بعض قيمة لرسالات الله و للأخلاق والقانون. 

تتصدر اليوم أخبار الحملة الأمنية التركية المستمرة لترحيل " المهاجرين غير القانونيين " عن أراضيها وما يعتري تلك الحملة من انتهاكات بحق آلاف اللاجئين السوريين، نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في مسعى واضح من السلطات التركية لترحيل أكبر عدد من السوريين ممن سبق لها أن أسبغت الحماية عليهم إنفاذا لوعود انتخابية كان السوري فيها بضاعة المزادات والمزاودات، في وقت اعتقد فيه السوريون أنهم نجوا بعيد إعلان نتائج تلك الانتخابات (!) .

لا يمكن فصل المسعى التركي لطي ملف اللاجئين وإعادة السوريين إلى بلدهم دون اكتراث لمصيرهم بينما كل التقارير الحقوقية الدولية والمحلية تؤكد أن كل الجغرافيا السورية ليست آمنة لعودة اللاجئين، عن الحراك التركي والإقليمي لإعادة اللاجئين الى بلدهم ولا عن المساعي المحمومة لتطبيع العلاقات مع السلطة التي أجبرت هؤلاء اللاجئين على الفرار (!) ولا يمكن أيضا وأيضا فصل هذا الملف عن القيمة المضافة لمصالح دول الإقليم نتيجة الاستثمار فيه، والذي يبدو أنه استنفد أغراضه ولم يعد ورقة ذات قيمة تذكر في موازين المكاسب المفترضة منه. 

في حمأة المتاجرة بالقضية السورية ومستقبل اللاجئين لاذت بالصمت المخزي كل أدوات المعارضة الرخيصة المصنّعة خارج نطاق حقوق السوريين وإرادتهم، ومعظم البنى والأدوات المحسوبة على السوريين كبنى مجتمعية مدنية، فضلا عن مؤسسات أممية أصابها الخرس رغم أن مهمتها الأساسية الدفاع عن حقوق اللاجئين، ولم يبق للسوريين من نصير إلا أنفسهم ووسائل إعلامهم التي ألزمت نفسها مبكرا بنصرتهم ونصرة حقهم في عيش آمن وحر وكريم لتكشف زيف كل مساعي الزائفين والمزيفين والمتاجرين بحقوق السوريين وقضيتهم الوطنية والإنسانية والحقوقية . 

وسائل الإعلام السورية الداعمة والمناصرة لحقوق السوريين في الحرية ودولة القانون والتي أخذت على عاتقها نصرة القضية الوطنية السورية ونصرة حقوق اللاجئين وتسليط الضوء على مختلف الجرائم والانتهاكات التي ترتكب بحقهم خلافا لأي قانون أو مقتضيات الضمير الإنساني السوي، تتعرض هي وبعض العاملين فيها لضغوط معنوية وتحريض غير مسبوق من بعض العنصريين الذين باتوا يلاحقون حتى ما تبثه تلك المنصات الإعلامية وما تكشف عنه من مخالفات وانتهاكات للقانون الوطني والدولي يرتكبها بعض عناصر منوط بها إنفاذ القانون لا التجاوز عليه أو التعسف الجائر في تطبيقه، لأنهم أدركوا أن مساعيهم التحريضية على السوريين يتم كشف زيفها وتفنيدها ودحضها من قبل تلك المنصات الإعلامية المناصرة لقضية السوريين وحقهم في مساحة آمنة للعيش الكريم، وأن هذه الحقائق التي تبثها تلك المنصات صارت قادرة على وضع الحقائق عارية أمام صانعي القرار وتفرض عليهم إجراء مراجعات لقراراتهم الخاطئة أو تلك التي افترضوا أثرا إيجابيا لها وتبين عبر الكشف عن نتائجها أنها لم تكن كذلك، وهو ما لا يريده أولئك العنصريون المتطرفون ولا يرغبون به لأنه يسهم في كشف زيفهم ويعري مآربهم، فصار بعض الإعلاميين السوريين هدفا لهؤلاء وصار التحريض عليهم جزءا من السموم التي ينفثونها في عقول العامة في مسعى لإشاعة جو من التخويف والترهيب لهؤلاء الإعلاميين دون طائل.. فمن آلى على نفسه أن يحمل عبء قضية شائكة بحجم القضية السورية ويكون فيها ناصرا للمستضعفين لن يفت من عضده هراء وتجييش بعض الذباب الإلكتروني الذي يتعيش على قاذورات الطغاة والحثالات العنصرية  . 

في ظل هزيمة الأدوات السياسية المرتهنة، والكثير من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية الوظيفية، بقي الإعلام السوري المعارض وكثير من رموزه ورجالاته نصيرا للمضطهدين، لم يساوم قط في قضيته الوطنية ولم يبازر بحقوق السوريين المشردين لأجل فتات مكاسب، وظل يقول للأعور أعور وحسير النظر .. هذه المنصات الإعلامية هي متراس السوريين الأخير الذي يمكن لهم – ويتعين عليهم – التحصن خلفه وتقديم مختلف أشكال الدعم المعنوي له فهو ليس فقط من يدافع عن حقنا بالحرية وإنما هو من يتيح لنا أيضا فسحة فسيحة من فضاءات الحرية التي تمكننا من الجهر بالقول في زمن الكبت والقسر والقهر. 

التعليقات (1)

    من المهجر

    ·منذ 8 أشهر 4 أسابيع
    مقال جيد
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات