البعث في العراق وسوريا بين مشروع الدولة ومشروع السلطة

البعث في العراق وسوريا بين مشروع الدولة ومشروع السلطة

لعله لا يختلف اثنان على كون حزب البعث حزباً واحداً سواء في العراق أو في سوريا، وهذا الحزب القومي الذي تم تأسيسه في أربعينيات القرن الماضي، كان منذ تأسيسه يتبنّى شعارات الأمة العربية الواحدة بتاريخها ولغتها وثقافتها، وكان يدّعي أنه صوت الطبقة الكادحة من الفلاحين والعمال وصغار الكسبة، لذلك كان أغلب المنتسبين إليه من هذه الطبقة.

ولعله لا يختلف اثنان أيضاً على أن هذا الحزب أفرز بجناحيه العراقي والسوري قيادة من منتسبيه في كلا البلدين، فكان حافظ الأسد قائداً للجناح السوري وصدام حسين قائداً للجناح العراقي.
ولعل العلاقة المتنافرة التي وصلت إلى حد القطيعة بين هذين الشخصين، انعكست على علاقة الشعبين العراقي والسوري فيما بينهما، فكانت القطيعة بين الشعبين، رغم مشاعر المحبة المتبادلة المكبوتة عند الطرفين.

لكن بالنظر إلى التجربتين من الخارج، وقراءة محتوى كل تجربة على حدة بعين محايدة تبتغي الموضوعية في الطرح، وعدم الانسياق وراء المشاعر والعاطفة، سيصل إلى أن صدام حسين وحافظ الأسد حاكمان قويان دكتاتوريان حكما بلدين عربيّين باسم حزب البعث بالحديد والنار، لكن عند الدخول في التفاصيل في كلا البلدين، سنجد أن العراق كان بلداً قوياً غنياً تحكم مفاصله نخبة من أهل الاختصاص والخبرة والنزاهة، فكانت النتيجة أن كان العراق دولة مُهابة الجانب، عسكرياً وعلمياً، حيث صار العراق يملك جيشاً قوياً، ونخبة من العلماء في كل الاختصاصات وصلت مكانتهم العلمية إلى العالمية، نظراً لما كان يتلقّى هؤلاء من دعم من حكومتهم برئاسة صدام حسين، أضف إلى ذلك أن الشعب العراقي يعيش في بحبوحة من الغنى المادي، فلا تجد مواطناً عراقياً يخرج من بلده مهاجراً للعمل في الدول المجاورة ليعيل أهله، وكل هذا بمعزل عن أسلوب السيطرة الأمنية القوية التي تحكمه.

وهذا يأخذنا إلى استنتاج مفاده أن صدام حسين الدكتاتور النزيه (نظراً إلى أنه ثبت أن الرجل لم يجدوا له رصيداً حتى ولو بدولار واحد خارج العراق أو داخله)، كان مشروعه مشروع بناء دولة قوية، وقد اجتهد خاطئاً أن الوصول إلى هذا الهدف يستوجب إسكات الأصوات المعارضة عبر الأجهزة الأمنية حتى لا ينشغل بها، وهو يسعى إلى تحقيق هدفه الأسمى وهو بناء الدولة القوية.

أما في سوريا، فبالنظر إلى نسبة الفساد المستشري في مفاصل الدولة، بسبب تقديم الموالي الفاسد على الصالح والنزيه، ستجد أن هذا كان نتيجة السياسة المتبعة من حافظ الأسد الدكتاتور الفاسد (نظراً إلى التقارير التي تشير إلى الأرصدة الهائلة للأسد وعائلته خارج البلاد)، لضمان بقائه على الكرسي ومن بعده عائلته أطول مدة ممكنة تصل إلى الأبد، فالفاسد يمكن السيطرة عليه وضمان ولائه المطلق نظراً للملفات المتورط فيها والتي تكون عادة في حوزة مخابرات الأسد، فيفعل ما يُطلَب منه من فم ساكت، فالنزيه والصالح لا مكان له في دولة الأسد، فافعل ما تشاء من نهب وسرقة ورشوة شرطَ ألا تقترب من حقل السياسة، فعندها فقط تُفتَح لك أبواب المناصب والسلطة والمال، وتصبح وجهاً من وجوه المجتمع، وهذا ما انعكس سلباً على كل مناحي الحياة سواء الاجتماعية والعلمية والثقافية وسواها، فمن الناحية الاجتماعية نجد أن الشعب السوري رغم غنى بلده الفاحش يعيش تحت خط الفقر، وكثير من أبنائه مهاجرون تجدهم منتشرين في بقاع الأرض ليعيلوا أهلهم ويبنوا مستقبلهم.

وأما من الناحية العلمية، فلم يكن هناك اهتمام من قبل الدولة لدعم هذا الجانب، فلا تكاد تقع على اسم عالم سوري واحد وصل إلى مكانة مرموقة في اختصاصه وهو في بلده، سوى من برز منهم في الدول المتقدمة، وهذا يعود إلى الدعم الذي تلقّوه من تلك الدول، وليس من دولتهم الأم سوريا التي أهملتهم، فخرجوا هاربين من جحيم إهمالها.

ولعل قصة مصطفى ميرو الذي كان محافظاً لحلب، والذي رائحة فساده استشرت حتى زكمت الأنوف، أفضل دليل يمكن الاستشهاد به على فساد المنظومة الحاكمة في سوريا، فبدلاً من محاسبته وزجّه في السجن، تم تعيينه رئيساً للوزراء بعد كل ما فعل.

وهذا يقودنا إلى استنتاج مخالف لما استنتجناه في تجربة العراق، ألا وهو أن حافظ أسد كان مشروعه السلطة والمحافظة عليها، وليس بناء دولة قوية، واعتمد في بناء مشروعه السلطوي الأبدي على مجموعة من الأجهزة المخابراتية المتنافسة فيما بينها، وتتجسس على بعضها، إضافة لمهتها الأساسية وهي مراقبة أنفاس الشعب في شهيقه وزفيره.

ولعل هذا يقودنا إلى التفكير في تعامل الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية مع التجربتين في كلا البلدين، ففي العراق نجد أن هذا الغرب دمّر العراق وأعاده إلى القرون الوسطى، فأعدم رئيسه صدام حسين، وقتل علماءه ونخبه وحل جيشه، وجعل منه دولة فاشلة سلّمها على طبق من فضة لإيران العدو التاريخي للشعب العراقي، ثم أقرّ قانوناً باجتثاث البعث من جذوره.

أما في سوريا، فقد تآمر الغرب نفسه على ثورة الشعب السوري بعد عام 2011، ودعم بقاء نظام الأسد ولم يسمح بسقوطه، بل وأعلن ذلك صراحة، من خلال تصريحات مسؤوليه بقولهم إننا لا نريد إسقاط النظام السوري، بل نريد تغيير سلوكه، رغم ما فعله من قتل وتدمير طال البشر والحجر.

فهل حزب البعث في سوريا غير حزب البعث في العراق، الأول بسكّر والثاني سادة من دون سكّر؟!

الجواب - بلا ريب - لا، فالبعث واحد في كلا الطرفين، لكن الفرق في القيادة والأهداف والمشروع، فهناك في العراق المشروع مشروع دولة قوية، وهذا غير مسموح به غربياً، لذلك تم القضاء على الدولة والمشروع معاً.

أما في سوريا، فالمشروع مشروع سلطة، وهذا لا يضير الغرب في شيء، لذلك يجب المحافظة عليه ودعمه خشية أن يأتي من يسعى لبناء دولة قوية كما في العراق، فتكون النتيجة تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ولو بعد حين.

فشتّان ما بين دكتاتور همّه بناء دولة قوية يحسب حسابها الجميع، وبين آخر همّه الكرسي له ولأبنائه من بعده، ولتذهب الدولة وهيبتها إلى الجحيم.

التعليقات (5)

    للأسف

    ·منذ 8 أشهر 4 أسابيع
    تحليل سطحي لا يرقى للقراءة

    تحليل سخيف

    ·منذ 8 أشهر 4 أسابيع
    يلي بيقرأ المقال بفكر انو الغرب ما الن لا شغلة ولا عملة بهالحياة غير التآمر ع سوريا و العراق ههههه…بينامو و بفيقو وهني عم يفكرو بسوريا و شو بدن يعملو بسوريا ههههههه …مع احترامي بس تحليل ومقال سخيف

    سوري حر

    ·منذ 8 أشهر 4 أسابيع
    المقال مو سخيف .. بالعكس تحليل منطقي لما آلت إليه الأمور في البلدين. لكن أكيد الي ما عجبهم المقال وقالوا سخيف .. هم شبيحة من عبيد الأسد

    مقال سطحي

    ·منذ 8 أشهر 3 أسابيع
    مقال سطحي ويعلن روحك يا حافظ

    بيكفي مقالات دون

    ·منذ 8 أشهر 3 أسابيع
    هي كارثة شعبنا يلي بينتقد إعلام المعارضة بيقولو شبيح ذكرتونا وقت انتقدو الناس فساد الائتلاف قلتو عنن شبيحة بيكفي بقا وصلتو للحضيض
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات