هل تشتعل جبهات سوريا من جديد؟

هل تشتعل جبهات سوريا من جديد؟

تزامناً مع نهاية الانتخابات التركية كثر الحديث عن تحشيدات عسكرية هنا وتأهبات هناك، وهو ما حدا ببعض المحللين السياسيين لإطلاق بعض التحذيرات والتنبؤات التي تنذر بصيف ساخن ينتظر الجبهات السورية متنوعة الخصوم. في المقابل، هناك بعض الآراء التي يُعتقد أنها أكثر حصافة تعتبر أن كل ما يحصل عبارة عن أفعال وردود أفعال لها سقف محدد وأهداف محددة.

كانت البداية من الحديث عن قيام نظام أسد بنقل بعض القوات التابعة له نحو الجبهات الشمالية الغربية مع حديث عن تأجيل عمليات التسريح في الجيش مصحوبة بضخّ إعلامي شبه رسمي يروج لما أسموه " معركة الشمال الكبرى"، ولكن مع مرور الوقت ذهب الحديث عن تلك العملية أدراج الرياح، ويبدو أن تلك التحركات وما رافقها من ضخ إعلامي ربما كانت كنوع من الضغوط على الحكومة التركية، أو هي رد فعل على أخبار تواردت عن نوايا لاستعادة حلب، أو أنها محاولة لتبريد الجبهة الداخلية عن طريق إحماء لجبهات القتال ولو لفظياً، أو ربما لأسباب أخرى ضمن هذا السياق.

بعد ذلك، سرعان ما توجّهت الأنظار نحو الجبهات الشرقية، ولكن هذه المرة أصبحت المعطيات أكثر وضوحاً، وأصبحت آراء المحللين الذين يتنبؤون بصيف ساخن مرتكزة على مؤشرات قوية؛ فهناك تصريحات تصعيدية مشفوعة برصد واضح للموارد، وهو الشرط المهم لأخذ التصريحات على محمل الجد. بالإضافة إلى ذلك يحرص بعض المحللين على دعم تنبؤاتهم من خلال استقاء الأخبار من مصادر موثوقة من قلب الحدث كما يقال، ومقاطعتها مع الأخبار الواردة من المصادر المفتوحة، وهو ما دفع بعض هؤلاء من خلال المعلومات التي توفرت لديهم من المصادر الخاصة والمصادر المفتوحة إلى إطلاق التنبؤات الجازمة بأن الصدام قادم لا محالة.

إذاً، هناك تحشيد وتحشيد مقابل في الكمّ والنوع، وهناك مناورات ومناورات مضادة، وهناك استحداث لقوى جديدة وتصريحات متضاربة وتحرشات إيرانية على الأرض وأخرى روسية في الجو، وهناك دعم وتنسيق وحراك عسكري واضح؛ وهذا كله يُعد مؤشرات واضحة ومهمة للمحللين السياسيين الذين يعتقدون أن الصِّدام أصبح قاب قوسين أو أدنى، وهذا كله مفهوم وواضح، ولكن على ماذا يعتمد المشككون، أو أولئك الذين يعتقدون أن هذه المؤشرات غير كافية وأن احتمالات الصدام ضعيفة جداً؟

بمنظور المشككين -ونحن منهم- كل تلك المؤشرات غير كافية في ظل وجود قرار إستراتيجي وتفاهمات معلنة وغير معلنة لدى القوى الفاعلة على الساحة السورية بعدم الوصول إلى مرحلة الصدام المفتوح، وهو ما أثبتته الكثير من الأحداث خلال السنوات الماضية، والتي برهنت على وجود تنسيق تام بين تلك الأطراف. لذلك، يُنظر إلى كل تلك التحركات على أنها تأتي في سياق الضغوط والضغوط المضادة، ولعل مصطلح الردع ينطبق على التحركات الأمريكية الأخيرة أكثر من غيره من المصطلحات، فالقصة بدأت بعد تصريحات أمريكية حول معلومات تفيد بأن إيران تنقل أسلحة فتاكة ونوعية لبعض القوى الموجودة في المناطق القريبة من القواعد الأمريكية بالتزامن مع إعلان نظام أسد إطلاق ما أسماه بالمقاومة الشعبية.

وتُعتبر فكرة المقاومة الشعبية فكرة خبيثة لإحراج الولايات المتحدة ومضايقتها، ومن ثم طردها من سورية إن أمكن، فالمقاومة الشعبية ضد المحتل تعتبر سلوكاً قانونياً، وهو من الاستثناءات القليلة لإباحة استخدام العنف وفق القوانين الدولية. لذلك، فعلى الولايات المتحدة أن تتحاشى هذا النوع من الصدام عن طريق تجنيد وكلاء محليين، وهو ما يعتبر تفريغاً لفكرة المقاومة الشعبية من محتواها، فالتحركات العسكرية الأمريكية لا تعدو عن كونها ردود أفعال أكثر من كونها مبادرة، والغاية منها ردع القوى التي تنوي التحرش بقواتها الموجودة على الأراضي السورية تحت مسمى المقاومة الشعبية.

يُعتبر الردع عن طريق التلويح بالقوة من أهم الأساليب المعروفة، ولكن التلويح بالقوة وحده لا يكفي، إذ يحتاج لإبراز الجدّية في النية باستخدام هذه القوة، وإبراز الجدية يقتضي مزيداً من السرية، وإلا فقَدَ التلويح بالقوة مفعوله الردعي. بمعنى آخر؛ إذا كانت القيادة تقصد من تحركاتها مجرد الردع وأنها لا تنوي الوصول إلى الصدام المباشر في النهاية، فإن هذا القرار يجب أن يبقى خفياً حتى عن كبار المسؤولين، وربما عن الشخص المكلف بإدارة الملف ذاته، فهذا يجب أن يكون معتقداً أنه ذاهب نحو الصدام ويجب أن يصرح بذلك. وهذا ما يفسر لنا لماذا يقع بعض المحللين بالخطأ رغم اعتمادهم على مصادر موثوقة عند إطلاق الأحكام.

يُعد أسلوب التلويح بالقوة أحد أساليب الضغط التي تستخدمها الدول تجاه بعضها، وهو غالباً ما يؤتي أكله دون الحاجة إلى اللجوء للحرب. لذلك، الأرجح أن تتوصل الأطراف إلى نوع من التفاهمات المؤقتة التي تضع حداً لهذا التصعيد المتبادَل. ولكن رغم ذلك، قد تقوم الولايات المتحدة عن طريق حلفائها على الأرض بتوسيع مناطق نفوذها في مناطق محددة جداً؛ الغاية منها إبعاد الخطر عن قواتها في سوريا، إلا أن هذه العملية تحتاج لحسابات معقدة جداً، لها علاقة بالموقف الروسي والتنبؤ بمستوى رد الفعل الإيراني.

كل ذلك وغيره من المعطيات الموضوعية يجعلنا نقول: إن احتمالات الصدام العسكري بين القوى الفاعلة في سوريا لا تتجاوز الواحد أو الاثنين بالمئة. 

التعليقات (1)

    Nadim

    ·منذ 9 أشهر أسبوع
    حرب لاتنتهي .المنطقة بآكملها في حالة عدم استقرار .خطة حرب المئة عام تنتهي في عام ٢٠٩٩ على أنقاض الإسلام وارتداد الملايين من المسلمين عن دينهم.بعد معاناة استمرت طويلا.هكذا خطط الماسونيون لنزع الإيمان من قلوب العباد .القضمة القادمة للمجوس وبتخطيط ماسوني هي لأردن وبعدها مكة والمدينة لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ. وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات