بقاء الأسد لمصلحة من؟

عشرات الأفكار تتلاطم كموج عنيف في قحف رأسي حالما أتوجه بفكري وخواطري للساحل السوري الذي ما زال يرزح تحت عسف الاحتلال الأسدي منذ نصف قرن، مستذكراً سؤالاً خالداً أطلقه مفكر سوري لبناني قبل ثمانية عقود "ما الذي أتى بهذا الويل على بلادي؟".

لقد كان من سوء طالع هذه الجماعة-القبيلة بعشائرها المتعددة (العلويين) أن تبتلي بعائلة الوحش القادمة من حدود إيران الغربية، بلاءً لا شفاء منه إلا بالموت ربما أو بعملية جراحية خطيرة، هذا إن أدركت هذه القبيلة بعشائرها المشتتة بفعل الأسدية أن المرض الذي يضرب روحها هو ذاته الرمز الذي كان حتى وقت قريب يرفعون صوره في بيوتهم ويدق بعض شبابهم وشمه على صدورهم وأكتافهم.

تحالفت أجهزة أمن المنطقة العربية مع أجهزة أمن إقليمية إضافة للروسي، كل هؤلاء بقيادة الإسرائيلي لتثبيت بشار الأسد في كرسيه أياً كانت الظروف المحيطة ومهما كانت المصالح متضاربة، فإذ بها تلتقي- إيران وإسرائيل- لأول مرة إستراتيجياً في سوريا في مسألة بقاء الأسد إلى الأبد وبقاء أبنائه من بعده.

من ناحية إسرائيل، فبقاء الأسد مكافأة له لجعله سوريا أضعف عسكرياً بعشر مرات مما كانت عليه أيام والده حافظ الأسد، بحيث إن إسرائيل لو وجدت مصلحة لها لوصل جيشها مدينة حلب خلال ثلاث ساعات ولاحتلّت دمشق خلال ساعة ونصف (طبعاً في حال لم توجد مجموعات محلية يمكن أن تقاوم مؤقتاً الجيش الإسرائيلي).

أما إيران فهي تدعم بشار الأسد سياسياً وعسكرياً بلا حد، لأنه وحده من يتيح لها تحقيق حلمها الوصول إلى شاطىء المتوسط -مثل روسيا- وإقامة نفوذ اجتماعي لها في الساحل السوري يضمن لها استقرارها هناك. بالمقابل فبشار الأسد يضع معظم أوراقه إن لم تكن كلها في يد إيران بحيث إن كل مشروع عربي أو غير عربي سيفشل في سوريا -آخره مشروع خطوة بخطوة- إن لم تكن إيران هي المفاوض المباشر مع أصحاب المشروع، لسبب بسيط وهو أنها هي من تحكم سوريا فعلياً.

لذلك فالضغوط الاقتصادية التي تمارسها أمريكا على النظام تزيد إيران قوة في الساحل السوري، لأن هذه الضغوط تجعل الناس أكثر فقراً وجوعاً، فإذ بهم يسلّمون أمرهم لجمعيات إيران وأزلامها في الساحل طلباً للقمةٍ تبعد عنهم شبح الموت بعدما صار سوء التغذية وفقر الدم مرضاً شائعاً يعاني منه كثيرون في الساحل صغاراً وكباراً.

فما هي مصلحة الأنظمة العربية وأجهزتها الأمنية في دعم بقاء بشار الأسد وعائلته في السلطة حتى لو كان ثمن ذلك مأساة إنسانية كبرى، هي الأكبر في حجمها هذا القرن بحسب منظمات دولية؟.

إن مصلحة الأنظمة العربية في بقاء نظام الأسد وعائلته لا تقل عن مصلحتها هي بذاتها في البقاء في الحكم، فإن سقوط نظام بشار يعني أن هناك جدوى من الثورة عليه، وهو ما يعني تلقائياً انتفاضات شعبية في أكثر من بلد عربي ( ربما تشمل بلدان خليجية)، وتجدداً لثورات عربية في معظم البلدان التي لم تنجح شعوبها في الوصول إلى إقامة نظام وطني عادل بعد ثوراتها بداية العقد الفائت.

كما إن بقاء عائلة الأسد كمافيا مالكة تدير شؤون مناطق عديدة وتملك الثروات الهائلة يعني أن نموذج العائلات الحاكمة العربية الثرية سيبقى مقبولاً أو على الأقل ستبقى تلك العائلات آمنة.

تجدر الإشارة هنا -في سياق الحديث عن العائلات الحاكمة المالكة- إلى محاولة عائلة السيسي تقليد عائلة الأسد دون أن تلقى نجاحاً يذكر، لاختلاف طبيعة الشعبين السوري والمصري، وللاختلاف الجذري في طبيعة القوى السياسية في البلدين. 

في النهاية إن بقاء بشار الأسد هو الخيار الأفضل للقوى الإقليمية المتدخلة في سوريا، فهو خيار العدم أو اللاشيء حرفياً، الذي يمنح الجميع حرية العمل والصراع والتحالف وتصفية الحسابات في الأرض والسماء السورية، التي تحولت بفعل الفراغ السياسي والضعف العام إلى ساحة قتال وصراع لا أكثر.