قبل نصف قرن من الآن، لم يكن الذكاء البشري قد استزاد ذكاءً اصطناعياً بعد، لكن كان بمقدور الممثل السوري الموالي أحمد رافع أن يُهديَ البشريةَ ظهوره السينمائي الأول في فيلم "ذكرى ليلة حب" عام 1973، وكان عليه أن ينتظر انقضاء كل تلك المدة ليعيش ذكرى ليلة حب جديدة، بعدما نشرت شبكة "بلدي نيوز" مقطعاً مصوّراً له يُظهره متأوهاً مهتاجاً مغمغماً بشبقه الجنسيّ وشهواته المتعرّقة، وهو يخاطب "مريومة" لاعناً زميله الفنان الموالي أيمن رضا وأصله العراقي، معيّراً إيّاه بالخسّة وقلّة الأخلاق، محلّلاً على عجالة بنيّة المجتمع اللبناني المهووس بالمثلية الجنسية.
ثمّ لم يستعن أحمد رافع بالذكاء الاصطناعي للخروج من محنته الأخلاقية الأخيرة! بل اعتبر أنّ ذكاءً اصطناعياً معارضاً قد تآمر عليه، وفبرك للجمهور تلك الليلة الساخنة التي رصّعت مسيرته الفنيّة بالمزيد من نجوم "البورنو" الرخيصة.
الذكاء الاصطناعي لم يمرّ من الشرفة!!
عام 1956 عَاقَرَ الإلهامُ عقلَ "جون مكارثي" عالم الحاسوب المعروف، ليصوغ لنا مصطلح "الذكاء الاصطناعيّ" على أنه علم وهندسة صناعة الآلات الذكية، ثم ولاحقاً عرّفه "أندرياس كابلان" و"مايكل هاينلين" بأنه قدرة النظام الحاسوبي على تفسير البيانات الخارجية بشكل صحيح، والتعلّم من هذه البيانات، واستخدام كلّ ذلك لتحقيق أهداف ومهام محددة من خلال التكيّف المرن، ثم جاء أحمد رافع مؤخراً ليعرّفه لنا بأنه عمل سياسي معارض بغيض، اخترع صورته وصوته ليلاً لينال من سمعته الحسنة!! مثلما اخترع "مريومة" و"أيمن رضا" و"الشعب اللبناني".
أيضاً، وليس بالبعيد عن ذلك، ظهر بالمصادفة رجلُ أمنٍ خانه الذكاء الاصطناعي، لكنه بدا أشبه بمواطن سوري عادي يملك بيتاً وشرفة عاديين جداً، مثل أي بيت وشرفة عاديين جداً. وكان يصوّر بالمصادفة أيضاً مروراً رشيقاً لرأس النظام السوري وزوجته في إحدى حارات دمشق القديمة، وبصوته فقط اتّهمهما بأنهما "منورين؟!" وتلك تهمةٌ لا تقنع أحداً سواه، بل ودعاهما إلى تناول فنجان قهوة في بيته.
مواقع الطاعة والولاء الأعمى اتكلت كثيراً على هذا الفيديو لتسوّق من خلاله صورة الرئيس المتواضع، القادر على السير بمفرده، ومن دون أيّة حماية أو حراسة شخصية. لكن فيديو الشرفة ذاك كان يعوزه بعض الذكاء الاصطناعي، ربما لإخفاء ساقي مرافق بشار اللتين أطلّتا من فم الحارة لحظة التفت رأس النظام إلى الخلف ليتأكد من أنه محميٌّ بعناية.
كيف تتحوّل الروسيات هنا إلى سوريّات؟!
تستطيع "صوفيا" ابنة شركة "هانسن روبوتكس" أن تحكم العالم بصورة أفضل مما يفعله البشر، و"صوفيا" هذه هي روبوت مزوّد بذكاء اصطناعي يضاهي ذكاء أحمد رافع على أيّ حال. سمعناها تقول مثل هذا الكلام أثناء مؤتمر صحافي عُقد في جنيف مؤخراً خلال قمةٍ للأمم المتحدة، حيث شاركت في تلك القمة روبوتاتٌ ذات أشكال بشرية.
"صوفيا" الروبوت حين صرّحت بذلك، كانت مرتاحةً، إذ تعلم جيداً أن خالد العلي العضو في مجلس الشعب التابع للنظام السوري قد مات منذ خمس سنوات، وهو صاحبُ ذكاءٍ مستبدّ لا يعلوهُ ذكاء، وكنّا قد تأكدنا من صحّة ذلك لحظة ردد على مسامع الجميع عبارته الشهيرة الموجهة لرئيس نظامه بضرورة أن يحكم العالم، وألا يكتفيَ بحكم سوريا فقط!!
ولكي لا يظلّ أحمد رافع مُتأذياً بمفرده من جرّاء تسلّط الذكاء الاصطناعي "المعارض" عليه، قرر النظام السوري مؤخراً زجّ لاعبات روسيات ضمن تشكيلات منتخباته الرياضية المشاركة في دورة الألعاب العربية المقامة في الجزائر، وإن اكتُشف أمره ـ وهذا ما حدث فعلاً ـ سيقول بأن ذكاءً اصطناعياً "معارضاً" يقف وراء هذه الفعلة الذميمة، فأخلاق النظام السوري تمنعه قطعاً من تحويل اسم "أناستيا سورجينا" إلى "إيناس سوركين" وربما جَعَلها من تولّد محردة!! وتحويل "داريا مالكوفا" إلى "داري مالكوفا" وتصغيرها سنة كاملة!!
لا يُفصح النظام السوري عن مكوّنات ذكائه الخاص، خشية أن يتمَّ تقليدها بذكاء اصطناعي شبيه، يريد أن يبقى ذكاؤه الأكثرَ ندرةً وإدهاشاً على الإطلاق، فهو النظام السياسي الوحيد في تاريخ البشرية الذي استطاع تدمير البنية التحتية في بلاده، وتدمير الاقتصاد، وتهجير أكثر من نصف السكان، والتخلّي عن الاستثمارات السيادية، ووهبها إلى دولتي احتلال مباشر، واستقدام أربعة جيوش مع أربعة أعلام ترفرف فوق الجغرافيا التي ورثها، ثم البراعة في إنتاج وتصدير الكبتاغون، وأخيراً حضور قمة جدّة.
في جنيف، لم يسأل أحدٌ "صوفيا" شيئاً عن طبيعة ذكاء النظام السوري، أو كيف نشأ وتطوّر، وربما لو فعل أحدهم هذا، لسكتت كل الروبوتات ذات الذكاء الاصطناعي عن النطق إلى الأبد.
التعليقات (8)