في كلتا الحالتين السوري يدفع الفاتورة!

في كلتا الحالتين السوري يدفع الفاتورة!

 تذكرنا مشاهد الحملة الأمنيّة الأخيرة في إسطنبول وتوقيف واعتقال الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين ومن المقيمين السوريين المخالفين لمكان إقامتهم في ولاياتهم المسجلين بها، بتلك التي شُنت أيضاً أواخر العام 2019  وقوافل الترحيل مع فارق واحد بين المشهدين، أن الأول كان عقب خسارة حزب العدالة والتنمية للانتخابات البلدية وخسارته بلديتي إسطنبول وأنقرة، بينما تأتي الحملة الأخيرة عقب انتصاره في الانتخابات العامة، ما يطيح بآمال السوريين الذين كانوا يفترضون أن تلك الإجراءات صارت من الماضي.

لا ينفصل هذا المشهد أبداً عن مشهد "إيلاي إكسوي" العنصرية البغيضة وهي تصوّر فيديو في أحد شوارع دمشق وبيدها ربطة خبز سوري وتشرح لمتابعيها كيف أن السوريين في تركيا يكذبون وأن حكومتهم توفر لهم الخبز أرخص من سعره في تركيا، وتوفر لهم البنزين ببطاقة ذكية أقل سعراً من سعره في تركيا، واستطراداً فإنه لا يوجد أي مبرر وفق مؤدّى حديثها لبقاء السوريين في بلدها طالما لا حرب قائمة ولا نقص في المواد الأساسية!.

وفي السياق أيضاً فتلك المشاهد لا تنفصل أبداً عن زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق التي أزعمُ أنه حاول المقايضة بين اللاجئين ووقف تدفق المخدرات والسلاح للأردن، ولا عن هرطقات وزير الخارجية اللبناني بشأن برنامج لإعادة خمسة عشرَ ألف لاجئ شهرياً من لبنان إلى سوريا، رغم ما يحيق بهم من مخاطر لا تقيم السلطات اللبنانية لها وزناً، وهي التي تجاهلت مواطنيها المعتقلين والمغيّبين في السجون السورية منذ عقود وامتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح مؤسسة تُعنى بمعرفة مصير هؤلاء المفقودين!!. 

في كل تلك المشاهد شيء واحد مشترك هو اللاجئون، والتسوية مع النظام وإعادة إدماجه في محيطه الإقليمي، وكل الأرواح التي أزهقت، وكل الدماء التي أهرقت لا وزن لها في ميزان المصالح الإقليمية بعد أن هيّأ جميع هؤلاء الفاعلون الإقليميون بلا استثناء كل أسباب انتصار النظام والمشروع الفارسي الذي لن يحققوا بعده استقرارهم المفترض وسيدفعون – كدول وكمشاريع إقليمية - فاتورته في مدى ليس ببعيد، لأن هذا المشروع شره ولا يستطيع الاستمرار إلا بخلق بؤر للتوتر، ما يجعله على خصومة مع موجبات الاستقرار. 

والغائب الوحيد عن هذه المشهدية السياسية والقانونية المروّعة هي المعارضة السياسية السورية المخصية والميليشيات العميلة الملحقة بها والتي فقدت كل ما امتلكته سابقاً من زخم، ولم يعد لغيابها أو لوجودها قيمة فارقة في معادلة الصراع، ما يثير كثيراً من تساؤلات الجدوى.  

بالعودة إلى مشاهد الحملة الأمنيّة الأخيرة على المخالفين من اللاجئين السوريين وعلى كل المهاجرين غير الشرعيين من كل الجنسيات، فإنه من المهم التذكير بما أردده دائماً عبر وسائل الإعلام المختلفة أن تركيا سواء أكانت محكومة بالعدالة والتنمية وحلفائه أو محكومة بحزب الشعب الجمهوري وحلفائه، فلن تقبل مهما كانت المترتبات بقاء ثلاثة ملايين ونصف مليون سوري على أراضيها لأمد زمني طويل، وأنها وخلال قليل من السنوات لن تبلغ عدد أصابع يد واحدة لن تبقي أكثر من نصف مليون سوري في أحسن الأحوال وأكثرها تفاؤلاً بمن فيهم المجنسون الذين يبلغ تعدادهم الآن مئتين وثلاثينَ ألفاً، وأن من يتعذّر عليه العودة لسوريا فليعمل على بلوغ ملاذ آمن جديد بعيداً حتى عن أوروبا التي تنوء بأعداد هائلة من اللاجئين واتخذت من السبل القانونية ما يجعل الحصول على حق اللجوء حلماً بعيد المنال. 

لكن كثيراً من السوريين مع الأسف يألفون العيش مع الأوهام أكثر مما يرغبون في مواجهة الحقائق، ومازال كثير منهم يخوضون رهانات تحتل فيها الرغبات مساحة المعطيات، وتراهم يدفعون الثمن تلو الثمن بلا طائل!. 

كيف يمكن تفسير الاكتفاء بمنح إذن انتقال -مدّته تسعون يوماً أو ستون يوماً في بعض الولايات– للمغادرين من الولايات المنكوبة بالزلزال إلى ولايات أخرى، والآن يرفضون تجديد هذا الإذن ويطلبون من الناس المغادرة والعودة لولاياتهم التي لم تُرفع منها الأنقاض بعد، وكأنهم يقولون له عد للشارع أو غادر إلى بلدك!!.. وكيف يمكن تفسير أن ستاً وثلاثين ألفاً فقط من السوريين حصلوا على إذن عمل رسمي من أصل حوالي مليونَي سوري يعملون بشكل غير قانوني ليعيشوا!!، وكيف يمكن تفسير ظاهرة الأكواد الطارئة على صحائف الناس والتي تطيح بكامل حياتهم واستقرارهم في لحظة واحدة ويجدون أنفسهم في مراكز الاحتجاز الإداري تمهيداً لترحيلهم، ومنهم من لديه بيت أو متجر أو سيارة أو حساب مصرفي يفقدها أو يفقد إمكانية التصرف بها في غمضة عين، لأنه صار على الجانب الآخر من الحدود!!. 

كل ما سبق لا يحتاج حقاً إلى تفسير لأنه جليّ وواضح.. هي منهجية عمل تريد إبقاء السوري في جو من عدم اليقين وعدم الاستقرار ليصرخ بعدها قائلاً: كفى أريد العودة إلى الجحيم السوري، فلا فرق بين جحيم وجحيم. 

الأسد لا يرغب بعودة اللاجئين إلا ضمن شروط الامتثال لموجبات تقبيل "بسطاره" العسكري، والدول الإقليمية التي تخطب ودّ الأسد وتتهافت على تلميع "بسطاره" لا مشكلة لديها أن تعيد له السوريين ليعيد تدجينهم وتأديبهم على سلوكهم المنحرف الذي تجرّأ على تهديد استقرار عروشهم، وفي كلتا الحالتين السوري وحده من يدفع الفاتورة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات