أثار قرار نظام الأسد الأخير حول اعتبار البلاد دائرة نفوس واحدة، حفيظة السوريين، وذلك لما اعتادوه من مصائب يُخفيها كل قرار جديد يصدر عنه، والتي يتم تفصيلها لخدمة مصالح داعميه مثل روسيا وإيران وحتى ميليشيا حسن نصر الله على حساب أصحاب الأرض.
ولعل دوائر الأحوال المدنية نالت نصيباً كبيراً من عبث النظام خلال سنوات الثورة، لأن نظام الأسد بدأ بالتلاعب بتوثيق وفاة المعتقلين بسجونه في سجلات الأحوال المدنية، وفي العام 2018 صُدمت عائلات ضحايا بإعلان وفاة أبنائهم وذويهم، أي بعد نحو سبع سنوات من اندلاع الثورة وما قابلها من جرائم ضد الإنسانية مرتكبة من قبل الأسد بحق السوريين، وجاء إعلان الوفاة عبر دوائر النفوس دونما تبرير سبب الوفاة أو تسليم الجثت، وقتها أحصت منظمات حقوقية ما لا يقل عن 80 ألف حالة اعتقال وثقتها، ولم يكشف عن مصير سوى المئات بينها.
وبالعودة إلى القرار الأخير الصادر مؤخّراً فإنه "يهدف بالدرجة الأولى لتكريس التغيير الديموغرافي في سوريا" كما تؤكد المحامية محاسن صالح عبد الكريم، وتضيف لـ"أورينت نت": "بات موضوع التغيير الديموغرافي الذي ينتهجه الأسد واضحاً للجميع، وخصوصاً خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث عمل النظام بشكل ممنهج على التلاعب وتزوير السجلات المدينة، وتم شطب بيانات لعوائل بأكملها، واليوم يأتي موضوع توحيد الخانة لكل البلاد حتى يصبح من الاستحالة بمكان تمييز سكان حي ما أو مدينة ما وفقاً لرقم الخانة المتّبع سابقاً".
وتسوق المحامية محاسن مثالاً واقعياً وتقول: "كان من السهل الوصول لبيانات سكان الخانة رقم 1 من مدينة داريا على سبيل المثال ومن غير الممكن أن يأتي شخص من الغوطة الشرقية ويقول أنا من داريا، فالبيانات واضحة للجميع، ولا يستيطع أي شخص أن يتلاعب بها، أما اليوم فكل من عمل النظام على تجنيسهم من الميليشيات الإيرانية والأفغانية واللبنانية والعراقية ووعدهم بتوزيع أملاك من خرج بالثورة ضده عليهم، بات من الصعب أن يتم كشفهم عبر بيانات السجل المدني، فلا يوجد خانة ولا محلّة لتدحض زيف إدعاءاتهم بجنسيتهم أو ممتلكاتهم".
أمضت المحامية محاسن أكثر من عشرين عاماً في متابعة قضايا الشؤون المدينة بدمشق وريفها، وتلفُت إلى أن التغيرات الأخيرة في مديري وموظفي دوائر النفوس تعكس خطورة ما يبيّته النظام من تلاعب بالبيانات التي تطمس هوية ومعالم بلد بأكلمه.
منظومة قانونية لخدمة زواج متعة
وحول الشقّ الاجتماعي الكارثي الذي يحمله القرار الجديد، تقول المحامية محاسن: "القرار الجديد عبارة عن منظومة قانونية تمهّد لتسهيل زواج المتعة، وهو مستمَدّ من قانون الأحوال الشخصية في إيران، حيث لا يخفي القرار الجديد عدد أو أسماء الأشخاص الذين ارتبطت بهم الزوجة في حال رغبت بذلك، وفي حال انفصلت المرأة عن زوجها لا تعود خانتها على رقم قيد ذويها، لأنه لا يمكن للمطلقة العودة لخانة أهلها بعد الانفصال، كما إن رقم الخانة سيتم إلغاؤه ولن يعتبر من مثبتات الحالة الشخصية".
وتضيف المحامية محاسن أن الزوجة تبقى مسجلة على خانة أهلها في حال رغبت بذلك، وبالتالي تتزوج وتتطلق دون أن يظهر ذلك في سجلها المدني، والخانة المسجّلة على هويتها تبقى برقم خانة عائلتها، أما سابقاً فكان هناك تنقلات بالقيد مع كل حالة زواج تقوم بها المرأة".
وشددت المحامية محاسن على أن الإجراء القانوني الجديد يمتهن المرأة ويفرّط بحقوقها ويخلط الأنساب، ولا سيما باستصدار إخراج قيد مدني دون رقم خانة أو قيد ولا حتى الحالة الاجتماعية للمرأة، من أنها تأهّلت من فلان وانفصلت عن فلان، وكل هذه البيانات لا تظهر على قيدها الأساسي، لأنه في حال الزواج مرة أخرى بعد الانفصال وحصول إنجاب فإن كل شخص يسجل وفق نظام الدائرة الواحدة باسم فلان ابن فلان والدته فلانة، من دون الخوض بأرقام الخانات أو القيود.
تكريس التغيير الديمغرافي وتوطين الميليشيات
وقالت أيضاً إن القرار يهدف فعلاً لجعل التغيير الديموغرافي حقيقة وأمراً واقعاً في سوريا، وتقول: "يستحضرني قول محمود درويش سلِّم على بيتنا يا غريب"، وتتابع: "فبعد انتهاج الأسد للممارسات القمعية ضد السكان الأصليين بشكل مدروس، واقتلاعهم من بيوتهم وأراضيهم عبر جيشه والميليشيات الطائفية المساندة له، وإحلال عائلات عناصر الميليشيات الطائفية مكانهم، جاء الوقت لجعل هذا المشهد الجديد قانونياً عبر تفصيل منظومة قانونية يسد من خلاله الدَّين مقابل إبقائه في الحكم، وهذا بالتأكيد يشكّل جريمة ضد الإنسانية تضاف إلى سجله الإجرامي".
وهو ما شدّد عليه المعارض السوري "محيي الدين اللادقاني" حين وصف تحويل سوريا لخانة واحدة بدوائر النفوس، والسجل المدني بأنه "أخطر قرار تتخذه العصابة الأسدية منذ استيلاء المقبور على السلطة 1970".
وأضاف في تغريدة له عبر تويتر إن ترجمة هذا القرار هي: "سنجنّس كل الميليشيات والمرتزقة والمافيات والعصابات"، مُبدياً استغرابه الشديد من صمت المعارضة الرسمية وتعاملها مع القرار على أنه خبر عادي بدلاً من أن تقيم الدنيا ولا تقعدها، ساعيةً إلى إبطاله وإدانته دولياً".
تحويل سوريا لخانة واحدة بدوائر النفوس،والسجل المدني أخطر قرار تتخذه العصابة الأسدية منذ استيلاء المقبورعلى السلطة ١٩٧٠،وترجمته"سنجنس كل المليليشيات والمرتزقة والمافيات والعصابات"والغريب ان المعارضة الرسمية تتعامل معه حتى الآن كخبر عادي،ولم تقم الدنيا،وتقعدها لرفضه،وادانته دوليا
— muhydinlazikani (@muhydinlazikani) July 7, 2023
قانون الأحوال الشخصية
الجدير بالذكر أن قانون الأحوال الشخصية هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظّم علاقة الأفراد فيما بينهم من حيث صلة النسب والزواج وما ينشأ عنه من مصاهرة وولادة وولاية وحضانة وحقوق وواجبات متبادلة، وما قد يعتريها من انحلال تترتب عليه حقوق في النفقة والحضانة والإرث والوصية.
قديماً لم يستخدم الفقهاء هذا المصطلح، وإنما كانوا يطلقون اسماً خاصاً على كل موضوع يتعلق بالمبادئ الحكومية والأحكام الشاملة للأسرة، ككتاب النكاح وكتاب المهر ... وهكذا.
والأحوال الشخصية توازي في المعنى الأحوال المدنية، ومحتوى قانون الأحوال الشخصية يمكن عرضه في ثلاث نقاط:
1. كل ما يتعلق بالزواج وأحكامه وما يترتب عليه من مهر ومسكن ونفقة ونسب وأحكام الأهلية والحجر والوصايا وأنواعها.
2. كل ما يتعلق بالطلاق وأحكامه وآثاره من نفقة وعدّة وغيرها.
3. كل ما يتعلق بأحكام الإرث. وفي الفقه يطلق عليه "أحكام الفرائض".
التعليقات (6)