المثقف.. من جدل التعريف إلى شرك الأيديولوجية ودوره السلبي في القضية السورية

المثقف.. من جدل التعريف إلى شرك الأيديولوجية ودوره السلبي في القضية السورية

الحقيقة ليس هناك أكثر صعوبة من تعريف المثقف، فالعامة تعتقد أن المثقف هو من تحصّل على شهادة علمية أو اختصاص في مجال علمي أو أدبي ما، ومعيار أولئك أن المثقف هو عبارة عن  جامع معلومات، ولا يعنيهم البحث أبداً للتمييز بين العلم والثقافة ولا البحث في أفق هذه المعرفة اتساعاً وعمقاً  ونوعية.

وعندما يصل الأمر إلى تعريف المثقف أكاديمياً أو من قبل النخب والحركة الفكرية فإن التعريف يبقى مهماً تم الاجتهاد فيه ناقصاً، ومن باب المقاربة  يمكن أن أعتبر المثقف هو ذلك العبقري، نعم العبقري الذي حرر الفكرة وحفر لها مساراً على أرض الواقع ، وهو الذي يشارك الناس في صنع لحظتهم التاريخية  ويكون مسؤولاً حتى النهاية عن موقفه.

وفي الحقيقة  سيكون المثقف دائماً تحت رقابة الناس  إن تكلم أو صمت،  فلكل حالة قراءة، وإذا غاب المثقف سيسأل العادي  والسياسي وصاحب الأيديولوجيا والمعارض والموالي عنه أين ذهب؟

السؤال سيكون صرخة حتماً واحتجاجاً واستنكاراً ومحاكمة، لأن الناس سترى نفسها في مسيرتها ومسلكها  في عالم المثقف والثقافة، وإذا كان مثقفاً وثقافة غائبة عن الحدث خوفاً أو ملقاً …سيلقى ذلك حكماً بالطرد الأبدي من ملكوت الذاكرة الجمعية، أو سيبقى المثقف والثقافة  معلقة أبداً وفي أنشوطة الغياب والتغيير. 

وإذا كان المثقف والثقافة  محور ومتن وأساس، كان عليهما  أخذ موقعهما المطلوب ..بشجاعة فدائي، ولما كان الحدث السوري حدثاً متفرداً  في مساره ومشهده  وتكوينه فقد أصبح الأمر مكابدة دؤوبة على كل منبر وفي كل ساحة وموقع.

ماذا فعلت الثقافة قبل وبعد الحدث (الثورة)؟ 

سؤال ملح يطرحه الشعب متهماً المثقف والثقافة بالحياد والصمت، أو البطء في ملاحقة الحدث المتسارع والمتغير وتركه الساحة المشتعلة بصراعات ثقافية وعقائدية  ووجودية  لصناع الوعي المزيف .. هذا والأمر الآخر  اتهام الثقافة والمثقف بالأنانية، والتي لا تستقيم مع الفعل الثقافي لأنه فعل تطوري، ويحتاج إلى عمل جماعي لا تنقصه المكنة والخبرة والمهنية، ولا وسائله اللوجستية المتنوعة والتي تناسب الناس والمواقع والمتغيرات.

المثقف قصّر تماماً في خدمة القضية السورية، ولم يتم تسجيل مواقف جادة، بل مواقف فردية مرات كثيرة  لم تنقل الوقائع  كما ينبغي  وترك المعارضة تتبنى  مواقف داعميها  ومصالحهم لتصبح المسالة السورية أكثر تشويشاً  وإرباكاً  وضبابية.

من المؤلم أن نرى مثقفاً وثقافة وقعت في إشراك الأيديولوجية، وغيبت كثيراً من الحقيقة وأظهرت  بعضها  مجتزأة من الكل بقصد أو بغير قصد  والأمثلة كثيرة …. ونعتقد أنها حاضرة إلى وقت غير معلوم قيد محكمة ومحاكمة.

وكثيراً ما كان المثقف والثقافة سوق  استثمار للمحطات الإعلامية ووسائل التواصل  ويتم  تصيد أو تشييد مواقف أو حجج اعتماداً  على حضور واهن لمثقف وحنكة  حوار ومحاججة يقدمها ..التحضير المتقن  لديناميكية الحوار من مقاطعة.  وقطع  الرأي وعملية استكمال الرأي بحجة الوقت  المخصص للحوار، عدا عن الفبركات المشهودة  التي أوقعت في مطباتها  المثقف، وفي غير مرات تحول الفعل الثقافي إلى فعل  رأي ورأي مضاد منافٍ تماماً لطبيعة الثقافة والمثقف.

لاشك أن المراقب الحصيف  سيسجل البذخ في التوصيف اللغوي  الذي يمتدح مرذولاً ومنكراً، مسايرة لجهة ما ولا بد من الإشارة أن العمل الثقافي، في المواقع الأخرى  الموازية، من منتديات ومبادرات وبعض مسرح وبعض  نوادي التثاقف كان في معظمه عملاً ارتجالياً مستعجلاً غير صبور ويفتقر  إلى  المعلومة. والوثيقة والبيان والسند إن كان يخص البحث. وعملاً يفتقر إلى ثقافة إنسانية  و قيمية وتنويرية  إن كان يخص فكراً أو شعراً أو قصة.

 

وفي مرات أخرى كانت المنابر الثقافية تستقدم المعتدين على التخصصات والمعارف الأكاديمية، وكأن الأمر ليس أكثر من ملئ فراغ  أو شهوة ظهور،  ولما كانت الثقافة فعلاً مستداماً  كان من المهم جداً الإعداد المنهجي  المستمر والمتصل  والمثابر والمكابد، وهنا ينبغي التصدي والتوقف عند  انتشار ثقافة التفاهة  والرداءة والاحتفاء بها، وقد كان لافتاً للنظر ذلك الاستفزاز الصغير…الذي مارسته كل من الجهات المتصارعة. عبر تظاهرات منفعلة  و مستفزة.

وأخيراً  ما فعلته الثقافة  فعلته بعيداً في الظل وفي الأماكن الآمنة، وعلى ورق صا مت وطبع سراً، وكان جزء منه شعراً و قصصاً  كررت الممجوج والنمطيات والعقائدية، وعلقت بعقدة النكوص، أي إنه كفعل ثقافي أتى خديجاً مهماً وضعناه في  الحاضنات والرعاية الخاصة لن يذهب للاكتمال.

وأزيد  دور المثقف والثقافة  ليس تقديم أدب خلاصي ولا ميتافزيقي  ولا تعزيز الأيديولوجي  ولا طوباويا، بل هو حرث  حتى أعماق  لا نهاية لها وسعة  تصل الأفق لنثر بذور، تعنى بالإنسان وتنقلنا من حجب ونطاقات الدارج والمتوارثة إلى  مقامات البناء والعمار الحضاري.

التعليقات (1)

    في شي مو طبيعي

    ·منذ سنة 5 أشهر
    ما بعرف ليش عندي احساس انو انتي بوادي ونحنا بوادي لازم تكتبين بللوموند بلكي حدا بيفهم عليكي
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات