تنامي التيار القومي في تركيا.. الآثار والانعكاسات بمنظور سوري

تنامي التيار القومي في تركيا.. الآثار والانعكاسات بمنظور سوري

مع إسدال الستار عن نتائج الانتخابات التركية الأخيرة بشقيها البرلماني والرئاسي وفوز الرئيس رجب طيب أردوغان، بولاية رئاسية جديدة تمتد حتى 2028، فُتح الباب أمام مرحلة جديدة في طبيعتها بمختلف الملفات.

ورغم استمرار التحالف الحاكم في سدة الحكم وعدم وجود تغيير جذري سياسي في تركيا بعد فشل تحالف السداسية، إلا أن ما رافق العملية الانتخابية في جولتيها الأولى والحاسمة، من عوامل وتحالفات وظروف يرجح وجود تغييرات مختلفة، يمكن أن تنعكس سريعاً على الوضع الداخلي كمرحلة أولى، وخارجياً على المدى المتوسط والبعيد.

من أبرز هذه العوامل كانت الاصطفافات الحزبية الجديدة في الساحة السياسية، بشقيها الحاكم والمعارض على حدّ سواء، وما كشفت عنه النتائج من حصول تقدم كبير للتيار القومي في الشارع التركي، وهو ما يستدعي إلقاء نظرة تحليلية، لا سيما على صعيد الخريطة السياسية والفكرية والأيديولوجية في تركيا، والتساؤل بناءً على ذلك بعيون سورية محضة، عن آثار هذا التقدم الحاصل للتيار القومي التركي على السوريين في تركيا وسوريا معاً.

تاريخياً وبالانطلاق من انتخابات عام 2002، كان في تركيا حزبان قوميان رئيسيّان هما، حزب الحركة القومية، الذي حصل على نسبة 8.3% من أصوات الناخبين، وحزب الاتحاد الكبير، الذي حصل على 1%، وكلامهما لم يحصل على النسبة التي تمكنه من دخول عتبة البرلمان حينها، فيما توزعت خريطة البرلمان بين حزبي العدالة والتنمية، الذي تم إنشاؤه في أغسطس 2001 من قبل الرئيس الحالي "أردوغان"، وحصل على 365 مقعداً، وحزب الشعب الجمهوري، الذي حصل على 177 مقعداً، فيما ذهبت بقية المقاعد البرلمانية وعددها 8 إلى المستقلين، مع حصول أحزاب أخرى وأحزاب قومية، على نتائج لا تخولها دخول البرلمان، كحزب الوطن الأم، القوميّ الطابع، الذي حصل على نسبة 5.1 % من الأصوات، وبالتالي لم تحصل الأحزاب القومية على أي مقاعد برلمانية في انتخابات 2002.

أما بعد أكثر من 20 عاماً تقريباً، تبرز في الخارطة السياسية التركية وبشكل رئيسي وفاعل أربعة أحزاب قومية إلى جانب العديد من الأحزاب تحمل ذات الطابع وتنمي لذات التيار، وهي: حزب الحركة القومية، بقيادة دوّلت بهجلي، أحد أبرز حلفاء العدالة والتنمية. الذي دخلَ الانتخابات مع تحالف الجمهور بقيادة الرئيس "أردوغان"، وحصل الحزب على 50 مقعداً في البرلمان، ما يعادل نسبة 10.1%، من أصوات الناخبين، بنسبة مقاعد برلمانية تزيد عن انتخابات عام 2018، بمقعد واحد في البرلمان.

كذلك يبرز حزب الجيد، الذي يعدّ ثاني أكبر الأحزاب القومية، ويعرف أيضاً باسم حزب الخير هو حزب قومي أسسته ميرال أكشينار، بعد انشقاقها من حزب الحركة القومية عام 2017. دخل الحزب الانتخابات الأخيرة برفقة المعارضة المتمثلة في الطاولة السداسية، تحت مسمى تحالف الأمة بقيادة كليتشدار أوغلو، وحصل الحزب على نسبة 9.7%، ما منحه 43 مقعداً في البرلمان، وهو ذات عدد المقاعد والنسبة التي حصل عليها في انتخابات عام 2018، من أصل 600 نائب يمثلون جميع الأحزاب في قبة البرلمان.

ومن الأحزاب الجديدة نسبياً برز حزب النصر، ذو الطابع القومي المتشدد، بقيادة أوميت أوزداغ، المعروف بمعاداته للاجئين، إذ تأسس الحزب عام 2021، وأعلن دعمه في الجولة الحاسمة لمرشح تحالف الأمة كليتشدار أوغلو. الحزب حصل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة على نسبة 2.23% من الأصوات، هذه النسبة لم تمكنه من دخول قبة البرلمان، رئيس الحزب أوزداغ كان من أعضاء حزب الحركة القومية، إلى أن ترك الحزب في تشرين الثاني 2020، لينتسب بعدها إلى حزب الجيد، واستقال منه في آذار 2021، ليؤسس بعد ذلك التاريخ، حزبه الذي حمل اسم النصر.

كذلك لم يتمكن أيضاً حزب الاتحاد الكبير، الذي تأسس في كانون الثاني 1993، بعد انشقاق محسن يازجي أوغلو وآخرين عن الحركة القومية، من دخول البرلمان، بعد حصوله على نسبة 1% من الأصوات، بعد أن دخل الانتخابات الأخيرة إلى جانب تحالف الجمهور بقيادة الرئيس "أردوغان"، يقود الحزب حالياً مصطفى دستيجي، الحزب كان قد تحالف مع حزب السعادة في الانتخابات البرلمانية عام 2015، لكن التحالف فشل في دخول البرلمان، وفي انتخابات عام 2018 أعلن دعمه لتحالف الشعب الذي يضم كلاً من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية.

إلى جانب ذلك كله، كان من اللافت في الانتخابات الأخيرة، ظهور المرشح الرئاسي الخاسر في الجولة الأولى، سنان أوغان، المعروف بتوجهه القومي المتشدد، بعد أن حصل على 5.17% من أصوات الناخبين، شكلت هذه النسبة علامة فارقة في الانتخابات التركية.

"أوغان" دخل الانتخابات الرئاسية كمرشح عن تحالف الأجداد، وينحدر سياسياً من حزب الحركة القومية، وانتُخب كنائب برلماني عنها في انتخابات 2011، قبل أن يفصل نهائياً عام 2017 ويشكل مع أحزاب قومية أخرى "تحالف الأجداد" ذي الطابع القومي المتشدد، وبعد خسارته في الجولة الأولى، حاول الطرفان المتنافسان في الجولة الثانية استمالته، إلى أن أعلن دعمه رسمياً لتحالف الجمهور بقيادة الرئيس "أردوغان".

وفي حساب النسب، نلاحظ أن التيار القومي ومن خلال أحزابه الرئيسية، حصل على ما مجموعه 23% من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وذلك بزيادة بواقع نحو 3 % عن الانتخابات البرلمانية عام 2018، فضلاً عن مرشح رئاسي حصل على أكثر من 5%، وعدد كبير من الأحزاب التي تحمل الطابع القومي، وبالمحصلة تنامي التيار القومي بشكل ملحوظ مقارنةً بأعوام سابقة، منذ انتخابات عام 2002.

معظم هذه الأحزاب تتفق في جوهرها حول فكرة تاريخية عامة، تتمثل بـ"الأمة التركية"، والتي تعني الولاء والإخلاص للأمة وتمجيدها، وتعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية، والتمسك بالهوية والثقافة الوطنية، ورفض التدخل الخارجي والحفاظ على السيادة الكاملة للدولة.

ما حصل من تداخلات سياسية حزبية واصطفافات، خلال الانتخابات الأخيرة ورغم تشتت أحزاب التيار القومي باتجاهين مختلفين، إلا أنه بات من المؤكد رغم هذا التشتت، أن تنامي هذا التيار سيلقي بظلاله على المرحلة المقبلة، وخاصةً بعد الوزن السياسي الذي بات يشكله في الخارطة السياسية.

بالانتقال إلى التأثيرات المحتملة لهذا النمو في الشعبية للأفكار القومية يبدو أن انعكاساتها ستشمل ثلاثة ملفات رئيسية من المنظور السوري، وهي التغيرات المحتملة على صعيد ملف اللاجئين السوريين ووجود القوات التركية في سوريا والذي يرتبط بمسار العلاقة مع نظام الأسد واحتمال إطلاق عمليات عسكرية جديدة.

بما يخص اللاجئين السوريين يبدو أن التشدد في السياسات التركية حول اللاجئين في تركيا سيستمر ويأخذ منحى متصاعداً على الرغم من أن ذلك لن يعني إطلاقاً الزج بدفعات كبيرة إلى المجهول كما وعدت المعارضة، وبالتالي يمكن أن يكون منظور الاستفادة الفعلية التركية حالياً ومستقبلاً من السوري فيها هي أحد المحدّدات الرئيسية للتعامل من حيث استكمال عمليات التجنيس وعمليات الترحيل في آن واحد، ويبدو ذلك متجلّياً في بعض التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركية عن حاجة تركيا لليد العاملة والنخب والكفاءات.. الخ.

أما الملف الآخر وهو وجود القوات العسكرية التركية في سوريا والاستمرار في مسار التطبيع مع نظام الأسد، فيبدو أن المسار سيكون أكثر تعقيداً بحكم تمسك الرؤية التركية بالوجود العسكري في الشمال السوري، على اعتبارها قضية أمن قومي تركية، واستناداً للرؤية في الملف الثالث وهو محاربة الإرهاب الذي يتمثل بعيون قومية متشددة بكل ما يرتبط بالـpkk ، وهو ما يعني أن احتمال عمليات عسكرية قادمة ضد قسد في سوريا، واستكمال الشريط الحدودي الوقائي للأمن القومي عندما تسمح التوازنات الدولية، سيكون ذلك معطلاً لمسار التطبيع دون أن يلغيه.

كل ما سبق يرجّح أن تتأثر سياسات تركيا الجديدة بجوانب إيجابية وسلبية في القضية السورية، رغم استمرار حزب العدالة ورئيسه أردوغان من التيار المحافظ في كبرى السياسات، مع مراعاة نهج العودة لتصفير المشاكل مع الجوار والانفتاح على العالمين الإسلامي عموماً، والدول التركية على وجه الخصوص.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات