عندما يبلغ القهر والظلم حداً لا يطاق

عندما يبلغ القهر والظلم حداً لا يطاق

وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً       عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ

كلما وقعت تحت ناظريه صور توثق الأساليب التي تستخدمها شرطة وقوات الاحتلال الصهيوني خلال تصديهم للاحتجاجات التي يقوم بها بعض الأشخاص سواء من السوريين أو الفلسطينيين؛ ردد أحد أصدقائي هذا البيت من الشعر الذي ينسب لشاعر جاهلي يُقال إنه طرفة بن العبد.

والاحتلال: هو دخول البلاد والاستيلاء على أراضيها أو على جزء منها قهرًا، فكلمة احتل المكان تعني: نزل به وأخذه، واحتل المستعمر بلدًا، أي استولى عليه قهرًا.

وخلال فترة ليست بالبعيدة كانت معظم دول العالم المعروفة اليوم محتلة، وكانت الشعوب - كل حسب طريقته - تناضل من أجل الحصول على استقلالها، والاستقلال دائماً كان يقرن بالحرية، لذلك اتخذت كل الدول التي تحررت من الاستعمار لاحقاً من يوم مغادرة المحتل عيداً وطنياً تحت مسمى "عيد الاستقلال" على أنه تاريخ إشراق شمس الحرية في تلك البلد.

حريّة الأوطان أغلى ما في الوجود، لطالما اعتبرت الشعوب أن هذه المقولة من المسلمات التي لا تقبل النقاش، إلا أنه الآن وبعد مرور عشرات السنين على الاستقلال بدأت بعض الشعوب تراجع هذه المقولة نتيجة للمعاناة الطويلة والمستمرة لهذه الشعوب تحت وطأة حكم يوصف بالوطني إلا أنه أشد فساداً وظلماً وقهراً واستبداداً من المستعمر، والأسوأ من هذا وذاك هو غياب بارقة الأمل بمستقبل أفضل، فالأنظمة المستبدة أصبحت ذات خبرة وباع طويل في ممارسة القهر ونشر الفساد في المجتمعات التي تحكمها؛ مع خبرة ورغبة شديدة في الاستمرار وتطبيع هذه الحالة كنمط عيش وتقاليد موروثة.

مع الزمن؛ تفقد الخطابات الثورية والتعبوية مفعولها، فالشعوب تصبر وتتحمل الأعباء متماهية مع خطاب السلطة الذي يعد بالتطوير والنهوض والبناء، إلا أنها عندما تكتشف الخديعة تخرج عن صمتها معبرة عن احتجاجها بطرق وأساليب ومقولات كانت تعتبر من المحرمات.

من هنا لا يستغرب أن ينشر أحدهم تحت عنوان "عندما يكون المحتل أرحم": اليوم عند زيارة الرئيس الفرنسي 44 ألف لبناني وقعوا طلباً لإعادة الانتداب الفرنسي بسبب وضع لبنان وفساد ساسته.

في السياق ذاته؛ بثت إحدى القنوات الفضائية مقطعاً لعجوز فلسطيني من سكان مخيم اليرموك، يشكو بمرارة، وقد انحنى ظهره، قائلاً بلهجة عامية "ودونا ع إسرائيل" تعبيراً عن المرارة الشديدة والألم.

وتعقيباً على ذلك قال الكاتب ماهر أبو طير: "أنسنة إسرائيل تجري بشكل يومي، هذا كل ما تريده إسرائيل، أي انسياب المقارنات أمام العالم وبين العرب ذاتهم، بحيث يكون السقوط في فخ الأنسنة هنا مروعاً، وبحيث تكون إسرائيل نموذجاً للحياة، وللرحمة، من باب المقارنات، بين إسرائيل وأبناء الجلدة الواحدة".

ربما يكون لدى إسرائيل برنامج دعائي يهدف لتلميع صورتها، ولكن يبقى السؤال حول المادة التي تقدمها خلال تلك الدعاية ضرورياً وملحاً؛ أهي حقيقية أم مختلقة؟ ومن الذي دفع ذلك العجوز وغيره للتلفظ بتلك العبارة وما يشبهها؟ من جهة أخرى، يبث التلفزيون السوري – بكل وقاحة – صور المناوشات التي تحصل بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال بشكل مستمر، ويعقب عليها بأقسى الإدانة والاستنكار ظناً منه أنه عطّل ملكة النقد والمقارنة عند السوريين نتيجة الجرعات الكبيرة من الخوف الذي بثه في نفوسهم وعقولهم.

في الواقع؛ يستطيع الإنسان مهما انخفض مستوى ذكائه أن يلاحظ الفارق الهائل في المعاملة بين ما تفعله إسرائيل وما يفعله النظام السوري، لكن أغلب السوريين ما زالوا يشعرون بنوع من الحرج في قول ذلك.

كانت آخر مرة يردد فيها صديقي ذلك البيت من الشعر منذ أيام قليلة عندما شاهد مقطع فيديو نقلته بعض وسائل الإعلام يصور مناوشات بين جنود الاحتلال الصهيوني وبعض المواطنين في الجولان المحتل، إلا أنه هذه المرة قوبل باعتراض شديد من أحد الحضور بقوله: هذا البيت من الشعر لا دخل له بما شاهدناه؛ فلماذا تردده؟ وكأنك تريد أن تقول: هم مظلومون ونحن مظلومون، لكن الظلم الواقع علينا هو أشد وطأة لأنه جاء من أبناء جلدتنا.

لأن الاثنين سكتا عند هذا الحد؛ يستطيع المرء أن يترجم سكوتهما بأن الثاني كان يريد أن يكمل بقوله: أتريد أن تقارن تفريق المتظاهرين من خلال رشهم بالمياه وإطلاق القنابل الدخانية بقتل المحتجين بالرصاص الحي وبكل دم بارد؟ بينما لسان حال الأول يقول: أعلم ذلك يا صديقي، ولكنني كما أنت ما زلت أستحي أن أقول: إن العدو أرحم؛ فدعني مع مقولة طرفة بن العبد:

وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً       عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ

عندما يبلغ القهر والظلم حداً لا يطاق فلا عجب أن يكفر الناس بأوطانهم وباستقلالهم وبكل قضاياهم المقدسة، سواء نتج عن ذلك أنسنة العدو أم الحنين إلى أيام كان فيها بلدهم محتلاً.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات