ملاحظات أساسية حول قراءة واستشراف جواد ظريف للواقع الراهن في إيران

ملاحظات أساسية حول قراءة واستشراف جواد ظريف للواقع الراهن في إيران

قدّم وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف قراءات لافتة للواقع الراهن في البلاد، وذهب أبعد من ذلك إلى تقديم استشراف والتنبؤ بمآلات الأحداث والتطورات بما يتناقض مع الخطاب الدعائي التعبوي "السوفيتي" للنظام الاستبدادي، والقراءات المتماهية مع الحشد الشعبي الإعلامي الإيراني الناطق بالعربية، والساعية إلى التطبيع مع إيران بأي ثمن، والتغاضى ليس فقط عن مكابراتها وأخذها العزة بالإثم إقليمياً، وإنما عن التشخيص الصحيح للواقع الإيراني الداخلي وحيثياته ودلالاته ومآلاته، كما فعل المواطن المهموم جواد ظريف.

يمكن تقسيم ما كتبه وزير الخارجية الإيراني السابق على حساباته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، وأكد عليه الأسبوع الماضي في ندوة على كلوب هاوس، إلى ثلاثة أقسام؛ هي قراءة وتشخيص الواقع الراهن في إيران والتنبؤ بمستقبل البلاد إذا استمر المسار الحالي للنظام، ثم شهادته عن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع الولايات المتحدة 2015، ويسعى النظام جاهداً للعودة إليه رغم ما تضخّه آلته الدعائية "السوفيتية" من اتهامات وشيطنة لظريف وزملائه ممن تفاوضوا للتوصّل إليه.

بدايةً، قال ظريف حرفياً إن حكومات المرشد علي خامنئي دمّرت مقدّرات البلاد وفشلت في التنمية، وإنها تتبنى سياسات قائمة على الأماني لا على الإمكانيات المتاحة. 
هنا نلمس اعترافاً صريحاً أن المرشد هو من يُعيّن ويُدير الحكومات كونه يتحكم بكل السلطات باعتباره الحاكم الفعلي للبلاد رغم هزلية الانتخابات التي تراجعت نسبة التصويت فيها على علاّتها بشكل متواصل وأقنعة الرئاسة والحكومة والبرلمان.

هذا يعني أيضاً أن الفشل والانهيار بالداخل لا علاقة له بالحصار الخارجي كما وهم الاقتصاد المقاوم الذي يناسب فصائل ودولاً صغيرة. ومثل مناسبة للفساد والإثراء غير المشروع للطبقة الحاكمة، ونهب مقدرات البلاد، وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما تسلّم حسن روحاني – ومعه ظريف - الرئاسة بالعام 2013 اكتشف تبخّر "سرقة" 200 مليار دولار" من عائدات تهريب النفط إلى الخارج، وأجرى آنذاك جولة شملت تركيا وماليزيا طالباً مساعدة السلطات فيها للبحث عن الأموال المنهوبة.

ما قاله ظريف يؤكد قاعدة الاستبداد والفساد الموصوفة باعتماد معيار المحسوبية والولاء لا الكفاءة في التعيينات والإدارة التنفيذية، ودائماً وفق السياسات العامة التي يرسمها المرشد باعتباره الحاكم الفعلي للبلاد.

ظريف أشار أيضاً إلى نقطة مهمة تتعلق ببناء السياسة على الأماني لا الإمكانيات والوقائع، وهذا يفسر خطاب النظام عن الانتصار والهيمنة ومكانة إيران بالمنطقة القائم كذلك على نفس القاعدة، حيث يمكن التمعن مثلاً بحال الدول الفاشلة والمنهارة التي تتبجح إيران باحتلالها، ولا يمكن أبداً الحديث عن النجاح أو الانتصار فيها، كما هو الحال مع نظام بشار الأسد مثلاً كونه العنوان الصارخ على السياسات الخارجية للنظام مع تذكر نفس المنطق في تصريح خامنئي الشهير عن النجاح والازدهار في العراق واليمن ولبنان هي أيضاً دول فاشلة بامتياز.

كان لافتاً ومثيراً جداً للانتباه استنتاج ظريف القائل إن وضع البلاد تحت حكم المرشد شبيه تماماً بوضعها زمن الشاه المعزول، وهنا يمكن فقط استرجاع أو تذكّر ما يقوله النظام نفسه وأبواقه الإعلامية عن حقبة الشاه لاستيعاب معنى ودلالة التوصيف البليغ لظريف وتطبيقه على النظام نفسه. هذا يعني ببساطة فشله أي "النظام" في تحقيق شعاراته وأهدافه منذ وصوله للسلطة، خاصة للجيل الشاب الذي لم يعاصر حكم الشاه ولكن سمع عنه ليس فقط فيما يتعلق بقصص الاستبداد بل البنى التحتية والنفوذ الإقليمي والانفتاح على العالم لا العزلة والحصار والشبهة التي باتت تلاحق المواطنين الإيرانيين حيثما حلّوا بسبب النظام وسياساته وممارساته.

جاءت قراءة ظريف للواقع الإيراني ممزوجة بالتنبؤ، ومعروف بالطبع ماذا كان مصير نظام الشاه، مع استرجاع تصريحات المعارضة فائزة رفسنجاني-بنت أحد مؤسسي النظام- وعالم الاجتماع الشهير محمد علي تاجيك عن البلاد التي باتت تشبه سفينة تايتاينيك وتبدو في طريقها للتحطم.

وصل التنبؤ بظريف إلى التذكير بمعاهدة  تركمنجاي التاريخية إذا استمر نهج  النظام الراهن وهروبه المنهجي والدعائي إلى الأمام، وكانت المعاهدة  قد نجمت عن الهزيمة أمام روسيا القيصرية بالقرن التاسع عشر وفقدان مساحات شاسعة من البلاد، بينما حاذر ظريف من استخدام مصطلح تجرّع السمّ الشهير لمؤسس النظام روح الله الخميني، ما يعني توقع ارتفاع مطالبات فئات وشرائح بالاستقلال والانفصال، بعدما عجز النظام الاستبدادي عن بلورة وحدة وطنية حقيقية، تستلزم بالضرورة إشاعة أجواء الديموقراطية والحريات العامة بالبلاد.

إضافة إلى القراءات والتنبؤات من موقعه السابق قدّم ظريف كذلك شهادة عن الاتفاق النووي تتماشى مع ما نعرفه وعلى عكس ما تقوله الآلة الدعائية والحشد الشعبي الإعلامي الناطق بالعربية. وحسب وزير الخارجية السابق فقد بدأ الامر بأوامر مباشرة من خامنئي آخر فترة الرئيس أحمدي نجاد وقبل تسلم ظريف مهام منصبه، عبر حوارات سرية مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الساعي للانكفاء عن المنطقة.

حسب ظريف فالاتفاق النووي واقعي وجيد لإيران وهو أفضل الممكن على عكس خطاب الانفصام للنظام، وآلته الإعلامية التي صورته في البداية كانتصار كبير ثم عمدت إلى انتقاد وشيطنة ظريف واتهامه وفريقه بالخيانة والتفريط بمصالح البلاد بينما تسعى الآن بكل السبل للعودة إليه.

تحدث ظريف كذلك عن سعي السعودية والإمارات "المشروع" ضد الاتفاق باستخدام الأسلحة المتاحة والمشروعة، والاقتصادية أساساً عبر تخفيض سعر النفط لتقليص فوائد وعوائد النظام منه إضافة إلى الضغط على البنوك العالمية وتخييرها بين التعاون مع الدول الخليجية الثرية أو إيران التي تقيم سياساتها على الأماني ولا يمكن ضمان توجهات نظامها المستبد.

هذا كله طبيعي وواقعي وغير مستغرب كون الاتفاق تم بعيداً عن التفاهمات الإقليمية، بعدما استخف وتجاهل أوباما الدول العربية المتضررة من السياسات الإيرانية التوسعية.

ما قاله جواد ظريف عن الموقف الإسرائيلي من الاتفاق النووي صحيح وواقعي أيضاً لجهة عدم اكتراث تل أبيب بالملف النووي نفسه والسعي لإبقاء الخطر الإيراني حاضراً واستغلاله للتغطية على القضية الفلسطينية، كما التواصل والتطبيع مع الدول العربية.

المعطيات السابقة تفرض السؤال المُلحّ والصعب، إذا كان الاتفاق سيئاً فلماذا يريد النظام بل يلهث ويسعى للعودة إليه؟ وإذا كان انتصاراً فلماذا هذه الحملة التخوينية ضد ظريف ومن تفاوضوا عليه ووصفهم بالمُطبّعين والخونة.  

ببساطة هو ليس انتصاراً، وليس سيئاً أيضاً لكنه واقعي وفق الإمكانيات والقدرات المتاحة. هذا المنطق الذي لا  يفهمه النظام الأحادي الاستبدادي الدعائي كونه يبني مواقفه وسياساته على الأماني لا الإمكانات والقدرات المتاحة للبلاد.

في الأخير بتركيز واختصار تقدّم الشهادات المعطيات والاستنتاجات السابقة صورة دقيقة عن الواقع الراهن في إيران ومآلاته المستقبلية، ما بين تايتانيك ومصير نظام الشاه بالداخل، وتجرّع السم وتركمنجاي والخسارة والهزيمة الحتمية بالخارج . 

التعليقات (1)

    مواطن في المهجر

    ·منذ 10 أشهر أسبوع
    هذا مو جواد ظريف هذا بغل ملعون.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات