تأثير حرب السودان يصل إلى إدلب: محصول محلي واحد يخسر 3 أضعاف قيمته

تأثير حرب السودان يصل إلى إدلب: محصول محلي واحد يخسر 3 أضعاف قيمته

تلاشت آمال العم "أبو صطيف" (61 عاماً) من جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، الذي كان يحلم بزيارة بيت الله الحرام هذا الموسم، بعد تعرّض موسم "المحلب" لخسائر لم تكن في الحسبان، على خلفية "الحرب في السودان".

وﻻ يختلف اﻷمر بالنسبة لـ"أبي أحمد" الذي منّى نفسه وأسرته بسداد بعض الديون هذا الموسم، وتحديداً بعد تصدير محصوله إلى السودان.

تتركز بساتين شجرة "المحلب" شمال سوريا في منطقتي "أريحا وجبل الزاوية"، وتُستخدم ثمارها في صناعة الأدوية والطب العربي، وكذلك كمنكهات للمعجنات، حيث تعطي طعماً خاصاً، فيما تمتاز هذه الشجرة برائحتها الذكية، ويتم قطافها سنوياً في شهري "أيار وحزيران".

لا مشتري اليوم

أثرت الحرب القائمة في السودان بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 نيسان/أبريل الماضي على مزارعي إدلب شمال سوريا، في تصدير محصول "المحلب"، في وقتٍ تعتبر السودان سوقاً رئيسيةً لتصدير المحاصيل، وفقاً لما أكّده عدد من المزارعين الذين تحاورنا معهم.

يقول التاجر "عمر محمد" صاحب محل "الجبل" في بلدة "بليون" في جبل الزاوية خلال حديثه لقناة "أورينت"، "إن توقف تصدير المحاصيل إلى دولة السودان أثّر بشكل كبير على موسم المحلب هذا العام، حيث كانت تُصدر سنوياً قرابة 2000 طن، بينما لم يتم تصدير أي رطل خارج البلاد هذا العام، سوى بعض الشحنات إلى تركيا".

وأوضح التاجر "محمد" أن وقف التصدير ساهم في تراجع سعر الكيلو في الأسواق إلى ما دون الدولار الأمريكي الواحد، بينما كان السنة الماضية بـ3 دولارات للكيلو، مشيراً إلى أن العديد من أصحاب المحاصيل احتفظوا بموسمهم، وقاموا بتخزينه في منازلهم خشية بيعه في أسعار رخيصة جداً".

ولفت إلى أن توقف التصدير أسفر عن تراجع سعر الرطل (ثلاثة كيلوغرامات وربع) إلى 8 دوﻻرات فقط، في حين كان يُقدر العام الماضي بنحو 42 دولاراً، منوّهاً أن كمية المحصول هذا العام بلغت قرابة 4000 طن.

ويعدّ محصول "المحلب" مصدر دخل رئيسياً تعتمد عليه الكثير من العائلات في ريف إدلب الجنوبي، التي لم يمنعها موقعها على خطوط التماس مع مليشيا أسد من العمل والمخاطرة وتحدي ظروف الحرب ومخاطرها.

وبعد توقف خط التصدير إلى السودان التي كانت تستقبل 90% من إنتاج ريف إدلب الجنوبي لـ "المحلب"، يضرب العم "أبو صطيف" كفاً بكف، متأسفاً على خسارته اﻷرباح التي كان يقدّرها بما يفوق الـ5 آلاف دوﻻر.

تحديات زراعة المحلب

يصف الحاج "نزار القسوم" من جبل الزاوية خلال حديثه لموقع "أورينت" أن جني المحاصيل خاصة "المحلب" محفوف بالمخاطر، بسبب استهداف الحقول بشكل دوري من قبل ميليشيا أسد، الأمر الذي يشكل هاجساً في كل موسم على المزراعين، منوّهاً أن حقله تعرّض للقصف مرات عدّة.

ويُكمل الحاج "نزار" صاحب الخبرة في زراعة "المحلب" لمدة 12 عاماً حديثه بالقول: "إن شجرة المحلب تُزرع في الشتاء، وتعطي ثمارها بداية الصيف، ما بين شهري أيار وحزيران، وتحتاج عناية 5 سنوات قبل أن يبدأ إنتاجها، لافتاً إلى أن معظم أهالي جبل الزاوية يعتمدون على مواسم "المحلب والكرز والزيتون والتين".

واسترسل قائلاً: "يحتاج المزارع سنوياً إلى ما يزيد عن 5 دولارات ثمن مبيدات حشرية لكل دونم واحد فقط (1000 متر)، باستثناء الأسمدة، بالإضافة إلى تكلفة جني المحصول، حيث تُقدر ساعة الفاعل بـ20 ليرة تركية، واصفاً بأنه "أمر مكلف جداً على المزارع".

من زاوية أخرى، يؤكد المهندس الزراعي "أحمد عبد العزيز" من مدينة الأتارب غرب حلب، أن زراعة "المحلب" تحديداً تحتاج إلى شروط مناخية خاصة، اﻷمر الذي جعل نموه في أرياف أريحا وجبل الزاوية قليلاً، بالتالي، تصبح خسائرهم كبيرة.

وأوضح أن هذه الشجرة تحتاج إلى حرٍ في الصيف وبرد شديدٍ في الشتاء، بالإضافة إلى أنها بحاجة إلى عناية فائقة، في وقت ترتفع تكاليف العناية من "المبيدات والأسمدة الضرورية"، لافتاً إلى أن المزارع بحاجة سنوياً لمراقبة أشجاره من حشرة "حفار الساق" التي تؤدي لموت عدد كبير من مزروعات "المحلب".

وعن تسويق "المحلب" وجنيه من الأشجار، يشرح المهندس "عبد العزيز" في حديثه لموقع "أورينت"، أن "المحلب" يسوّق أخضر طازجاً ويجفف بتعريضه لأشعة الشمس ثم تفصل أعناق الثمار عن طرق الضرب بالعصا وتخزن الثمار لتباع في وقت لاحق، أما أعناق الثمار تباع بمفردها.

وأشار إلى أن شجرة "المحلب" هي أصل شجرة الكرز، ويتم تطعيم الكرز عليه لمقدرة الكرز على تحمل الجفاف، ومقاومته الحشرات كما يوجد الكرز الحلو البلدي، وكرز قوس قزح والكرز الحامض (الوشنة).

خسارة التجار

من جانبه، أكّد التاجر "بهاء الباشا" من مدينة كفرنبل ويقيم في مدينة سرمدا شمال إدلب، على أن الحرب السودانية لم تُرخِ بظلالها فقط على أصحاب محصول "المحلب"، بل تعدّى إلى التاجر ليكون في صف المزارع هو اﻵخر، مشيراً إلى أن تجارته في "المحلب" تعرضت لخسارةٍ غير متوقعة هذا الموسم.

وقدّر "الباشا" نسبة خسارته بـ 70%، بعد توقف التصدير إلى السودان، فضلاً عن خسارته مخزون "المحلب" الجاف الذي خزنه من العام الماضي، مضيفاً: "موسم المحلب اﻷخضر هذا العام لم يغطِ مبيعه تكلفة زراعته واليد العاملة".

وأوضح أنّ الخسارة الكبرى طالت معظم التجار الذين احتفظوا بأطنان كبيرة في المواسم الماضية، بسبب توقف تصديرها، مبيناً أن محصول المحلب قابل للتخزين لـ3 سنوات فقط.

وخلال إنجاز هذا التقرير استطلعنا رأي عدداً من التجار لمعرفة كمية استهلاك السوق المحلي من محصول "المحلب"، ليؤكدوا بأن الشمال السوري يحتاج ما بين 4 إلى 5% من إجمالي الناتج العام.

المحلب بين الزراعة والتصدير

يرى تاجر الأسمدة "جميل البكور" أن تصدير "المحلب" يبدأ بنقله بداية إلى اﻷراضي التركية، ومن ثم إلى السودان، وهي رحلة تستغرق قرابة ثلاثة أشهر، ليتم أيضاً تصديرها إلى الدول اﻹفريقية.

وعن الحلول المتاحة أمام المزارعين، يرى "البكور" أن الحلول تنحصر بالبحث عن أسواقٍ بديلة في المواسم القادمة، مثل الدول الخليجية، التي تستقبل رحلة محصول "المحلب" أحياناً قبل مغادرتها إلى الأراضي السودانية.

وأوضح أنه في حال استمرار الخسارة، فاﻷرض لا تعطيهم إﻻ خيار تطعيم أشجار المحلب بالكرز أو الوشنة (الكرز الحامض) التي يؤمّنون سوقها في الداخل.

في المحصلة، إن خسارة مزارعي ريف إدلب تعني مزيداً من معاناة أبناء هذه المنطقة، ففي أحدث تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "OCHA"، الصادر بتاريخ 30 نيسان/أبريل الماضي؛ فإن نسبة أعداد المحتاجين للمساعدات الإغاثية في إدلب تزيد عن 90% من إجمالي أعداد المقيمين فيها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات