القاتل الذي يمشي في جنازة قتلاه!

القاتل الذي يمشي في جنازة قتلاه!

أعلنت اليونان الحداد ثلاثة أيام على ضحايا القارب الغارق الذي يغص بمئات من المهاجرين غير الشرعيين ومحملاً بأكثر من عشرة أضعاف حمولته الطبيعية قبالة السواحل الجنوبية الغربية لليونان، والذي لم تُحص الأعداد النهائية لضحاياه بعد مرور ثلاثة أيام على الكارثة.

لكن لدى الغوص في التفاصيل تدرك أن هذا الإعلان لم يكن إلا محاولة لإظهار التضامن الإنساني المتوجب مع الضحايا، ولجعل الأمر محض كارثة حدثت بفعل عوامل مختلفة اجتمعت في لحظة ما لتفضي إلى تلك النتيجة الكارثية، وبطبيعة الحال ليس من بين هذه العوامل اللامبالاة وسوء التصرف اليونانيين، بل هو القدر والحمولة الزائدة ورفض المهاجرين أنفسهم العون اليوناني لا أكثر!.

وبالتالي فإنه من الواضح تماماً أن السلطات اليونانية تحاول التنصل من المسؤولية، خصوصاً بعدما بدأت تتضح معالم وحجم الكارثة وما تحدثه من ردود فعل دولية محلية ودولية. ففي أثينا العاصمة اليونانية خرجت مظاهرات نظمتها أحزاب المعارضة والمنظمات الحقوقية عبّرت فيها عن رسالة لوم شديد لحكومتهم على أدائها المريع وغير الأخلاقي واللا قانوني بشأن طريقة استجابتها لأزمة المركب، سواء لجهة اكتفائها بداية بتقديم معونات عينية في وقت كان المركب يغالب الأمواج ولا يغلبها، وعندما قررت سحب المركب بعد مضي وقت ثمين سحبته بطريقة لا تلبي متطلبات الحماية من الغرق وهو الذي ينوء بحمل أكثر من سبعمائة وخمسين شخصاً، أي أكثر من طاقته الاستيعابية بعشرة أضعاف، وكان الأولى بها إفراغه ابتداءً من النساء والأطفال على أقل تقدير لتخفف من حمولته، وألا تبدأ عملية السحب قبل وصول قوات ومراكب الدعم تحسباً لتطورات من قبيل انقلاب المركب، فيكون التدخل والإنقاذ سهلاً وعاجلاً، وهي أمور فنية وتقنية لو روعيت لما بلغ عدد الضحايا هذا العدد المهول.

على أية حال ليست تلك المرة الأولى التي ترتكب فيها قوات حرس الحدود البحرية اليونانية جرائم بالمعنى الحرفي للكلمة بحق مهاجرين غير شرعيين، فلطالما شهد نهر (إيفروس)، وهو الفاصل بين الحدود التركية اليونانية، اعتداءات بدنية شديدة على العابرين من تركيا لليونان، وإجبارهم على العودة للأراضي التركية عراة مسلوبي الأموال والهواتف والمقتنيات، كما أفضت بعض الاعتداءات لمقتل العديد من المهاجرين ضرباً أو إغراقاً في النهر.

والحقيقة أن اليونان ليست وحدها من تتحمل المسؤولية عن مئات حالات غرق مراكب الهجرة غير الشرعية، بل إن دول الاتحاد الأوروبي نفسه تتحمل قسطاً من تلك المسؤولية عندما تشرّع قوانينا تخالف قوانينها الوطنية والتزاماتها القانونية المترتبة عليها بموجب مواثيق دولية ألزمت نفسها بها، فقط لتواجه جائحة الهجرة واللجوء، ودون أن تبتكر سبلاً لاستقبال طلبات المهاجرين واللاجئين والتعجل في البت فيها لتجنيب هؤلاء مخاطر ركوب البحر.

كما يتحمل الاتحاد الأوروبي إلى جانب دول أخرى من صانعي القرار الدولي ومنظماته الدولية، بوصفه كياناً وازناً في المعادلات السياسية والقانونية الدولية، وبوصفه أيضاً المتضرر الأكبر من موجات الهجرة غير الشرعية وأعباء ملايين من المهاجرين واللاجئين المالية والاقتصادية والسياسية، مسؤولية عدم مواجهة هذه الجائحة في دول المنبع نفسه الطاردة لشعوبها، سواء لأسباب اقتصادية صرفة أو لأسباب سياسية واضطهاد الحكومات لشعوبها، فمن مقتضيات ذلك طرح مقاربة مختلفة لمواجهة موجات اللجوء أو الهجرة الاقتصادية تبدأ برفض التعامل مع النظم السلطوية التي لا تقيم وزناً للحدود الدنيا لحقوق الإنسان، ورفض تقديم أي شكل من أشكال الدعم لها على مختلف المستويات، بل والعمل على تحجيمها وإسقاطها إن اقتضت الحاجة ذلك، وتقديم كل أشكال العون ودعم التنمية وخلق فرص عمل في مواطن هؤلاء من خلال الاستثمار غير الجائر الذي تعتمده الآن لديمومة رفاهها وحدها على حساب حاجات الشعوب وحقها بالعيش الآمن الكريم.

وعليها أن تدرك أنه لا يمكن التوفيق بين استغلالها لثروات الشعوب وتنصيب حكومات عميلة لها وتجييرها لنتائج ذلك لتحقيق الرفاه لشعوبها وبين حرمان ضحايا تلك السياسات من حقهم في البحث عن ملاذات آمنة وفرص عيش تلبي الحدود الدنيا لحاجات هؤلاء البشر، وذلك تحت مسمى محاربة الهجرة غير الشرعية! فطالما هناك ديكتاتوريات محسوبة عليها ومدعومة منها، وطالما هناك نهب واستنزاف اقتصادي لاقتصادات الدول الفقيرة في سبيل رفاه شعوب الشمال، فلن تقف قوافل مراكب المهاجرين ولا الباحثين عن فرص عيش آمن.

وإلى أن يستفيق الضمير الإنساني ستبقى ثمة مراكب تمخر عباب البحار شمالاً، وسيغرق الكثير منها ويغرق معه آلافاً من البشر الذين أوجدهم حظهم العاثر في بقعة من الكرة الأرضية لا يقام فيها وزن لبشر أو قيمة لحياة، وسيستمر القاتل يمشي مطرقاً متصنعاً للحزن في جنازة قتلاه!.

التعليقات (3)

    جاسم

    ·منذ 10 أشهر أسبوعين
    شكرا أستاذ غزوان كنا متوقعين تحكي عن القانون الدولي هل يجرم الحكومة اليونانية في حال ثبت ما تحدث الشهود الناجين حول إهمال وتعمد إغراق القارب ومن يمكن ان يكون المدعي ؟

    محاربة الفساد الحل

    ·منذ 10 أشهر أسبوعين
    من طلب من السورين او المصرين و الباكستانيين الهجرة في البحر الى أوريا ؟؟ من طلب منهم المغامرة بحياتهم من اجل حياة أفضل ؟؟؟ سوى سوء المعيشة والذل والحرمان والجوع والفساد في بلدانهم بسبب الأنظمة الفاسدة التي همها الأول والأخير السرقة والنهب دون محاسبة .. لو تمت محاسبة مسؤول واحد على سرقته لما حدث ما حدث وعاشت جميع الشعوب برفاهية وأمان

    أبو العبد الحلبي

    ·منذ 10 أشهر أسبوعين
    رُبَما يتذكر جيل الشباب الحالي أن أهل سوريا استقبلوا عام 2006 أعداداً كبيرة من أهالي لبنان "غالبيتهم شيعة" كانوا فارين من أهوال الحرب في بيوتهم و أحسنوا ضيافتهم و أكرموهم لكن نفس هؤلاء عاد جزء منهم ليرتكب الفظائع بحق شعب سوريا بعد حوالي 6 سنوات نصرة لعصابة بشار المُجْرِمة . لكن جيل الشباب الحالي رُبَما لا يعلم أنه أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) فرَ آلاف اللاجئين الأوروبيين من قارتهم إلي بلدان الشرق العربي ومنها سوريا بحثاً عن ملاذ آمن. استقبلت مدينة حلب وحدها - كمثال- 12ألف من المهاجرين اليونانيين و اعتنت بهم و أطعمتهم و أسكنتهم بالمجان و لم تطرد أي قادم التمس اللجوء إليها . دارت الأيام دورتها و بعد ما يزيد عن 70 عاماً ، اضطر بعض أهالي سوريا للفرار من جحيم الحرب القذرة الإجرامية على الشعب العربي المسلم في سوريا (التي شنتها عصابة بشار و عصابات المليشيات الفارسية و عصابات جيش روسيا المرتزق و عصابات الجماعات الإرهابية التي صنعها الغرب و أتباعه) ثم للفرار من بؤس العيش في المناطق الواقعة تحت سيطرة هذه العصابات. ما أرادت الغالبية الساحقة من اللاجئين أن تستوطن في اليونان و كان هدفها التوجه إلى بلدان أرقى منها . من معرفتي بعدة يونانيين خالطنهم في أوروبا ، الشعب اليوناني طيب و لكن لديه حكومة تعيسة في الممارسة السياسية و هي من تقوم بطرد اللاجئين و ربما تساعد على إغراقهم و كل ذلك لأنها تريد التظاهر بمظهر المًدافِع عن القارة حتى تجني مكاسب اقتصادية . الزمن دوار ، و قد يأتي يوم فرار اليونانيين من بلادهم باتجاه سوريا. هل حكومة اليونان الحمقاء تحسب مثل هذا الحساب أم أنها مُطمئِنة بعد أن امتلأت بلدهم بالقواعد العسكرية الأجنبية؟ لا يمكن لسياسي عاقل أن يعتقد أن القواعد في بلده هي لحماية بلده و إنما هي لحماية مصالح من وضعوها فقط لا غير .
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات