"الأسد" بين الحضنين الإيراني والعربي: هل من جديد؟

"الأسد" بين الحضنين الإيراني والعربي: هل من جديد؟

خلال الآونة الأخيرة شهد الملف السوري أحداثاً وتطوراتٍ عديدة مهمّة، الأمر الذي تزامن مع نشاط دبلوماسي يحوم حول الملف السوري ونظام الأسد، سواء تعلق ذلك بالزيارات المتبادلة بين الدول العربية، وأهمها المملكة العربية السعودية مع نظام الأسد، وما تلاها من زيارة هي الأولى بعد أكثر من 12 عاماً، للرئيس الإيراني إلى دمشق، ولقاء دبلوماسي هو الأول من نوعه بين وزير الخارجية التركي ونظيره في نظام الأسد، ضمن إطار مسار رباعي موسكو.

في ظل هذا الحراك الكثيف في الملف السوري، قَدّمَ رأس نظام الأسد خطابين رئيسيين مباشرين، الأول كان بدمشق في معرض زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 3 من الشهر الماضي، والثاني كان يوم 19 أيار باجتماع القمة العربية الـ 32 في جدة.

وعلى الرغم من الطابع العام الذي يصبغ خطابات "الأسد" بوصفه خطاباً فلسفياً وعاماً ومليئاً بالشعارات، إلا أن سخونة الملف السوري والمسارات الجديدة للانفتاح على نظام أسد، وما تحمله في طياتها من طلبات وجوائز معلنة أو غير معلنة، تجعل من الأهمية بمكان إلقاء نظرة تحليلية على مضامين هذه الكلمات التي صدرت عن "زعيم الكبتاغون"، وخصوصاً بوصفها تأتي تباعاً بين حضنين، إيراني قديم، وعربي يُمهَّد له الطريق. وفي هذا السياق يبرز تساؤل مهم: ما هي طبيعة النقاط الرئيسية في كلا الخطابين؟ وهل ثمة تغيرات ما في مضامين الكلمات تبعاً للظرف المكاني والطرف المقابل؟

بالانطلاق من الكلمة الأولى التي قدمها "الأسد" أمام "رئيسي"، يمكن تحديد مجموعة من النقاط الجوهرية التي ارتكز عليها الخطاب والرسائل السياسية التي يمكن إجمالها في سبعة محاور رئيسية وهي:
التأكيد على العلاقات المميزة مع إيران واستمرار التنسيق النوعي بمعزل عن الظروف المحيطة، والتأكيد على المبادئ السياسية الواحدة وأهمية الثبات عليها لتوجيه الأحداث ونتائجها، والحديث عن عدم تقديم تنازلات لمواجهة الاستعمار الساعي لتقسيم الدول، الارتكاز على تحسن علاقات دول المنطقة لمواجهة الاستعمار بشكل رئيسي، والترحيب بالاتفاق السعودي الإيراني وآثاره، والتركيز على مواجهة الكيان الصهيوني ودعم النضال الفلسطيني، والترحيب بالحوار الرباعي في موسكو، مع اشتراط انسحاب الاحتلال ووقف دعم الفصائل الإرهابية، والحديث عن التوزان العالمي الذي ينتقل نحو الشرق تدريجياً، وعن أهمية تعدد الأقطاب وأفول قوى الهيمنة الغربية.

تشير كل تلك النقاط الواردة في الكلمة على تركيز رأس النظام على إستراتيجية العلاقة مع إيران، رداً على المزاعم التي تروّج لاستمالة النظام وتحجيم دورها في سوريا، والتركيز أيضاً على خطاب تقليدي "المقاومة والممانعة"، مع الإشارة الى نقطة مهمّة وهي النتائج المتوقعة للعلاقات الدبلوماسية الجديدة عربياً نحو السياسات الخارجية، وفق رؤية المحور الإيراني دون إظهار أي ارتباط لها في الملف السوري الداخلي، والذي اقتصر الحديث عنه برؤية النظام لمستقبل التطبيع مع تركيا، بالانسحاب غير المشروط ووقف دعم فصائل المعارضة. 

بالانتقال إلى الكلمة الأخرى التي ألقاها في القمة العربية بجدة، فقد تركزت بدورها على مجموعة من النقاط تتمثل بـ12 نقطة رئيسية وهي:  القضايا الكبرى، محور يستحق البحث والتوافق، الاهتمام يجب أن يتركز على الأسباب وليس الآثار والنتائج، الفرصة الحالية هي تبدل ميزان القوى العالمي، الغرب مجرد من المبادئ والأخلاق والأصدقاء والشركاء، مهاجمة الليبرالية الحديثة التي تهدد الهوية العربية، قضايا العمل الكبرى تتمثل بمواجهة الصهيونية، الأخطار تتمثل بالفكر العثماني التوسعي والإخوانية، ضرورة مراجعة الميثاق والنظام الداخلي للجامعة العربية، الواجب على الجامعة ترك القضايا الداخلية لشعوب الدول، والتي هي قادرة على تدبير أمرها، أما المساعدة فتأتي عند الطلب حصراً، سوريا تتبنى عروبة الانتماء لا الأحضان وهي قلب العروبة وليست في حضنها، الأمل يرتفع في ظل التقارب العربي العربي، والعربي الإقليمي والدولي، شكر "خادم الحرمين الشريفين" على الدور الكبير الذي قام به والجهود المكثفة التي بذلها لتعزيز المصالحة في المنطقة.

تشير مضامين هذه الكلمة بدورها إلى رسالة رئيسية، تتمثل برفض التدخل وإن كان عربياً، في الشأن الداخلي السوري، ورفض ربط العروبة بتموضع نظام الأسد في الحضن الإيراني، والهجوم الثلاثي على الغرب والصهيونية وحزب العدالة والتنمية "تركيا"، مع الإشارة لنقطة التلاقي الرئيسية مع أنظمة عربية فاعلة كمصر والسعودية والامارات وتونس في مواجهة الإسلام السياسي.
تسمح المقارنة بين كل من الكلمتين بالوصول لصورة واضحة عن السياسة الداخلية والخارجية الحالية لنظام الأسد، بعد سلسلة من الأقاويل والإشاعات والتحليلات عن مدى تجاوبه مع مسارات التطبيع الحالية (العربية والرباعية في موسكو).

إذ تمسك نظام الأسد في كلا الخطابين برؤية "محور الممانعة" للمشهدين الإقليمي والسوري على حد سواء، من حيث تعزيز الحضور الإيراني ونفاذ مشروعها الكبير والمواجهة العسكرية مع قوى المعارضة، بعد قطع الدعم عنها وانسحاب القوات الأجنبية، مع التركيز في الحضن العربي على الإسلام السياسي ومواجهة  العدالة والتنمية ومشروعها الفكري بوصفه نقطة التقاء كبرى مع أنظمة أخرى وفي مقدمتها مصر والإمارات، كذلك بدا واضحاً التمسك برفض مبدأ المبادرة العربية في كلا الخطابين، من حيث التأكيد على الثوابت في الأول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية في الثاني، مع الإشارة المباشرة الى أن المسار الذي ينفتح عليه النظام لن يرتبط بالقضايا المطروحة بوصفها أعراضاً فقط، كعودة اللاجئين وملف الكبتاغون والميليشيات الإيرانية والمعتقلين.. إلخ، بل سيرتبط بالقضايا الكلية، كوجود معارضة على الأرض أو الأزمة الاقتصادية.. وغيرهما.

وبذلك يمكن القول: إن نظام الأسد كشف رؤيته الحالية، والتي تتمثل بتعزيز الحضور الإيراني في سوريا، وإعادة هيكلة المنصة العربية والدعوة للانضمام لرؤية "محوره الممانع"، وفي مقابل ذلك على الآخرين إثبات حسن النية، عبر تقديم الدعم الاقتصادي والمناصرة في المنصات الدولية، وفيما خلا ذلك ليس لدى نظام الأسد ما يقدمه للعرب وتركيا والعالم على الإطلاق.

التعليقات (3)

    Lula Savana

    ·منذ 10 أشهر أسبوعين
    متعودة ديما، يعني إذا كان صار لها 30 سنه عم تخطط لزواج المتعة على الزواج الحلال، فليس بعد الكفر ذنب.

    محب بلاد الشام

    ·منذ 10 أشهر أسبوعين
    درس علم السياسه ١٠١ لن يتزحزح نظام الأسد عن إيران ومحور المقاومة المزعوم ولو دفعت السعوديه ٥٠ مليار دولار لأن حافظ الأسد وضع رئيسًا من قبل الماسونيين مع اتزام بجعل سوريا دولة شيعية المحور ومتخلفه بكل المجالات وتدمير البلد وتشريد اهل السنه خارج سوريا.

    BeBo

    ·منذ 10 أشهر أسبوعين
    كانت روسيا تريد التخلص من مقصوف الرقبة هذا، لكن فرنسا ابقته بصفقه سياسية مع روسيا، يعني هل ابن الحرام ما في شي مبقيه سوى الصفقات السياسية التي تصب في مصالح اعداء الإسلام.
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات