مجدداً.. قراءة في هواجس المجنسين في تركيا

مجدداً.. قراءة في هواجس المجنسين في تركيا

لم تنف السلطات الرسمية القطرية –حتى الآن- سردية ترحيل السوري (ماهر الدغيم) من مطار الدوحة إلى مطار دمشق عبر طائرة أجنحة الشام المتوجهة من عمان إلى دمشق عبر الدوحة، ولم يصدر عنها أي تكذيب رسمي لتلك الرواية، وما يقال إنها غير معنية بالرد على ما هو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي يعزّز الفرضية ولا ينفيها.

كما لم تصدر ممثلية الائتلاف في الدوحة أي نفي لما قيل عن ضلوعها باستصدار جواز سفر (ائتلافي) للمذكور لإثبات سوريته بما يتيح لسلطات الدولة إمكانية ترحيله بصرف النظر عن عدم مشروعية ذلك في ميزان القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي تنكفىء قيمته ومفاعيله عند الحاجة !. 

لكن يحار المرء في اجتراح إجابة على سؤال المصلحة المفترضة، ما هي مصلحة الدوحة في ذلك؟ وهي ربما من الدول العربية القليلة التي لم تشرع أبوابها وسياساتها –حتى الآن على الأقل– لجائحة التطبيع مع النظام السوري.

والحقيقة ألا مصلحة لها ولا مغنم في ذلك، وبالتالي لا تفسير للأمر إلا بكونه شكلاً من أشكال الاستجابة لمطلب أمريكي بهذا الشأن، بعد ما قيل عن حصول الأمريكان على وثائق ورقية في أكثر من موقع في مدينتي الموصل العراقية والطبقة السورية، تثبت حصول تحويلات مالية ضخمة لتنظيم "داعش"، الأمر الذي قررت بموجبه السلطات التركية أيضاً أواخر العام 2022 إدراج اسمه وشركاته ضمن قائمة الـــــ 17 التي فرضت عليها وزارة المالية التركية إجراءات تحفظية، كون أنشطة هؤلاء الأشخاص وتلك الشركات ضالعة في تمويل الإرهاب، كما اتخذت وزارة الداخلية التركية إجراءات تتعلق بتجريد من كان قد تم تجنيسه منهم من الجنسية التركية. 

ولبيان هذا الأمر، فإنه من المهم بالنسبة للمجنسين معرفة أن السلطات التركية تملك الحق القانوني بالتجريد من الجنسية في حالات معينة وضمن شروط حصرية لا قياس عليها، وأن ثمة نسقين من القوانين التي تتعلق بتلك المسألة، النسق الأول منها هو القوانين العامة المتعلقة بفقدان الجنسية أو التجريد منها والأسباب القانونية الموجبة لذلك، وهي تنطبق على عموم المواطنين الأتراك سواء أكانوا أتراكاً بالمولد أو بالتجنيس، والنسق الثاني وهو ما يتعلق حصراً بالمواطنين الأتراك المجنسين، وبطبيعة الحال ثمة آثار قانونية مختلفة لكلا الحالتين. 

أما ما يتعلق بالنسق الأول، فإن أسباباً أربعة تعطي الأحقية للسلطات بالتجريد من الجنسية وهي:

• إذا التحق شخص تركي طواعية بالخدمات العسكرية لدولة أجنبية ودون إذن من سلطات الدولة التركية، فإن ذلك الشخص يفقد الجنسية التركية.
• إذا كان الشخص يحمل الجنسية التركية ويعمل طوعاً لمصلحة دولة أجنبية وكانت خدماته لتلك الدولة لا تتوافق مع مصالح تركيا، فإن السلطات التركية تطلب من الشخص المعني ترك هذا العمل وتمنحه مهلة ثلاثة أشهر لفعل ذلك فإن لم يمتثل لأمر السلطات، فإنه يفقد الجنسية التركية.

• إذا عمل المواطن التركي بشكل طوعي لمصلحة دولة أجنبية هي في حالة حرب مع تركيا دون إذن حصري من الرئيس التركي، فإن ذلك يشكل سبباً لفقدانه الجنسية التركية. 
• إذا ارتكب مواطن تركي الجرائم المنصوص عليها في المواد 302 و309 و310 و311 و312 و313 و314 و317 من قانون العقوبات التركي (وهي من الجرائم التي تصنف أنها ضد أمن الدولة التركية أو تهدد النظام الدستوري لتركيا).

 
وأما ما يتعلق بالنسق الثاني وهو المتعلق بالمتجنسين فإضافة لما ورد أعلاه فثمة سببان إضافيان لإسقاط الجنسية عن المتجنس وهما: 
• إذا اكتشفت السلطات التركية أن الجنسية قد تم الحصول عليها بموجب بيانات ووثائق كاذبة أو بإخفاء حقائق أساسية كان من الممكن أن يكون لها تأثير في قرار منح أو حجب الجنسية. 
• الضلوع في دعم منظمات أو جمعيات أو أشخاص مصنفين من قبل الحكومة التركية كإرهابيين أو كمنظمات إرهابية.

وتختلف الآثار القانونية بين النسقين، ففي النسق الأول يقتصر التجريد من الجنسية على الشخص نفسه ولا يمتد أثر ذلك إلى زوجته وأولاده، بينما يمتد هذا الأثر في النسق الثاني ليشمل -إضافة للشخص نفسه– زوجته وأولاده. 

وفي جميع الأحوال لا يتخذ قرار من هذا القبيل وبتلك الخطورة دون مباشرة تحقيق موسع من قبل وزارة الداخلية ترفعه مقروناً بالقرائن والأدلة التي تعطي أرجحية لثبوت وقوع الفعل الموجب لهذا الإجراء، إلى مكتب رئاسة الجمهورية الذي يتخذ القرار النهائي بهذا الشأن، ولا يعتبر قرار التجريد من الجنسية أو إسقاطها ساري المفعول قانونياً إلا بعد نشره في الجريدة الرسمية أصولاً.

وبطبيعة الحال أيضاً، فإن كل ذلك لا يحرم المتضرر من حقه في اللجوء إلى القضاء الإداري لإلغاء القرار وتقديم الأسانيد والأدلة التي يعتقد أنها تدحضه، فالسلطة التنفيذية ليست مطلقة السلطة والصلاحية في قرارتها بمعزل عن رقابة القضاء وسلطانه.

وبالعودة لحالة المدعو " ماهر الدغيم" فإن إسقاط الجنسية عنه وإن كان له ربما ما يسعفه من أسانيد قانونية، لكن منعه من دخول البلاد والتعجل في ترحيله وعدم منحه الفرصة والوقت الكافيين لاتخاذ الإجراءات القانونية أمام القضاء التركي للنيل من القرار، يمثل انتهاكاً لحقوقه القانونية والدستورية.

ويشكل سابقة خطيرة ربما تفضي إلى موته أو تعذيبه على يد السلطات السورية التي ما ادخرت جهداً لسحق مواطنيها لأنهم امتلكوا جرأة الجهر بمطلب الحرية ودولة القانون، وهي سابقة يجب ألا تتكرر أو تستنسخ ليس فقط لما تبعثه من هواجس ومخاوف تبدو مشروعة في نفوس المتجنسين، وإنما أيضاً لكونها تنتهك كل المعايير والمواثيق القانونية الدولية التي التزمت بها الدولة التركية. 
   

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات