في حبّ الشّاي

في حبّ الشّاي

الشّاي في الأدب

الشّاي هو المشروب الأكثر تناولاً في العالم بعد الماء، ويكاد يتفوق على القهوة في حبّ الناس وتهافتهم إليه، حتى إنه كُتبت فيه المقالات، وأُلّفتِ الكتب والقصائد، للحديث عن أنواعه وأسمائه المختلفة، وموطنه الأصلي.

ولشرب الشاي، وارتشافه متعة، وموسيقا خاصة لا يمكن أن تكون في أيّ مشروب آخر، وفي ذلك قلت يوماً:

للشايِ موسيقا تُصاغُ برشْفِها

تحلو لنا ولكلِّ ضيفٍ زائرِ

إنّي لأعشق شربَ شايٍ ساخنٍ

دون الحليبِ وقهوةٍ بل فاترِ

الشَّايُ كما جاء في المعجم: نباتُ يُغْلَى ورقُه، ويُشرب محلَّى بالسُّكَّر،

وكلمة الشاي كلمة من اللغة الفارسية (تشاي) أو (چای)، وهي كلمة مشتقة من أصول صينية (تشا) كما تُنطق في شمال الصين، وهي اسم الشجرة، أو الشجيرة التي تُستخرج منها الأوراق لتحضير الشاي، وهي شجرة الكاميليا.

يقال إن أول من زرع واستخدم الشاي هم الصينيون، وتذكر الروايات الصينية بأن أحد الملوك كان مغرماً برعاية الأعشاب وجمعها والتداوي بها، وكان يحب شرب الماء الساخن بعد غليانه، وقد ترك بعض أوراق الشاي في الحديقة، وبالمصادفة حملت الريح ورقة من الشاي الجاف إلى قدح الماء الساخن الذي اعتاد أن يحتسيه، وهو جالس في الحديقة كنوع من أنواع العلاج بالماء، فلاحظ الملك تغير لون الماء، فتذوق طعم المنقوع واستساغه، ودأب على تناوله.

ولم ينتشرِ الشاي، ويصبح معروفاً في العالم إلّا في القرن السابع عشر، وما بعده، وقد وصلت أول شحنة من الشاي إلى أوروبا في عام 1610 وهو أول عهد الأوروبيين بالشاي.

 ويُعدّ إنتاج الشاي وتجهيزه المصدر الرئيسي لسبل عيش ملايين الأسر الفقيرة في البلدان النامية، إذ يوفر الدخل لتلك الأسر التي تعيش في بلدان أقل نمواً، ويعتبر إنتاج الشاي أمراً حيوياً لمكافحة الجوع، والحد من الفقر المدقع، وتمكين المرأة، والاستخدام المستدام للأراضي، ولهذا السبب حددت الأمم المتحدة يوم 21 مايو/أيار يوماً دولياً للشاي.

كثيرة هي الكتب التي تحدثت عن الشاي، أو اتخذت الشاي عنواناً لها  عربياً، أو عالمياً. 

نذكر في سوريا الشاعر منذر مصري في مجموعته (الشاي ليس بطيئاً)  يتحدث في قصيدة أخذت المجموعة اسمها منها عن صديقه الكاتب الراحل بوعلي ياسين، ويقول إنه كان يحب طريقة إعداده للشاي، ويهدي القصيدة له، ويقول:

ما عادوا يَصلُحون

لِدَفعِ الأَيَّامِ مِن ظُهورِها

ما عادَ بِحوزَتِهِم

ما يَملأُ الجَماجِم

الأَصدِقاء

ما عادوا قَتَلَةَ ضَجَر.

أُحَيِّيهِ هازِلاً:

(هَل فعَلتَ الشَّاي؟)

يُجيبُني وَعَقبُ سِيجارَةٍ

عالِقٌ في زاويَةِ فَمِه:

(لَم تَأتِ لِشُربِ الشَّاي

بَل لِشُربِ الوَقت)

فأَخلِطُ جِدَّهُ بِهَزلي:

(الشَّايُ لَيسَ بَطيئاً

نَحنُ سَريعون).

وكذلك أصدر الكاتب الفلسطيني المقدسي سمير الجندي كتاباً بعنوان (حوش الشاي)، وهو مجموعة من النصوص القصصية كُتبت في حضرة كوب الشاي، ويتناول في بعضها أهمية الشاي لدى الأديب.

وأصدر الكاتب الكويتي ساجد العبدلي كتابه (بصحبة كوب من الشاي)، وهو عبارة عن مجموعة من المشاهدات والتأملات التي ألّفها في جلسات مختلفة من حياته، وطبعاً في حضرة كوب من الشاي.

ولو انتقلنا إلى بلدان المغرب العربي لوجدنا أن الشاي، أو الأتاي، كما يُسمى هناك كان موضوع كتب كثيرة ككتاب (من الشاي إلى الأتاي) للمؤلّفَين عبد الرحمن الخصاصي وعبد الأحد السبتي، وفيه تناولا مصدر الشاي، وطريقة إعداده، وعادات شرب شاي الأتاي، حيث أصبح الأتاي رمز التحول من الحرية للعبودية برأيهما، لأنه انتشر في بلاد المغرب، بعد سطوة الاستعمار الأوروبي.

يشير الباحثان في كتابهما (من الشاي إلى الأتاي) إلى أن السلطان الحسن الأول قام بتقديم الشاي والسكر، والأواني الفضية كهدايا وهبات لرؤساء، وزعماء القبائل الذين يرفضون الخضوع لسلطته، أو يترددون في إعلان ولائهم.  وسياسة الإغراء هذه عن طريق الشاي ولوازمه ناجعة، وأتت أكلها، لأنّ السلطان بسط نفوذه على هذه القبائل دون حروب، لما للشاي من سحر في ذلك الوقت، في القرن التاسع عشر.

وبالمناسبة فإن مشروب شاي الأتاي المغربي يختلف عن مشروب الشاي العادي الأحمر، أو الأسود المعتاد شربه في بلاد المشرق، فالاختلاف ليس في اللون فقط، ولكن أيضاً في مصدر الحصول عليه، وطرق تحضيره.

ومن الكتب التي تناولت الحديث عن الشاي في المغرب كتاب (الشاي في الأدب) للكاتب عبد الحق المريني، وفيه رأى أنّ الشاي دخل إلى المغرب على يد التجار الإنكليز من جبل طارق، ومنه انتشر في المناطق الصحراوية والسودان الغربي ووصل إلى تمبكتو.

من الجدير بالذكر أن أول من ذكر الشاي عند العرب هو البيروني في كتب رحلاته، حيث وصف "أن الصينيين كانوا يشربون شراباً ذهبياً يُسمى الشاي"، علماً بأن الشاي لم ينتشر في مراحل دخوله الأولى بشكل واسع، بل كان محصوراً في طبقات المجتمع العليا، وفي قصور الملوك، وكانت طقوس إعداده وتقديمه تشبه طرق تقديم الخمر، وخاصة في المغرب العربي، لذلك حدث سجال شرعي عند بعض العلماء والقضاة، وبعضهم طالب بمنعه، ومثال ذلك صدور كتاب بعنوان "الآي في تحريم الآتاي"، حيث نُقل عن الفقيه محمد البيشروي أنه نبّه من شرب الأتاي، لأنه يشبه الخمر، كما إن قاضي مكناس، أحمد بن عبد الملك العلوي، كان لا يقبل شهادة شارب الشاي.

يقول الأديب والعالم الموريتاني العالم بابه بن محمودا في فتوى بحرمة الشاي:

نحِّ عني الأتايَ إن ارتشافِي

لكؤوس من الأتاي ضلالُ

تَلَفُ المالِ واستدارة شِرْبٍ

وفضولٌ من المقال يقالُ

 ولكن على الرغم من محاربة الشاي، وتشبيهه بالخمر انتشر على نطاق واسع، ونزل من برجه العاجي، ليصبح في متناول الناس جميعاً فقيرهم وغنيّهم، وأبدع الشعراء في الحديث عنه، وعن مجالسه، فها هو الشاعر السائح العربي يقول:

 صفراء تسطع في الكؤوس كأنها  شمس تبدت في ذرا الأطواد

وكأنها في حسنها وصفائها 

من عسجد عُصرت بأعصر عاد

ما إن بدت في محفل إلا بدا 

منه السرور يُناط بالإسعاد

ويقول الشاعر سليمان الحوات متغنياً بالإدمان على (أتاي) الشاي:

يثير نشاطاً يبسط اليد بالندى  فمن ثم كل شاربيه كرام

ويكشف غم النفس سراً وجهرة  ويوقظ جفن الإنس حين ينام

ويكسو الوجوه حمرةً ونعومة  كأن بها ورداً سقاه غمام

هو النعمة الكبرى على كل شاربٍ  وإكسيره لا قهوة ومدام

يبدو أن دول المغرب العربي كانت أكثر تأثراً بطقوس إعداد الشاي الأخضر في مهدها الأصلي في الصين من دول المشرق العربي، لذلك قال الكاتب الأردني الراحل أمجد ناصر: "للشاي حضور كبير في الإبداع المغربي التقليدي خصوصاً في الشعر الغنائي، كما إنه حاضر في الإبداع الحديث". 

ومن الكتاب الغربيين الذين عشقوا الشاي، وتحدثوا عنه الروائي الإنكليزي جورج أورويل صاحب "مزرعة الحيوان"، فقد كتب مقالاً خاصاً بالشاي، بعنوان (كوب لذيذ من الشاي)، وحدد  فيه إحدى عشرة قاعدة لإعداد الشاي المثالي، ويقول: "ينبغي شربُ الشاي دون سكّر، إلا إذا كان المرءُ يشربه بالأسلوبِ الرّوسي. أعرف تماماً أنني أنتمي للأقلية هنا، مع ذلك كيفَ يمكنك أنْ تسمّيَ نفسَك عاشقاً حقيقياً للشاي حين تدمّر نكهة شايكَ بوضع السّكر معه؟ سيكون معقولاً بالقدر نفسه أنْ تضع الفلفلَ، أو الملحَ. من المفترضِ للشّاي أن يكون مرَّ الطّعم، لو أنك قمت بتحليته، فأنت لم تعُد تتذوّق الشاي"، وربما يعكس جورج أورويل في مقاله هذا نوعاً من دقة الاهتمام بتفاصيل كوب الشاي الذي لا يجوز إعداده كيفما اتفق، ومن الممكن أن يكون مردّ هذا الاهتمام ولادته ونشأته في الهند.

لو انتقلنا إلى الأدب الروسي، وعشق بعض الأدباء الروس للشاي لوجدنا أن ديستويفسكي كان مولعاً بالشاي الأسود كثيراً، لذلك قال في رواية "مذكرات قبو" على لسان بطل الرواية: "فليذهب العالم إلى الجحيم، لكنّني يجب دائماً أن أحتسي فنجان شايي" وتروي ابنة ديستويفسكي وتتحدث عن عادات أبيها في شرب الشاي، وتقول:

"أولًا، كان يغسل إبريق الشاي بالماء الساخن، ثم يضيف ثلاث ملاعق من الشاي، ويملأ ثلث الإبريق فقط، ثم يغطيه بمنديل ورقي، وبعد ثلاث دقائق يضيف المزيد من الماء الساخن إلى الإبريق، ثم يغطيه مجدّداً، ينظر أبي إلى لون الشاي، عندما يصبّه، وغالباً ما كان يضيف مزيداً من الشاي، ثم يصبه في فنجان، ويضيف مزيداً من الماء المغلي. عادةً ما كان يأخذ الكأس إلى مكتبه ليعود مجدّداً، وقد أضاف مزيداً من الشاي أو خفّفه. ثم يقول: "تصب الشاي فيبدو لونه جيداً، لكن عندما تأخذه إلى المكتب لا يبدو أن اللون كما يجب أن يكون!". لقد كان ديستويفسكي يحتفظ بملعقة شاي خاصة به، كما كان يشرب الشاي بإضافة قطعتين من السكر".

كل ما حظي به الشاي من اهتمام الناس والأدباء في العالم لا يكاد يُذكر أمام اهتمام وولع الشرق الأقصى به، ولا سيما في موطنه الأصلي الصين، حيث يقول الصينيون: "إن لوازم الحياة اليومية سبعة: الحطب، والأرز، والزيت، والملح، والصلصة، والخل، والشاي".

وجعل الصينيون الشاي رمزاً لثقافتهم، وحسن الضيافة لديهم، لدرجة أن الرئيس الصيني شي جين بينغ اعتمده كرمز ثقافي للدبلوماسية في المناسبات الرسمية، لا سيما في لقاءاته مع زعماء العالم.

ومن الشعراء الصينيين الذين اشتهروا بولعهم بالشاي الشاعر لو تونغ الذي له قصيدة شهيرة بعنوان "سبعة أقداح من الشاي" وفيها يقول:

"الكوب الأول يرطب شفتي وحلقي، والكوب الثاني يكسر وحدتي، والثالث يجوس داخلي المجدب، فلا يجد هناك سوى خمسة آلاف مجلد من النقوش الغريبة، الكوب الرابع يتسبب بتعرق بسيط تخرج معه من مسامي جميع مساوئ العيش، وحين أصل إلى الكوب الخامس أكون قد تطهرت، والكوب السادس يناديني إلى جنات الخلد، أما الكوب السابع... آه، لا أستطيع تناول المزيد! لا أحس سوى بهبوب النسيم العليل في أكمامي. دعوني أمتطي الخيل في هذا النسيم العذب، وأرتحل إلى هناك".

وبالانتقال إلى البلد المجاور والمنافس للصين في كل شيء، حتى في الشاي، أي اليابان نجد أن اليابانيين يعتبرون الشاي عقيدة خالصة، ومذهباً روحانياً، ومبعثاً للراحة من أعباء الحياة.

ولعل "كتاب الشاي" للكاتب الياباني أوكاكاورا كاكوزو الذي ترجمه سامر أبو هواش يكاد يكون أعظم كتاب حول الشاي في العالم، وفيه يقول: "ينطوي الشاي على سحر خفيّ يجعله لا يقاوَم، ومنه القدرة على إسباغ الإحساس بالمثالية، فالشاي ينأى بنفسه عن غطرسة النبيذ، وعن غرور القهوة، وعن البراءة المتكلّفة في نبتة الكاكاو"، وفي مكان آخر يقول كاكوزو: "أصبح الشاي معنا أكثر من تحويل شكل الشرب إلى مثال، بل عقيدة تتعلق بفن الحياة. أصبح هذا الشراب مدخلاً لعبادة النقاء والصفاء، واجباً سرياً مشتركاً بين الضيف والمضيف، لكي ينتجا في تلك المناسبة أقصى درجات الغبطة الدنيوية. كانت حجرة الشاي بمثابة واحة في قلب الوجود الكئيب يفيء إليها المسافرون المتعبون، لكي يغبوا من النبع العمومي لتقدير الفن".

ختاماً، لا بدّ من السؤال: هل هناك أجمل من ارتشاف كوب من الشاي (أكرك عجم) كما يُسمى في الشام، أو شاي (كشري) كما في مصر، أو شاي (كرك) كما في الخليج، أو (الأتاي) كما في المغرب العربي؟!

التعليقات (2)

    ·منذ سنة 6 أشهر
    صراحة حسب Google..القهوة هيي المشروب رقم واحد بالعالم بعد الماء..الشاي هو رقم 2

    طز

    ·منذ سنة 6 أشهر
    كل هالقد ما ضل في اخبار لحتى صرتو تكتبو عن مواضيع تافهة متلكن ؟!!!
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات