الرياضة أيديولوجيا أم حياة؟
تُوّج نادي الفتوة الرياضي من دير الزور بطلاً لدوري أسد لكرة القدم بعد أكثر من ثلاثين سنة على تتويجه الأخير في البطولة، وكان نادي الفتوة قد فاز في مباراته الأخيرة يوم الثلاثاء 30 أيار 2023 على نادي المجد الدمشقي، الذي سقط إلى دوري الدرجة الأولى برفقة فريق الجزيرة، الذي امتنع بدوره عن إكمال مباريات مرحلة الإياب لعجزه عن دفع فواتير السفر والإقامة لإجراء المباريات، وشطبت نتائجه في مرحلة الذهاب، وهذا ما يكشف عن تردي القطاع الرياضي في سوريا، الذي مازال يشهد انتكاسات ملحوظة مثل باقي القطاعات السياسية والعسكرية والاقتصادية والتربوية والثقافية الأخرى بعدما ورث المجرم بشار الأسد عن أبيه حكم سوريا.
تعتني الدول المتقدمة بالرياضة، وتنفق على قطاعي الرياضة والشباب، وتستثمر فيهما، وتروج من خلالهما لوجه الدولة الحضاري علاوة عن ترويج الدولة لسياستها وإعلانها عن تطورها وتقدمها من خلال هذين القطاعين أيضاً، وظهر ذلك في عناية قطر الفائقة بمونديال 2022، وكذلك دأبت السعودية على استقطاب نجوم كرة القدم العالميين إلى دوريها؛ وذلك انطلاقاً من قاعدة كروية جوهرية تقول: الدوري القوي ينتج منتخباً كروياً قوياً، وهذا ما يفسر قوة المنتخب السعوي وبروزه بين كبار آسيا على الدوام.
أما فراس معلا رئيس الاتحاد الرياضي العام لدى بشار الأسد فقد خفّض عدد أندية كرة القدم المشاركة في دوري أسد لكرة القدم من أربعة عشر نادياً إلى اثني عشر نادياً بدلاً من زيادة عددها إلى ستة عشر أو ثمانية عشر نادياً في إقرار واضح بتراجع الرياضة وعزوف مزرعة آل الأسد عن رعايتها وعدم اهتمام رئيس الاتحاد الرياضي بها إلا إذا كان هناك ما يروّج لبقاء رئيس العائلة المجرمة على كرسي السلطة كالتوقيع على قمصان اللاعبين، ورفع صورة هذا المجرم في الملاعب، أو الهتاف باسمه إذا دعت لذلك الضرورة!.
هتاف للمجرم بشار الأسد
بعد زلزال شباط 2023 اتخذ الاتحاد الرياضي العام في سوريا قراراً بعدم حضور الجماهير إلى مباريات كرة القدم لأسباب عدة؛ نذكر منها: سوء الملاعب والمدرجات، وضعف البنية الرياضية التحتية في سوريا، والخشية من تطور التشجيع إلى مشاجرات أو مظاهرات في ظل انتشار الفساد الكبير المنافي للأخلاق الرياضية، لكن مجموعة كبيرة من مشجعي نادي الفتوة تحدوا هذا القرار، وحضروا بأعداد كبيرة إلى ملعب مباراة التتويج في دمشق، فأكرمهم لاعبو النادي بتسجيل هدف سريع في مرمى فريق المجد؛ فتفاعلت الجماهير في أرض الملعب مع هذا الهدف، واعترض لاعبو فريق المجد على السماح لجماهير الفتوة بالحضور إلى الملعب وزيادة عدد المشجعين على العدد المسموح به؛ وهو خمسة وعشرون مشجعاً، فما كان من الحكم الأردني إلا أن أوقف اللعب قليلاً، في الوقت الذي حاول فيه رجال أمن الملعب أن يخرجوا جماهير الفتوة من المدرجات، فجلس بعض المشجعين بجوار صورة المجرمين بشار وحافظ الأسد، وراحوا يهتفون: بالروح بالدم نفديك يا بشار، ولا أستبعد أن يكون بعضهم قد هتف في دير الزور: قولوا للشبيحة....الديرية ذبيحة... عندما هدد عصام زهر الدين وجامع جامع باقتحام مدينة دير الزور.
لجوء مشجعي نادي الفتوة للهتاف: (بالروح بالدم نفديك يا بشار!) وجلوسهم بجوار صورة المجرم بشار الأسد، الذي فتكت طائراته وضباطه المجرمون بالشعب السوري وأبناء مدينة دير الزور لردع رجال الشرطة عن طردهم من ملعب المباراة ذكّرني بقصة شهيرة في التراث العربي؛ نستنتج منها أن أنثى الضبع أم عامر لا يجيرها ولا يستجير بها أحد؛ فطالما فتكت بالمستجير بها، وغدرت بمن حماها، وآواها؛ حيث تروي الأخبار في كتب التراث العربي أن قوماً من الأعراب خرجوا للصيد؛ فطاردوا ضبعة حتى ألجؤوها إلى خباء أعرابي، فحال بينهم وبينها، وقال لهم: لقد استجارت بي، ودخلت بيتي، ولجأت له، وأنا أجرتها؛ فوالله لن تنالوا منها ما دام سيفي بيدي، وجعل يرعاها، ويدافع عنها، وبينما هو نائم ذات ليلة، وثبت عليه أم عامر، فبقرت بطنه، وهربت؛ فجاء ابن عمه يطلبه، فوجده في أسوأ أحواله، فتبعها حتى قتلها، وأنشأ يقول:
ومن يصنع المعروف في غير أهله
يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر
أدام لها حين استجارت ببيته
طعاماً وألبان اللقاح الدرائر
وسمنها حتى إذا ما تكاملت
فرته بأنياب لها وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من
بدا يصنع المعروف في غير شاكر
نعم، تذكرت هذه القصة، وهذه الأبيات الشعرية عندما سمعت بعض مشجعي نادي الفتوة، وهم يقولون: بالروح بالدم نفديك يا بشار؛ لأن من يفدونه بدمائهم قد أوغل في سفك دماء أهليهم في ربوع الوطن، وهم بالنسبة للمجرم بشار الأسد ورئيس اتحاده الرياضي فراس معلا ليسوا إلا أرقاماً أو جنوداً على رقعة الشطرنج، سيأتي اليوم الذي يزجون به إلى ساحات المعارك؛ ليقتلوا أهلهم أو يقتلوا؛ ليبقى بشار الأسد على كرسيه، وحظهم لن يكون أحسن من حظ ابن دير الزور الآخر؛ حاتم الغايب الرئيس السابق للاتحاد الرياضي العام، حيث يلاحقونه اليوم بقضايا فساد واختلاس أموال تتجاوز مليون دولار أمريكي.
الخط الأعوج من الثور الكبير
هذا مثل عربي شهير، ينطبق مغزاه على المجرم بشار الأسد لأنه أس الفساد وأساسه في سوريا كلها بشهادة اليوتيوبر بشار برهوم ابن مدينة جبلة أيضاً، فقد قال له في بث مباشر على صفحته على فيسبوك إن أساس الفساد والمشاكل في سوريا ليست حكومة العرنوس كما يدّعون؛ لأنه هو وفراس معلا وغيرهم ليسوا إلا جنوداً من جنود الفساد المأمورين من عائلة الأسد في سوريا كلها. أما على صعيد الساحة الرياضية فقد وعد فراس معلا بإصلاح البنية التحتية الرياضية في سوريا، لكن هذه البنية-وبرغم وعوده- تتدهور يوماً بعد يوم، وعلاوة على ذلك تنتشر أخبار الرشوة والاختلاس والتلاعب بنتائج المباريات عبر ما يُعرف بمصطلح بيع المباريات أو الاتفاق غير النزيه بين فريقين على أن يخسر أحدهما مقابل الآخر؛ ليتقدم أحدهما على سلم ترتيب الدوري، أو لينجو الآخر من شبح الهبوط إلى أندية الدرجة الأولى، وقد لحقت شبهات كثيرة معظم المباريات التي لعبها فريق جبلة المقرب من فراس معلا منذ العام الماضي وخلال هذه السنة في مباريات الدوري وكأس الجمهورية معاً؛ لذلك يعتقد بعض المتابعين أن تسجيل نادي جبلة أهداف الفوز أو أهداف التعادل في الدقائق الأخيرة في أكثر من مباراة قد يدل على اشتعال نخوة الفريق في اللحظات الأخيرة من جانب، ولكنه قد يدل على تدخل الرشوة أو القيادة الرياضية الفاسدة أو التشبيح الرياضي من جوانب أخرى، وعلى كل حال، نعود لنبارك لفريق الفتوة فوزه بلقب دوري أسد في سوريا، ونأمل لفريقي أهلي حلب وجبلة اللذين حلّا ثانياً وثالثاً مزيداً من العطاء في الأعوام القادمة، ونأمل الخلاص من فساد عائلة الأسد المجرمة ومن جنودها الفاسدين في قطاعات الشباب والرياضة والإعلام وغيرها؛ لعل سوريا تستعيد بعض عافيتها وألقها الحضاري بعد الخلاص الموعود الذي راح يلوح في الأفق القريب بعد انتظار طويل.
التعليقات (3)