التطبيع العربي مع الأسد.. من لا يملك يعطي لمن لا يستحق

التطبيع العربي مع الأسد.. من لا يملك يعطي لمن لا يستحق

تبدو محاولات بعض الدول العربية للتطبيع مع نظام بشار الأسد تجسيداً فعلياً للمقولة التاريخية الشهيرة والصحيحة "من لا يملك يعطي لمن لا يستحق".

كان الأمر قد بدأ منذ شهور مع أصوات ودعوات متفرقة هنا وهناك للتطبيع مع النظام وتعويمه وشرعنته وإعادته إلى الجامعة العربية بحجة ترتيب البيت والتساوق مع المتغيرات والتطورات الأخيرة في المنطقة والعالم، ثم جرى استغلال فاجعة الزلزال الأخيرة في شباط الماضي لقيام مسؤولين عرب بزيارة بشار الأسد بحجة التضامن في مواجهة الفاجعة، وتقديم إغاثات ومساعدات إنسانية، وتم استقباله في سلطنة عمان بالفترة نفسها نهاية شباط الماضي.

فيما بدا كجسِّ نبض واختبار أو تهيئة عمانية تقليدية لاستقبال محتمل له في عواصم ودول عربية أخرى، وهو ما جرى فعلاً عبر زيارته إلى أبو ظبي ولقاءات متسارعة لوزير خارجيته فيصل المقداد مع نظرائه العرب في دمشق وعمان والرياض، وتوّج الأمر أخيراً بتوجيه دعوة رسمية للأسد من أجل المشاركة في القمة العربية التي التأمت الأسبوع الماضي بالسعودية.

هذا حصل أي المشهد بل المشاهد التطبيعية مع الأسد رغم استغلاله الانتهازي بل الإجرامي للزلزال ليس فقط لتحقيق مكاسب فئوية للنظام وشرعنته وتعويمه، وإنما للتغطية على أصل القضية السورية، وتزوير الرواية التاريخية كلها، وطمس جرائمه بحق الشعب السوري المنتفض والثائر والمطالب بحق تقرير المصير والعيش بحرية وكرامة على تراب كامل وطنه السيّد الحرّ المستقل دون طغاة أو غزاة.

في السياق، كانت صحيفة "وول ستريت جورنال" وصحف أجنبية أخرى قد نشرت في آذار ما قالت إنها خطة أو شروط عربية للتطبيع مع الأسد والتي تضمنت خمسة بنود رئيسية.

كان أوّلها التطرق بشكل عام إلى التفاهم والحل السياسي مع المعارضة دون الإشارة صراحة إلى إعلان جنيف وقرار 2553 أي وفق الأمر الواقع حالياً، ما يعني تجميل للنظام عبر مشاركة معارضين لا يتمتعون بحيثية وشرعية شعبية ضمن نفس المنظومة السياسية والأمنية والاستبدادية الفاسدة للعائلة والطائفة الحاكمة فيما يبدو توسيع لدائرة قدري جميل وعلى حيدر.

الخطة تضمنت كذلك فكرة تقديم تمويل عربي لإعادة الإعمار في سوريا دون محاسبة أو عقاب لمساءلة الأسد عما أحدثه من دمار متعمد للمدن والبلدات السورية، وبالطبع دون شفافية أو تحديد الجهات والمؤسسات التي ستشرف على إعادة الإعمار.

في الخطة المزعومة كان تطرق أيضاً إلى احتمال إرسال قوات عربية لتأمين عودة اللاجئين السوريين وحمايتهم بما يذكر بتجربة قوات الردع العربية في لبنان منتصف سبعينيات القرن الماضي، حيث سيغلب الطبع على التطبع عند النظام الاستبدادي والإجرامي.

جرى الحديث كذلك عن وقف تهريب المخدرات من قبل سوريا في اعتراف صريح بمسؤولية النظام عن رعاية وقيادة تجارة المخدرات التي باتت مصدر الدخل الأساسي له بحيث بتنا هنا أمام إسقاط التهم والعفو والإعلان عن المجرم حتى قبل تطبيق الحد الأدنى ولو الحق العام ضده.

كانت مطالبة أيضاً ولو عامة وخجولة بتحجيم بشار الأسد للتواجد "التموضع" الإيراني في سوريا.

بالعموم، نتحدث عن تجاوز تام للجرائم الموصوفة التي ارتكبها الأسد وفق تقارير رسمية صادرة عن لجنة التحقيق التي شكّلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأم المتحدة. وكان آخرها منذ أسابيع فقط حيث أكدت لجنة المهنية والنزاهة والمصداقية حقيقة منع النظام وصول المساعدات إلى ضحايا الزلزل بالمناطق المحررة والأكثر تضرّراً، علماً أنهم ضحايا الأسد أيضاً.

بعد ذلك جرى التراجع العربي عن الخطة والشروط السابقة على علاّتها بل وصلت الوقاحة بالنظام إلى حد طلب مقابل سياسي واقتصادي من أجل التوقف عن تصنيع وتهريب المخدرات إلى الدول العربية، كما رفض الالتزام بأي شروط أخرى تجاه العملية السياسية بل تعاطى مع المهرولين العرب تجاهه وكأنه هو المنتصر وهم بحاجة إليه لا العكس.

ليس من تفسير منطقي أو عقلاني يمكن أن يشرح هذا التهافت العربي الرسمي على العلاقة مع نظام ساقط لا يملك الشرعية، وبالتأكيد ولا حتى السلطة الفعلية بمناطق سيطرته، ناهيك عن اعتماده تجارة المخدرات كمصدر تمويل رئيسي له.

هنا، ولفهم ما يجري لا بد من العودة إلى الخلفيات التاريخية والفكرية والسياسية، لتفسير المهزلة الجارية حيث تبدو الأنظمة العربية المطبعة شبيهة بنظام الأسد إلى حد كبير، كونها مزيجاً من أنظمة الاستبداد والثورة المضادة، وكانت اعتبرت دوماً الأسد جزءاً وعضواً في المنظومة التي تنتمي إليها، كما رأينا مثلاً في ترحيب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس -الهارب المتسلسل من الانتخابات - الحار بالأسد في القمة رغم قتله آلاف وحتى عشرات آلاف الفلسطينيين عبر التاريخ في حرب نظامه الضروس لإضعاف منظمة التحرير والنيل من مرجعيتها وشرعية تمثيلها للفلسطينيين والقضية بشكل عام.

وكان وصل الأمر بجورج حبش أحد الرموز التاريخيين للثورة المعاصرة للقول إنه أي نظام آل الأسد قتل من الفلسطينيين أكثر مما قتلت إسرائيل، بينما وصفه القائد الشهيد ياسر عرفات "أبو عمار" دوماً بالخطر المركزي على القضية ونضال الشعب الفلسطيني العادل من أجل نيل حقوقه المشروعة وتقرير مصيره.

ليس بعيداً عن السياق الفلسطيني، تفهم الأنظمة العربية أو بعضها على الأقل أن نظام الأسد يضر بها أمنياً وحتى إستراتيجياً لكنها تتجاوز ذلك عن عمد في مسعى للتخلص من عبء القضية السورية وعدالتها عبر تصفيتها وإنهائها بأي طريقة كانت تماماً كما تصرفت تجاه الفلسطينيين وقضيتهم العادلة.

في كل الأحوال يعبر التطبيع مع الأسد عن أزمة الأنظمة والجامعة العربية ولا يمثل أبداً جزءاً من الحل بسوريا وعلى سبيل المثال لا الحصر كيف سيتم توفير مئات مليارات الأموال لإعادة الأعمار في غياب الحل السياسي العادل ودون حضور غربي "أوروبي أمريكي مع اليابان وكندا" بصفتها الدول السبع الأكثر تطوراً وغنًى، والتي أكدت منذ أيام قليلة فقط رفضها التطبيع مع الأسد أو أي عملية سياسية وعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار بعيداً عن حضور الأمم المتحدة وشرعيتها وقراراتها ذات الصلة.

يجب الانتباه كذلك إلى حقيقة أن الأنظمة العربية المطبعة ليست محل ثقة "ما بتمون" ولا تستطيع طمأنة اللاجئين وإقناعهم وتأمين عودة طوعية وآمنه لهم، خاصة أن حديثها الخجول والعام عن العملية السياسية بدا أقرب إلى رفع العتب مع تجاهل تام ومنهجي لجذر وأصول القضية السورية.

وقبل ذلك وبعده كيف يمكن التطبيع أو التفاهم مع عصابة مخدرات بأي عقل منطق مع اليقين التام بمسؤولية النظام عن التهريب لتمويل آلته الحربية وحتى الأمنية حتى مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المنهارة في منطقته.

وفيما يخص إيران لا يستطيع بشار الأسد "هذا إذا أراد أصلاً" تحجيم الوجود "الاحتلال" الإيراني بسوريا الذي أبقى نظامه حتى الآن بالسلطة مع التذكير الضروري بما طرحه أي الأسد أثناء زيارته الأخيرة لموسكو آذار الماضي، حيث طلب بل استجدى الروس لإعطاء جيشهم صفة الاحتلال الدائم تماماً كما فعل أجداده مع الاحتلال الفرنسي الذي أرادوه دائماً حتى بثمن تقسيم سوريا التاريخية العظيمة قبل أن يحتلوها أنفسهم بحقدهم التاريخي مع حقد الغزاة عليها.

بالعموم لا قدرة للعرب على لعب دور مركزي ومؤثر بالقضية السورية ولا للأسف أي قضية أخرى والتطبيع مع الأسد مصيره مثل التطبيع مع إسرائيل، خاصة أن المطبّعين هم أنفسهم وبينما صفعتهم ممارسات (بنيامين نتن) وحكومته المتطرفة في فلسطين ستصفعهم كذلك ممارسات وعنجهية نظام بشار الأسد وخضوعه التام للغزاة الأجانب.

وببساطة فالذين عجزوا عن تلبية مطالب شعوبهم، وحلّ مشاكلهم وأزماتهم لن يكونوا قادرين على المساهمة إيجاباً في القضية السورية، والحلّ العادل والشامل والمستدام يفترض أن يبدأ وينطلق فعلاً من الدول العربية نفسها، عبر إعطاء الشعوب الحق في تقرير مصيرها والعيش بحرية وكرامة كي يتم فعل الشيء نفسه في سوريا.

في الأخير باختصار وتركيز كانت عبارة فاقد الشيء لا يعطيه، ولا تزال صحيحة عربياً وعالمياً، تماماً كعبارة من لا يملك الحق يعطي لمن لا يستحق، كون الشرعية كانت ولا تزال بيد الشعب السوري وحده يمنحها لمن يشاء بإرادته الحرة، وقد رأينا التصويت بالأيدي والأرجل والحناجر منذ اندلاع الثورة حتى الآن بالهتاف والشعار العبقري تحيا سوريا العظيمة ويسقط الأسد.

 

التعليقات (2)

    165 ألف يتيم سوري

    ·منذ 10 أشهر 3 أسابيع
    وفق تصريحات لـ«القدس العربي» مجمل أعداد الأيتام في سوريا منذ 2011 وحتى 2022 ما يقارب 165 ألف يتيم سوري يعيشون حياة البؤساء . ما ذنب هؤلاء الايتام ان يعيشوا في الخيام بدون معيل ودون تعليم وبدون مأوى من اجل بقاء المجرم الخنزير بشار وزمرته في حكم سوريا ... ؟؟؟ 165 ألف طفل يتيم دمر مستقبلهم وحياتهم وشردهم في الخيام بشار المجرم وعصابته المجوسية ماعدا عشرات الملايين المشردين في اصقاع الأرض بين تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق والسودان .... هل من العقل والمنطق تدمير دولة بأكملها وتشريد شعب واجيال من اجل بقاء تاجر مخدرات مجرم كيماوي على كرسي الحكم ؟؟؟ اين الضمير والأخلاق والشرع والعدالة ؟؟؟ هؤلاء الايتام بذمة كل مؤيد لبقاء بشار وعصابته

    سوري مُشرد

    ·منذ 10 أشهر 3 أسابيع
    هذه حقيقة فالحكام العرب المستبدون الذين هرولوا للتطبيع من زعيم عصابة المخدرات تلك العصابة النصيرية الطائفية الإرهابية الإجرامية، هؤلاء الحكام يعومون على بحار من الثروات و التي حباهم الله بها فبدلاً من استخدام موارد هذه الثروات لتحسين مستوى معيشة المواطنين يصرفونها على ملذاتهم الشخصية و مظاهر البذخ و الترف ثم قرروا أخيراً و عن غباء مدقع إعطاء هذا المجرم السفاح بشار بعضاً من هذه الثروات لدرء خطر مخدراته و نحن الناس العاديين نعلم علم اليقين أن هذا المجرم بشار لن يوقف إرسال المخدرات لتلك الدول الخليجية لأن المخدرات أصبحت أخيراً باب رزق توفر أموالاً طائلة له و لعصابته في ظل العقوبات الإقتصادية عليه.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات