القبّار السوري.. 3 فوائد طبية سحرية ولقمة مغمّسة بالشوك للنازحين

القبّار السوري.. 3 فوائد طبية سحرية ولقمة مغمّسة بالشوك للنازحين

يوقظ أبو ياسر زوجته وأطفاله اليافعين في الصباح الباكر من كل يوم، وقبل أن ترسل الشمس أشعتها الذهبية على مخيمات الشمال، يركبون(طريزنتهم) العنابية ذات الدواليب الثلاثة، متوجهين إلى طريق حارم- سلقين لقطاف الشفلح تاركين خلفهم أطفالهم الصغار يغطون في أحلامهم داخل خيمتهم، يمضون معظم يومهم في قطف ثمار الشفلّح الناعمة من بين الأشواك وتحت أشعة الشمس اللاهبة على أمل العودة آخر النهار وفي كيسهما كمية من الشفلح، بغية تأمين لقمة الخبز وبعض الحاجات الضرورية لأطفالهم.

يقول المهجر من بلدة كفرومة في ريف المعرة الغربي إلى مخيم الضياء القريب من مدينة كللي جنوب سرمدا، لأورينت.نت:(حُواش) الشفلح كان عملنا الأساسي قبل أن ننزح من بلادنا بفعل قصف طيران روسيا ومليشيا أسد، كنا نتجمّع في ورشات ونذهب إلى ريف حماة الغربي وجبل شحشبو طيلة فصل الصيف.

 وتابع أبو ياسر "كنا نحصل من خلال جني ثمار الشفلح على خرجيّة الصيف في تلك الأيام ونُصمّد منها للشتاء، أكثر أبناء مناطقنا كانوا يعتمدون على قطاف الشفلح، ذلك لأن موسم الشفلح في فصل الصيف، حيث يشارك في العمل معظم أفراد الأسرة لأن المدارس تغلق أبوابها".

وأضاف أبو ياسر أنهم تابعوا عملهم في جمع ثمار الشفلح بعد النزوح رغم ضيق المساحات الباقية والتي تنبت فيها شجيرات الشفلح وكثرة الأيدي الباحثة عنه في ظل الكثافة السكانية الهائلة المتجمعة في مناطق الشمال إثر عمليات التهجير الأخيرة، وأن العامل النشيط يجمع ما يزيد عن واحد كيلوغرام والذي يعدل مئة ليرة تركية.

تتوزع شجيرات الشفلح الخضراء ما بين الجبال وأطراف الشوارع وحول أشجار الزيتون وتكثر حول مناطق غرب إدلب من منطقة عرب سعيد إلى شمال حارم مروراً بكفر تخاريم وملّس وصولاً إلى عزمارين.

ما هو الشفلح؟ وما هي فوائده؟

الشفلح نبات بري تنضج ثماره في فصل الصيف، ويباع إلى أوروبا عن طريق تركيا ليستخدم في تصنيع الأدوية، كما إنه دخل حديثًا في تصنيع المقبلات الغذائية والمخللات، حسب ما أفادنا المختصون في الشأن الزراعي، كما يدخل الشفلح في تركيب المستحضرات التجميلية، كما يقول أهل الاختصاص.

وأهم ثلاثة فوائد طبيه للشفلح أنه يخفض نسبة السكر في الدم عند مرضى السكري، ويستفاد من جذوره وأوراقه الغضة في علاج الديسك والانزلاق الغضروفي، وعلاج الروماتيزم وآلام الرقبة والظهر، وأمور طبية أخرى كثيرة، كما يمكن الإستفادة من أزهاره كمرعى للنحل لإنتاج العسل الطبيعي ويستخدم في صناعة المنكهات التي تضيف نكهة مستحبة للطعام.

أماكن انتشار محدودة وعوائق خطرة لقاطفيها

وفي لقاء مع أورينت نت تحدث المهندس الزراعي مضر القدور عن أماكن انتشار نبتة الشفلح وبدايات موسمه، حيث أفاد أنها نبتة يختص بها حوض المتوسط، وتنمو شجيراتها التي يصل طولها إلى متر في المناطق الجبلية الوعرة والتي تغطيها أشعة الشمس على الدوام.

وأضاف المهندس الزراعي "تغطي الأشواك القاسية حباتها ذات الأزهار البيضاء، والتي لا تدوم سوى 16 ساعة، وبإمكان كل شجيرة إعادة تقديم الثمار كل عشرة أيام بعد قطافها، وتبدأ عمليات قطاف الشفلح في بداية أشهر الصيف وتستمر حتى أواخر الشهر التاسع".

 ومن الصعوبات التي يعانيها العاملون في قطاف الشفلح، منها الأشواك التي يحملها هذا النبات على اعتبار أنه نبات شوكي ويتسبب بالخدوش والجروح، كما إن شجيرات الشفلح تكون مأوى للأفاعي والثعابين والتي تشكل خطورة على حياة الأطفال، ناهيك عن بعد المسافة التي يتوجب علينا قطعها كل يوم لنصل إلى مكان انتشار الشفلح.

وتعد عملية قطاف الشفلح شاقّة وتستمر لساعات طويلة بغية الحصول على كميات قليلة من ثماره والتي تباع بأسعار زهيدة لدى تجاره الموزعين في مناطق الشمال والذين يشتكون بدورهم من أنّ عمليات التصدير غير منتظمة وأسعاره متذبذبة تتغير باستمرار تبعاً لأسعار صرف الليرة التركية، ومع ذلك يقول التجار إن الشفلح يؤمن دخلاً مقبولاً لشريحة واسعة من أهالي المخيمات.

رغم المخاطر.. الأطفال يعملون في قطاف الشفلح

وينتشر الأطفال على جوانب الطرق الجبلية في الشمال السوري يحملون أكياسهم الملونة، وهم منهمكون في قطف ثمار الشفلح لبيعها في المساء لمراكز مختصة بشراء هذه الثمار والذين يقومون بدورهم بوضعها في براميل بلاستيكة زرقاء بعد إضافة الماء والملح إليها وتخزينها ريثما يحين وقت البيع.

والتقى موقع أورينت مع أحد الأطفال على طريق حارم أثناء قطاف الشفلح "يدعى "محمود 1 ويبلغ من العمر 12 عاماً، قال إنه خلال فترة الصيف يعمل في قطاف الشفلح، حيث ينتقل من المخيم مع مجموعة كبيرة من الأطفال إلى جبل حارم لقطاف الشفلح مصطحبين معهم زواداتهم ليعودوا في المساء يقول محمود معلقاً على عمله “يمكننا تأمين ثمن الخضار والخبز لأهلنا من هذا العمل".

عائلات سورية تلقط "رزقها" من بيع الشفلح

 أما أم حسن فهي تسكن أحد مخيمات سرمدا، تختار وقت الظهيرة عندما تشتد الحرارة وتَخفّ الرِجل موعدًا للخروج إلى البراري مع عدد من صويحباتها، ينتقلن بسيارات الأجرة إلى منطقة كفرحوم قرب سلقين حيث تكثر شجيرات الشفلح، لتقطف تلك الحبات الخضراء وتضعها ممزوجة بالدم في كيس صغير، بعد توقف زوجها المريض بالديسك عن العمل  وتحتاج لتأمين مصروف لابنها المشلول.

وتقول أم حسن لأورينت نت" ثمن الشفلح الذي أحصل عليه وقبل أن يدخل جيبي أدفعه ثمنا لبضع حفوضات لابني (المُقعد) وتضيف وهي تمشط شعره بعد أن تنهي حملة تنظيفه وإطعامه: (ضحكة حمودي بتسوى الدنيا)!

وظهرت في مدن الشمال مؤخراً مراكز لفرز وتنقية ثمار الشفلح، حيث تتوجه ورشات النسوة من المخيمات في الصباح إلى تلك المراكز الموجودة في مدينة سرمدا وتعود مساءً، يبدأ العمل في تلك المراكز في السابعة صباحًا حتى الساعة الثالثة ظهراً، مقابل ستين ليرة تركية يُدفع منها أجرة السيارة التي تنقل الورشة إلى المركز، تقول أم محمود المرأة الخمسينية والعاملة في تلك الورشات إنّ الجلوس الطويل سبب لها آلام الظهر التي لا تطاق ولكن الفقر والغلاء لا يرحم. 

يُشرِع نبات الشفلح أبوابه هذه الأيام استعداداً لاستقبال المهجّرين، يشاركهم عبر أزهاره الحمراء القانية رحلة البحث عن لقمة عيش كريمة وإن كانت مغموسة بالدم، على أمل أن يحمل لهم الموسم الجديد بشائر الخير والفرج.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات