القضية السورية بين الانتخابات التركية ومسار آستانا

القضية السورية بين الانتخابات التركية ومسار آستانا


الانتخابات التركية الرئاسية التي ستبدأ جولتها الثانية غداً، ليست سهلة ولا نتائجها مضمونة، خاصة أن المواجهة الانتخابية بين المرشحين وأرقام استطلاعات الرأي لا تنذر بفوز سهل لأحد، لا سيما مع سعي الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان للبقاء في أعلى هرم السلطة وتحقيق الفوز على منافسه، فخروجه من الحكم يعني عدم تحقيق رؤيته لبلاده التي عمل عليها طوال عقدين من الزمن، أزاح فيها كل من سعى لتقويض مشروعه أو نفوذه.

السياسة الخارجية للرئيس الحالي ومنافسه من المعارضة التركية وتفضيلات الفاعلين الدوليين والإقليميين بالساحة السورية روسيا وإيران وباستثناء الولايات المتحدة التي أعلن رئيسها، جو بايدن، منذ وقت بعيد سعيه للإطاحة بأردوغان، بينما الأوروبيون متذبذبون حيال دعم مرشح المعارضة، كمال كيليتشدار أوغلو، خشية إقدامه على تنفيذ وعده بإعادة اللاجئين السوريين، الذين يبحثون عن طريق للوصول إلى أوروبا، فيما روسيا وإيران تدعمان بقاء الرئيس أردوغان، لأن نجاحه واستمراره في السلطة يخدم مصالحهم في سوريا.

فتشابك المصالح بين روسيا وتركيا وإيران، أسفر وقبل أيام من موعد الانتخابات عن تدشين المفاعل النووي قرب مرسين، وبدعم روسي وأثنى عليه بوتين كمشروع شراكة رائد، ومثل هذا الدعم، أنجز عقد لقاء على مستوى وزراء خارجية روسيا وإيران وسوريا وتركيا في موسكو، قبل أيام من انتخابات الرئاسة.

علاقة أردوغان مع روسيا وإيران كانت مدفوعة بمقتضيات جيوسياسية وأستياء مشترك من الغرب وتكونت تلك المصالح فيما بينهما عبر عملية آستانا والتي أدت إلى تهميش عملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة وأعادت رسم خرائط السيطرة على الجغرافيا السورية، وأدت لتعبيد طريق التطبيع بين أنقرة ودمشق، وقد وضعت موسكو نفسها كحارس لهذه العملية وعراب التسويات السياسية في سوريا.

فروسيا وإيران تعملان على معالجة مخاوف وهواجس تركيا بسبب وجود ميليشيات قسد والعمل على دمج قواتها مع جيش نظام الأسد، وكذلك تريد روسيا وإيران استمرار التباعد بين أردوغان والغرب والاقتراب والانخراط في المشروع الأوراسي وبناء منظومة تحالفات ومصالح اقتصادية وسياسية جديدة تمتدّ حتى الصين، وتمنح مظلّة للمصالح التركية الجديدة خاصة أن أردوغان عمل على الحد من فعالية الدور التركي في إطار حلف الناتو إلى أدنى مستوياته.

فجولات آستانا التي ترعاها روسيا وإيران وتركيا تحولت إلى منصة لصياغة التفاهمات والاتفاقات بين نظام الأسد والمعارضة السورية، ودفعت تلك الدول إلى الالتقاء للبحث عن حل سياسي تحت رعاية العراب الروسي، وهذا ما دفع بروسيا وإيران إلى بذل أقصى الجهود لتحويل مسار العلاقة السورية التركية، من القطيعة إلى المصالحة.

وتقتضي وجود حل سياسي يستبعد الدورين الأميركي والأوروبي، وتحقيق القرار 2254 وفقاً للرؤية الروسية، بما يحافظ على التموضع العسكري لروسيا وإيران وتركيا على الجغرافيا السورية.

بدورها إيران تنظر إلى تطبيع الأنظمة العربية نظام مع الأسد من زاوية مختلفة، وهي تعتبر هذه العودة فرصة لها، فهي لا تشعر بخوف كبير من جراء هذه العودة، بحكم يقينها بأن الأسد لا يمكنه أن يضحي بعلاقته معها، وهي تمثّل أقوى ورقة قوة، لا يمكن أن يفرط بها، والتي بسببها حقق انتصارات عديدة واستعاد مناطق واسعة خرجت عن سيطرته، إضافة إلى ارتفاع مستوى شراكته الاستراتيجية مع روسيا الموجودة قواتها بجانب الميليشيات الإيرانية في سوريا.

وما جرى في آستانا وعبر جولاتها المتعددة من خلال الحوار بين نظام الأسد والمعارضة السورية التي آمنت بهذا الخيار ونتج عنه هيئة تفاوض ولجنة دستورية، وقامت فيه أنقرة وموسكو وطهران بتأدية دور المِظلة الراعية لنجاح اجتماعات آستانا ، وتقديم ضمانات النجاح، ونظام الأسد وجد من خلال آستانا التي يرعاها حلفاؤه الروس و الإيرانيون أتاح له هامشاً أكبر لاستعادة دوره الإقليمي متماهياً مع ما يقوله الرعاة الثلاثة لوحدة أراضي الدولة السورية.

مؤخراً شاهد الجميع مصافحة بين وزير خارجية تركيا ونظيره لدى الأسد في موسكو وذلك في مسار عودة العلاقات بين البلدين، وهذا دليل وجود تغير جذري في السياسية التركية تجاه نظام الأسد، خاصة في الشق السياسي، وأن مسار استعادة العلاقات سيشهد لقاءات قادمة، ويشير تكليف الوزراء لنوابهم لإعداد خريطة طريق عن وجود أكثر من مسار سوف يتم فتحها ومناقشتها وصيغ التعامل معها بما فيها "الجماعات المسلحة" وعودة اللاجئين.

فمسار التطبيع العربي مع نظام الأسد الذي أثمر عودته للجامعة العربية، زاد من دافعية تركيا لإعادة العلاقة مع الأسد لتحقيق مصالحها وأمنها القومي على حدودها الجنوبية وإبعاد خطر ميليشيات قسد عنها، وإدراك تركيا لفشل المعارضة السورية التي تسيدت الثورة وتخلت من مبادئها، أسهمت بشكل كبير بعودة علاقات الأنظمة العربية والإقليمية مع نظام الأسد فالدول وفي سبيل مصالحها تتخلى عن الخصم الضعيف مع تعقد الصراع، فالبنى السياسية الهشة تصبح حملاً زائداً ويسهل التخلي عنها، والتخلي يتناسب طرداً مع درجة التبعية.

بعد 12 عاماً لم تدرك المعارضة السورية أنه لا يوجد ثبات في السياسة، ولكن هناك مصالح متغيرة فثوابت السياسة هي تغير المصالح..!

تركيا سواء فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات أم خسرها، ستمضي في مسار آستانا، لأن المرحلة التي كانت تعول عليها في الربيع العربي طمعاً وتحالفاً مع المعارضات الهشة قد تبدلت كثيراً.

    

التعليقات (2)

    نهى نهى

    ·منذ 10 أشهر 4 أسابيع
    إيران والنظام النصيري يعملون بروح الطائفية وإقصاء السنة من سورية. تركيا تعمل بمصالحها ولا تكترث لخطر زوال السنة من سورية وتهديد العمق السني لها في سورية

    نهى نهى

    ·منذ 10 أشهر 4 أسابيع
    إيران والنظام النصيري يعملون بروح الطائفية وإقصاء السنة من سورية. تركيا تعمل بمصالحها ولا تكترث لخطر زوال السنة من سورية وتهديد العمق السني لها في سورية
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات