صراع الانتخابات التركية.. لماذا عجزت مبررات المعارضة عن طمأنة السوريين وإقناعهم؟

صراع الانتخابات التركية.. لماذا عجزت مبررات المعارضة عن طمأنة السوريين وإقناعهم؟

بينما يبدو الصراع الانتخابي التركي مركزاً على (نظام الحكم السياسي) الذي يسعى إليه كل طرف، تؤكد كثير من المعطيات أن جوهر هذا الصراع هو على توجهات تركيا وتموضعها في ظل تفجر المواجهة مجدداً بين الشرق والغرب.

ورغم أن تنافس الطرفين في الظاهر هو من أجل الحفاظ على النظام (الرئاسي) كما تريد أحزاب تحالف الجمهور الذي يقوده حزب العدالة والتنمية، مقابل العودة للنظام (البرلماني) الذي يسعى إليه تحالف الأمة بقيادة حزب الشعب الجمهوري، إلا أنه في الجوهر يتنازع الفريقان على مستقبل تركيا الجيوإستراتيجي، بين الغرب (الأطلسي) والشرق الروسي- الصيني، أو ما يمكن أن يطلق عليه بـ"الأوراسية الجديدة".

شرقية أم غربية؟

وعليه فإنّ كل الملفات التي تبدو محل تنافس واستقطاب بين التحالفين المسيطرين حالياً، لا تعدو أن تكون أوراق لعب، يسعى كل منهما للاستفادة منها من أجل حسم المعركة الحقيقية.. معركة تحديد تموضع تركيا المستقبلي بين المعسكرين الشرقي والغربي، حسب تأكيدات العديد من السياسيين والباحثين الأتراك وغير الأتراك.

لكن حسم هذه المعركة يتطلب بالدرجة الأولى اليوم، من وجهة نظر المعارضة طبعاً، الفوز بالانتخابات الرئاسية التي ستجري جولتها الثانية يوم الأحد ٢٨/٥/٢٠٢٣، لأن فوز الرئيس رجب طيب أردوغان فيها "يعني ذهاب تركيا بشكل نهائي باتجاه الكتلة الشرقية الصاعدة، وهو خيار خاطئ" يشبه من وجهة نظر المعارضة اليوم، اصطفاف تركيا مع دول المحور التي خسرت الحرب العالمية الأولى، ما أدى إلى سقوط الإمبراطورية العثمانية وتفككها بشكل نهائي عام ١٩١٨.

ولذلك، فإن سردية تحالف الأمة التي يحاول بعض أعضائه إيصالها للسوريين بشكل أو بآخر، هو أن مجاراة الرأي العام التركي فيما يتعلق بقضية الأجانب والهجرة واللاجئين هي مجاراة تكتيكية، وأن التحالف مع بعض الأحزاب القومية المتشددة هو تحالف اضطراري، الهدف منه تعزيز أوراق المواجهة مع الطرف الآخر، من أجل الوصول إلى الهدف الجوهري، الذي سيكون تحقيقه في صالح السوريين، كما يُستَشف من خطاب هؤلاء.

لكن كيف؟

كيف يمكن أن يكون انتصار رئيس حزب الشعب "كمال كليتشدار أوغلو" بمنصب الرئاسة في صالح السوريين، وهو الذي لا يترك فرصة أو مناسبة، منذ سنوات وليس الآن فقط، إلا ويتوعد بإعادة اللاجئين على الاراضي التركية، واستأناف العلاقات مع نظام ميليشيا أسد والتعاون معه ضد المعارضة؟

أليس هو صاحب العبارة الشهيرة التي يكررها باستمرار والتي تقول: سنعيد السوريين إلى بلادهم بالطبل والزمر؟!

سؤال كبير يمكن لأي سوري موجود على الأراضي التركية أو في شمال سوريا أن يطرحه على أحزاب وقادة تحالف الأمة وهم يقولون إن فوز زعيمهم سيكون بصالحهم!

تقول سردية هذا التحالف في الرد على هذه المفارقة، إن قضية الوجود السوري في تركيا لا تعتبر بالنسبة لغالبية أحزابه قضية مركزية في الصراع السياسي الداخلي، ورغم وجود قوى وشخصيات تركز عليها بقوة، إلا أن جميعها يريد أن تُحلَ من خلال القانون التركي والدولي، وهو أمر إن حدث فلن تترتب عليه أي مخاطر أو تداعيات سلبية بحق اللاجئين، على عكس ما يريد ويتصرف الطرف الآخر بالفعل.

 وبهذا الصدد يذكر هؤلاء بالمحددات الأربعة التي وضعها حزب أحمد داود أوغلو أمام الطاولة السداسية فيما يتعلق بقضية اللاجئين، السوريين منهم على وجه الخصوص، حيث تبنّى تحالف الجمهور هذه المحددات لحل المسألة، وهي:

١-معاهدة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

٢-المعاهدة الأوربية لحقوق الإنسان.

٣-الدستور التركي.

٤-قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالحل في سوريا ومنها ٢٢٥٤.

ومرة أخرى يبدو في الطرح مفارقة يستدعي طرح سؤال (الكيف) مرة أخرى.. كيف يمكن الوثوق بهذا التبني بينما يبدو خطاب بعض قادة الطاولة السداسية شديد العداء للاجئين، خاصة بعد أن انضم إليهم رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ يوم الخميس، وهو العدو الأشرس لهذه الفئة بتركيا على الإطلاق؟!

الجواب الذي تتقاطع تصريحات بعض القائمين على هذا التحالف أو المقربين منه أو الداعمين له، تصب جميعها تقريباً في خانة التأكيد على أن أفضل طريقة لاحتواء هؤلاء المتشددين في موقفهم ضد السوريين بشكل خاص، والأجانب بشكل عام، هي في استقطابهم وإلزامهم بنهج تحالف الجمهور وتوافقاته وخياراته لمعالجة هذه المسألة، بدل تركهم يحرضون على اللاجئ دون أي ضابط أو رادع، كما فعل حزب العدالة والتنمية الحاكم عندما تركهم يسرحون ويمرحون ويحرضون طيلة السنوات الماضية.

ويضيف هؤلاء: بهذه الطريقة يتم عزل المتطرفين أيضاً عن تحالف المحافظين والقوميين الذي يقوده الحزب الحاكم حالياً، والذي يمثل اليوم الإطار الجامع لـ"الأوراسيين الأتراك الجدد" الذين إذا ما تعزز فوز هذا التحالف بالرئاسة، بعد تمكنه من حسم انتخابات البرلمان، فسيمضون بشكل كامل ونهائي بركاب المعسكر الشرقي (روسيا، الصين وإيران) وبالتالي تنفيذ أجندات هذا المعسكر فيما يخص الملف السوري، وعلى رأس هذه الأجندات إعادة اللاجئين السوريين رغم عنهم وبما يخالف كل القوانين والأعراف الدولية، لأنه لن يكون هناك وقتها من بإمكانه وقف هذا الترحيل من تركيا، والذي سيتم بالتزامن مع إعادة اللاجئين السوريين بالطريقة نفسها من لبنان، وربما الأردن كذلك.

أما سياسياً، فلا يحتاج الأمر من وجهة نظر هؤلاء إلى أي شرح لإظهار أن اصطفاف تركيا مع المعسكر الشرقي ضد الغرب يعني انتصاراً كبيراً لنظام بشار أسد، على عكس ما سيحصل إذا ما فاز مرشح تحالف الجمهور يوم الأحد، والذي لا يخفي توجهاته الأطلسية.

تناقضات

لكن هذا الخطاب، على ما فيه من ملاحظات محقة بالنسبة للتعقيدات الداخلية التركية، وهذه ليست محل بحث في هذا المقام، فإنه يبدو مليئاً بالتناقضات بما يتعلق بالملف السوري، وأبرز هذه التناقضات هي "كيف يمكن أن يكون تحالف الجمهور مع المعسكر الغربي المناهض لنظام ميليشيا أسد، وفي الوقت نفسه يبدي العديد من أركانه تأييدهم لرأس هذا النظام، بل وحبهم الشخصي له، ناهيك طبعاً عن رغبتهم القطعية بإعادة العلاقة التركية معه فور تسلمهم السلطة"؟!

سؤال آخر محرج جداً لتحالف الأمة، أو على الأقل لحزبي (المستقبل) بقيادة أحمد داود أوغلو، و(الديمقراطية والتقدم) بقيادة علي باباجان، المنشقين عن حزب العدالة والتنمية، بالإضافة طبعاً إلى اثنين من الأحزاب الكبيرة الداعمة لهذا التحالف، وهما حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الخضر الذين يدينان نظام الكبتاغون في خطابهما.

لكن الإجابة عنه ورغم تمايزها من حزب لحزب، إلا أنها تبقى في إطار التأكيد على أن منع أي حزب، وكذلك تحجيم وتحديد صلاحيات الرئيس من خلال مجلس نواب الرئيس المتفق عليه إلى حين العودة للنظام البرلماني، هو الضامن القوي لعدم فرض هذه الأجندة الخاصة ببشار أسد ونظامه.

بل إنّ هؤلاء لا يخفون وجود تيارات وأجنحة متصارعة داخل حزب الشعب نفسه حول الموقف من اللاجئين ومن نظام بشار، كما هو الحال من قضية تموضع تركيا وتوجهاتها الجيوسياسية بين الشرق والغرب، مؤكدين أن رئيس الحزب هو مرشح توافقي وليس "مرشح رمز" كما هو حال أردوغان، وبالتالي لا يشكل فوزه تهديداً لأي طرف أو توجه، بل سيعزز الحوار والتوافقات، بدل تعزيز المخاوف من حكم الرجل الواحد والحزب الواحد والتيار الواحد الذي أخذ بتعزيز هيمنته على مؤسسات الدولة منذ عام ٢٠١٦، كما يؤكدون.

لكن هذه الإجابة لا تبدو مطمئنة كفاية للسوريين هي الأخرى كي يتمنوا فوز كمال كليتشدار أوغلو بمنصب الرئاسة، وهم الذين يعتقدون أنه لولا خطاب هذا المرشح وحزبه،ومعظم حلفائه المعادي لهم، لما وجدوا أنفسهم في هذا الموقف الحرج، الذي باتوا يعتقدون معه أن أي فوز للمعارضة يعني ترحيلاً جماعياً لهم (ترانسفير) في اليوم التالي إلى سوريا، واعتداءات بالجملة سيتعرضون لها في الشوارع والأسواق!

بل ربما يزيد الجزء الثاني من هذه الإجابة، والمتعلق بالانقسامات والتباينات داخل تحالف الجمهور، ولدى بعض أحزابه أيضاً، قلق السوريين أكثر، فهم لا تعنيهم بالنهاية كل هذه الحسابات حالياً، باستثناء طبعاً العلاقة مع نظام ميليشيا أسد.

بين المضطر والراغب

وفي هذه النقطة، يعتقد السوريون المعارضون والثوار، أن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان كانت مضطرة، بسبب ظروف وتطورات مختلفة، على الاستدارة التي حدثت نحو نظام أسد، وهي ليست جادة بها وستتوقف عن المضي قدماً فيها بعد الانتخابات، بينما يندفع المتحمسون من المعارضة التركية للتعاون مع هذا النظام من باب الهوى والاعجاب، بل وأحياناً على أساس إيديولوجي، والفرق هنا كبير بالنسبة لهم بين المضطر والراغب.

وبالإضافة إلى ما سبق، تبقى نقطة مهمة لا بد من التوقف عندها فيما يتعلق بنجاح خطاب تحالف أردوغان بالتأثير محلياً وفي المحيط العربي، وهو التأكيد على أن الصراع بين المعسكرين في حقيقته هو صراع على الهوية التركية، بين من يريد إعادتها مجدداً إلى المعسكر الغربي (العلماني المعادي للإسلام وقيمه)، وبين من يريد تعزيز دمج تركيا في محيطها الاسلامي، ليس فقط عربياً حيث تواجه المسألة إشكالات، بل وكذلك في آسيا الوسطى والقوقاز، الأمر الذي يزيد من تعاطف السوريين (وهم بالمجمل من المحافظين) مع التحالف الحاكم.

ورغم أن المعارضة تصرّ أن في هذا تضليلاً كبيراً، لكن حتى هذه الجزئية على أهميتها، تتراجع بالنسبة للسوري على قائمة الأولويات، لصالح الخطر الوجودي الذي يشعرون به بسبب الانتخابات الحالية التي ضغطت عليهم كما لم يحدث من قبل على مدار اشهر، الأمر الذي يجب أن يجعل المعارضة تواجه مشكلة الخطاب لديها بالمجمل، وتدرك لماذا يؤيد السوريون منافسها رغم كل شيء!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات