النظام السوري والنظام العالمي متعدد الأقطاب

النظام السوري والنظام العالمي متعدد الأقطاب

لو قُدِّر لك أن تجالس مواطناً سورياً بسيطاً يقطن في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري؛ لا شك أنك ستسمع منه حديثاً حول النظام العالمي متعدد الأقطاب الآخذ بالتشكل.

هكذا هو النظام السوري عندما يروج لفكرة أو مقولة يحولها إلى ما يشبه أغنية رائجة يرددها الجميع؛ سواء فهم معنى كلماتها أم لم يفهم، المهم هو الطاعة والانصياع والمطاوعة، والإيحاءات النفسية التي تجسدها تلك المقولة.

ويلاحظ بشكل عام أن معظم الذين يستخدمون مصطلح "النظام العالمي" لا يعلمون مدلولات هذا المصطلح، رغم أن الإسهاب في تفسير هذا المصطلح وأصوله وأبعاده وتطوراته يحتاج إلى بحث مطول، إلا أن الفكرة يمكن التعبير عنها بتبسيط شديد من خلال تشبيه النظام العالمي بالنظام الذي تسير به الحياة العامة في قرية من قرى الريف السوري.

في هذه القرية إن وجدت عائلة واحدة هي الأكبر والأقوى بفارق جيد عن باقي العوائل يمنحها إمكانية الهيمنة على أغلب القرارات والإجراءات المهمة في القرية، وما يرافق ذلك من إمكانية التأثير الثقافي والقيمي نكون أمام نظام أحادي القطبية.

أما عندما يوجد في القرية عائلتان كبيرتان متوازنتان في القوة والنفوذ وتسبح في فلك كل منهما بعض العوائل الصغيرة يسمى هذا النظام ثنائي القطبية.

والحال كذلك؛ عندما تكون العوائل القوية المتنفذة أكثر من اثنتين نكون أمام نظام عالمي متعدد الأقطاب، وبكل تأكيد ليس هذا التصنيف نهائياً، إذ يمكن أن تكون هناك بعض الحالات فيها مزيج من ذلك؛ كأن تكون هناك قوتان كبيرتان مع وجود قوة ثالثة أقل قوة منهما لكنها تستطيع أن تخلق لنفسها كياناً مستقلاً، وهكذا.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تحوّل النظام العالمي من نظام ثنائي القطبية إلى نظام أحادي القطبية تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، واستمر الوضع على هذا الحال إلى أن تورطت الولايات المتحدة بحربيها في كل من العراق وأفغانستان، وبحدود العام 2015، أو 2016 بدأت مظاهر الإعياء تظهر على الولايات المتحدة وبدأ كبار المنظرين السياسيين في العلاقات الدولية يتحدثون عن نظام عالمي جديد آخذ في التشكل، وتحدث كثيرون عما أسموه "الصعود الأوراسي" في إشارة إلى تصاعد قوة روسيا والصين، وصار الحديث عن مرحلة انتقالية أكثر حضوراً.

من خلال تسرعها بوضع النقاط على الحروف، خرجت روسيا من السباق مبكراً بعد أن تورطت في حربها على أوكرانيا التي تبين أنها غير محسوبة العواقب بدقة، فبغض النظر عن النهاية التي ستؤول إليها تلك الحرب، تحتاج روسيا لعقود من الزمن كي تستعيد عافيتها بعدما خسرت الكثير من موارد القوة لديها، والذي تزامن مع مراكمة المزيد من العقوبات الاقتصادية والسياسية الكافية لإضعاف أي دولة كانت.

واقعياً، لا فوارق كبيرة بين روسيا وأوكرانيا، فالحرب بين الدولتين أصبحت تبدو وكأنها حرب بالوكالة، أوكرانيا تحارب نيابة عن الغرب، وروسيا تحارب نيابة عن الصين رغم أنها ليست من دفعها لهذه الحرب، إلا أن النتيجة تجعل الأمر يبدو هكذا، إذ لم يعد ينظر إلى روسيا اليوم سوى أنها دولة ضعيفة تمتلك السلاح النووي، أو هي مجرد محطة محروقات كما يصفها بعض الأمريكيين.

لم يسمح التسرع الروسي للمرحلة الانتقالية أن تأخذ مداها لتعبر عن انتقال القوة في الوقت المناسب، وبالتالي أدت الحرب الأوكرانية إلى خلط الأوراق، فبعد الحديث عن نظام دولي متعدد الأقطاب أصبحت الأمور تتخذ منحى آخر؛ ففي أحسن الأحوال للأنظمة التي تمني النفس بانحسار الهيمنة الأمريكية، يمكن الحديث عن نظام دولي ثنائي القطبية، تتزعم الولايات المتحدة قطبه الأول، بينما تتزعم الصين قطبه الثاني.

هذا في حال تجرأت الصين على فك ارتباطها بالغرب الذي تشكل أسواقه العماد الحقيقي للاقتصاد الصيني، حيث النسبة الأكبر من صادرات الصين تتجه نحو أسواق الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تعد المستقبل الأول في العالم للصادرات الصينية.

الأرجح من ذلك أن نهاية الحرب الأوكرانية ستكرس تفوق الغرب وتعيد له بعض ما افتقده من هيبة؛ لأن روسيا خرجت من حلبة السباق تماماً، وهي في حربها على أوكرانيا أصبحت تبحث عن نصر وهمي يحفظ لها بعض ماء وجهها لتلتفت بعدها للملمة جراحها.

في المقابل، ترى الصين نفسها أنها ما زالت في مرحلة بناء القوة، وأن الوقت ما زال مبكراً لتحدي الغرب بشكل يجعل منها قطباً شرقياً شبيهاً بالاتحاد السوفييتي سابقاً في مواجهة الغرب، أضف إلى ذلك أن تفوق السلاح الغربي الذي بدا واضحاً خلال الحرب الأوكرانية لا بد أنه أرسل رسالة واضحة للقادة السياسيين في الصين.

رغم أن المرجح أن تكرس الحرب الأوكرانية تفوق الغرب، إلا أن الحديث هنا عن هيمنة أمريكية مطلقة أصبح مستبعداً، حيث يتوقع أن تبقى الولايات المتحدة متربعة على قمة هرم النظام الدولي مع اعتراف بدور إقليمي أكبر للقوى الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي والصين، أي، يمكننا في هذه الحالة أن نتحدث عن نظام دولي "أحادي القطب فيدرالي" إن صح التعبير.

لم نتمكن من العثور عن دور لسوريا أو للنظام السوري في تلك التحولات أو التغيرات والتعديلات التي يشهدها النظام الدولي سوى أن النظام السوري وأتباعه هم أكثر من يتحدث بهذا الشأن على مستوى العالم، ويبدو أن الأمر له علاقة بالأمنيات أو أنه نوع من الابتهال إلى الله بأن يجعل من روسيا أحد الأقطاب في نظام دولي متعدد الأقطاب كي تستمر الحماية.  

التعليقات (1)

    محب بلاد الشام

    ·منذ 10 أشهر 5 أيام
    1- من يستطيع أن يفرض عقوبات على الآخر هو القوي. 2-من يملك عملة احتياطيه هو القوي.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات