سوريا أم إيران في جدّة؟!!

سوريا أم إيران في جدّة؟!!

في المساء الذي أطلَّ فيه بشار الأسد من جدّة موافياً قمّة العرب الثانية والثلاثين، كنّا نتذكر كيف زوّدنا رئيس إيران إبراهيم رئيسي بإطلالةٍ مماثلة من دمشق مطلع الشهر الحالي، وكأنه كان يزور فيها المحافظة الإيرانية الثانية والثلاثين. كانت زيارةً مبهرة للغاية تقرص "السيادة" الوهمية للنظام السوري من خاصرتها، وتضحك، ربما من المصادفة التي صاغها بعجالة الرقمُ اثنان وثلاثون! 

فإيران التي وثبت بخفّة، وزحفت خلال الأعوام الماضية لتصير على تخوم الحدود الإسرائيلية السورية، باتت معنيةً بتحصين وجودها ذاك أكثر من السابق، وما الاتفاقيات التي أحضر رئيسي نصوصها معه كي يوقّعها بشار، سوى توثيق خطّي إضافي يمنح إيران رخصةً مفتوحة لاستثمار "السيادة الوطنية السورية" بدءاً من الفوسفات، وانتهاءً بمقامات العقيدة الشيعيّة، في السيدة زينب، والسيدة رقيّة، وربما في جامع بني أميّة الكبير. 

ثمن السيادة إيران!

قرابة خمس عشرة وثيقة تلك التي ضمنت من خلالها إيران الاستيلاء على ثروات طبيعية واستثمارات اقتصادية وخدمية وحتى دينية في بلد يسمّيه نظامه السياسي "بلد الصمود والتصدي" وأحياناً يسمّيه "بلد الممانعة" وتارةً ثالثة يعتبره "بلد القرار الحرّ والسيادة الوطنية"!! وكان ينبغي أن يظهر رئيس النظام السوري في استقبال إبراهيم رئيسي ولو ظهوراً خاطفاً، وكذلك فعل في التوقيع معه على نصوص بعض تلك الاتفاقيات، ثم اختفى، تاركاً لرئيس إيران كامل الحريّة في تفحّص الامتداد الجيوسياسي الإضافي لبلاده، والتنزّه بطلاقة بين السيدة زينب والسيدة رقيّة وبمفرده أيضاً، ثم الاجتماع برئيس حكومة النظام، وتلقينه كلَّ التوجيهات اللازمة.

ولعلّ رئيسي خلال زيارته لدمشق كان ينفّذ توصيات المرشد العام، وتوصيات الحرس الثوري الإيراني في تحصيل الثمن الذي أبقى بشار على كرسيّ الرئاسة إلى الآن، وفي الظهور العلنيّ كأنه هو بالفعل من يحكم مناطق سيطرة النظام، لا بشار وحاشيته البيروقراطيّة، ولعلّ ما تدفق من تلك الزيارة أيضاً بعضُ المقولات السياسية التي أراد نظام الخميني إيصالها إلى العرب قبل قمّتهم في جدّة، وبعضها يقول: إن أردتم التفاوض على سوريا فتفاوضوا معي أنا، وبعضها الآخر يقول: أنا من يمسك اقتصاد مناطق سيطرة النظام وثرواته وقراره السياسي، فمن شاء فليقبل، ومن اعترض فليُخرجني بالقوة من هناك إن استطاع.

فتكون سوريا بذلك هي أرض الميعاد وفق معتقدات التلمود الإيراني، وفي مقاربات هواجس التوسّع الشيعي في مرحلة ما بعد الخميني. فإيران تريد من سوريا، سوريا كلّها، لكنها تكتفي راهناً بولايتي دمشق وحلب، تتمسّك بهما كأنهما جزآن من الفردوس الشيعيّ الواجب إنشاؤه على الأرض. أما المناطق التي يحتلها النظام السوري من سوريا، والتي تسمّى "مناطق سيطرة النظام" فلها أن تقيس بيسرٍ معنى الانتقال من الغزو الإيراني للجغرافيا السوريّة التي يقطنون، إلى تجذير هذا الغزو، وتحوّله إلى احتلال حقيقي تعزّز من خلال كلّ أدوات التمكين التي بذلها أمامه نظام بشار، وبالتالي لا يمكن الخلاص من احتلال كهذا إلا بعمل عسكريّ خارجيّ واسع النطاق، قد يكون التجهيزُ له قائماً الآن، ومن بوابة الجنوب السوري، أما تنفيذه واقعياً فهو أمرٌ يأخذ الحسابات الدولية على محمل الجد، والمزاج المتغيّر للحسابات الإقليمية، وهذا ما تستطيع إسرائيل أن تحسمه بمفردها، وتختار له ساعة الصفر التي تشاء وبمفردها أيضاً.

نهاية الربيع في جدّة!

ببراعة فائقة استطاع رئيس إيران الحالي إبراهيم رئيسي الوصول إلى دمشق بعد مضيّ ثلاثة عشر عاماً على آخر زيارة قام بها رئيسٌ إيراني لسوريا، وكان حينها محمود أحمدي نجاد، وببراعة مماثلة استطاع أيضاً رئيس النظام السوري الوصول إلى قمة "جدّة" بعد مضيّ ثلاثة عشر عاماً على آخر قمة عربية حضرها، وكانت قمة "سرت" في ليبيا. ربما تكون هذي مصادفات الرقم ثلاثة عشر، وعلاقته الحميمة بمحور "الصمود والممانعة" ذائع الصيت؟! وفي المرتين تمّ حمل نعش الربيع العربي بخفّة وبلاغة غير مسبوقتين، مرة من طهران إلى دمشق، ومرّة من دمشق إلى جدّة. وقبل هذا كان قد انتهى بالفعل كرنفال شراء سوريا من قبل إيران على خير ما يرام، وعاد رئيسي إلى طهران متيقّناً أكثر من أي وقت مضى بأنّ إيران هي فكرة توسّعية  أكثر من كونها دولة وهذا ما تفوّقت به على إسرائيل نفسها، لذا يجب أن تحكم كلّ الدول التي حولها، وبعد هذا بقليل انتهى كرنفال التطبيع العربي مع النظام السوري، وعاد بشار إلى دمشق متيقّناً أكثر من أيّ وقت مضى بأنه خيرُ من يجب أن يحكم هذا العالم، فالفروقات بين الحدثين السياسيين تكاد أن تكون مستبعدة، حيث قايض بشار في الأول بقاءه في الحكم مقابل احتلال إيران لسوريا، وفي الثاني قايض العرب قبولهم ببقاء بشار في الحكم مقابل قبوله دعوة حضور قمّة "جدّة". ببساطة انتصر الكبتاغون!!                            

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات