مهلاً يا سيدي.. حلب ليست مدينة تركية

مهلاً يا سيدي.. حلب ليست مدينة تركية

صرّح يوم أول أمس السيد سليمان صويلو لمحطة TV100  التلفزيونية التركية في معرض رده حول قضية اللاجئين السوريين ومسألة ترحيلهم عن تركيا أن (معظم هؤلاء اللاجئين جاؤوا من حلب، وحلب هي ضمن حدود ميثاقنا الوطني .. أي إن هؤلاء هم شعبنا) (!)  

وبموجب هذا الميثاق الوطني ( الميثاق الملّي ) الصادر عام 1920 فإن مناطق واسعة من شمال سوريا والعراق وتشمل حلب والموصل أيضاً يعتبرها بعض الأتراك جزءاً من ممتلكاتهم السابقة وبالتالي هي جزء من طموح مستقبلي لاستعادتها (!) . 

حلب يعود تاريخها بحسب منظمة اليونسكو للبحوث التاريخية إلى 12.200 سنة قبل الميلاد وهي أقدم مدينة مأهولة بالتاريخ أي إن العمر التاريخي لحلب يبلغ الآن 14.223 سنة ( وهي تسبق أريحا الفلسطينية بــ 1600 سنة، وتسبق دمشق بـــــ   3000 سنة ) وهي بالتالي أكبر عمراً من الدولة العثمانية والدولة التركية الحديثة مجتمعتين بنحو عشرين مرة  (!) فكيف يكون ما هو قائم ومعلوم جزءاً مما هو معدوم؟؟!  وعندما جاءت قبائل ( الأوغوز ) التركمانية من وسط آسيا باتجاه الأناضول هرباً من الغزو المغولي كانت حلب من أهم مدن وحواضر المنطقة وعقدة التجارة الرئيسية على طريق الحرير، وهذا ماتشير إليه كل كتب التاريخ ويقرّ به المؤرّخون ومنهم مؤرخو الدولة العثمانية والدولة التركية الحديثة وحتى الدراما التركية التي صوّرت إرهاصات نشوء الدولة العثمانية في المسلسل الشهير "قيامة أرطغرل". 

حلب صارت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية وربما من أكبر ولاياتها بعد أن صارت معظم الأراضي العربية تحت سلطانها عقب تهاوي الدولة العباسية ومن ثم إنهاء حكم المماليك على يد السلطان سليم الأول الذي أخضع مناطق الشام كلها ومصر والحجاز والمغرب الأوسط، وصارت الرابطة الإسلامية هي الجامع لتلك الشعوب كافة تحت مسمى الخلافة الإسلامية وجمع السلطان العثماني صفة خليفة المسلمين إلى جانب كونه سلطاناً، وامتد الحال على ذلك حتى نهاية الحرب العالمية الأولى حيث فُرضت عام 1920 عقب هزيمة السلطنة في تلك الحرب معاهدة سيفر بشروطها المُذلّة التي رفضها مصطفى كمال أتاتورك وأطلق "حرب التحرير" واستعادة الأراضي التركية المحتلة من اليونانيين والحلفاء، وصولاً إلى معاهدة لوزان التي طوت صفحة معاهدة سيفر وأقرت نشوء الدولة التركية الحديثة بحدودها الحالية عام 1923، وبالتالي خرجت بموجب تلك المعاهدة مختلف الأراضي العربية عن سلطة الدولة التركية الناشئة وخضعت للانتدابين الفرنسي والبريطاني وفق تقسيمات اتفاقية سايكس – بيكو كما هو معلوم. 

إذاً منذ نشوء الدولة التركية الحديثة واتفاقية لوزان طُويت صفحة الميثاق الوطني (الميثاق الملّي) لعام 1920 والذي جعل حلب والموصل جزءاً من ممتلكات الدولة العثمانية، كما طُويت تماماً صفحة معاهدة سيفر، وصارت اتفاقية لوزان المُنشِئة للدولة التركية الحديثة هي أساس مشروعية نشوئها ووجودها، ولا يجوز بحال من الأحوال النكوص إلى الماضي من الوجهة القانونية.. أما من الناحية العاطفية فذلك شأن آخر لا يمكن لأحد مصادرته لأن الروابط التاريخية والمجتمعية بين الأتراك – وخصوصاً في ولايات الجنوب التركي كعنتاب ومرعش وأنطاكيا وأورفا وديار بكر- والسوريين في حلب وما كان يتبع لها من مدن، روابط عميقة لم تُنهِها سنوات طويلة من القطيعة وتوتر العلاقات في خمسينات القرن الماضي وما بعدها حتى جاءت موجات اللجوء السوري الأخيرة لتركيا لتُعيد إحياءها. 

لقد أغلقت اتفاقية أضنة المبرمة بين سوريا وتركيا عام 1998 آخر الثغرات في المشاكل الحدودية بين الدولتين، حيث اتفقت الدولتان في الملحق الثالث للاتفاقية على أنهما وبدءاً من تاريخ سريانها ( يعتبر الطرفان أن كافة الخلافات الحدودية بينهما منتهية، وأن أياً منهما ليس له أية مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر )، وبالفعل عقب ذلك تبدلت الخرائط في المناهج التعليمية السورية ووسائلها التعليمية ولم يعُد يظهر ( لواء إسكندرون) في تلك الخرائط كجزء من الأراضي السورية. 

والحقيقة أن هذا الملحق من اتفاقية أضنة بما تضمنه من نص صريح وواضح في العبارات والصياغة يطوي إلى الأبد أي حق أو زعم بحق لكلا الدولتين في أراضي الدولة الأخرى ومنها ليس فقط لواء إسكندرون وإنما أيضاً يطوي صفحة ( الميثاق الملّي ) أو الميثاق الوطني التركي والزعم بوجود حقوق تاريخية لتركيا في حلب والموصل وغيرهما.    

 وبالتالي فإن حديث السيد سليمان صويلو وزير الداخلية الأخير الذي أشرنا إليه في مطلع هذا المقال يمكن اعتباره إشارة إلى الحمولة العاطفية والروابط المجتمعية بين الشعبين أكثر مما يمكن الوقوف عنده من زاوية حمولته السياسية لأن أخذه إلى ذلك الجانب من شأنه أن يعيدنا مئة سنة إلى الوراء ويقوض كل المرتكزات والأسس القانونية التي نشأت عليها الدولة التركية نفسها، وهو ما لا أتصور أن يكون هدف هذا التصريح. 

 

التعليقات (10)

    أبو العبد الحلبي

    ·منذ 11 شهر 4 أيام
    حلب حالياً ((مدينة إيرانية)) قولاً واحداً . بعد خروج الثوار منها ، سيطرت مليشيات إيران عليها و حضر قاسم سليماني إليها لتتويج تحويلها إلى مدينة إيرانية من دون أن تعترض روسيا و أمريكا ، بل كان سليماني يمنع بشار من زيارتها . عندما ضرب الزلزال حلب ، كان أول صاحب منصب رفيع يزورها إسماعيل قآاني "رئيس الحرس الثوري الإيراني الحالي" ثم إن "سمعة" سمح لبشار بزيارتها فجاءها يوزَع ابتسامات و ضحكات بلهاء يميناً و شمالاً على حضور كان أغلبه "حريمات". أنا متأكد بنسبة لا تقل عن 95 % أن أهالي حلب الأصليين سيختارون أن تكون مدينتهم ((تركية )) و ليست ((إيرانية)) و ليست ((بشارية أو حافظية)) بعد أن تفككت سوريا الحبيبة و لم تعُدْ كما نعرفها و صعبٌ جداً أن تعود لأن أتباع الفرس استوطنوها و يريدون البفاء فيها إلى ما شاء الله . واحسرتاه على حلب و على كلَ سوريا ، و الله يفرجها .آمين .

    اليسر

    ·منذ 11 شهر 3 أيام
    رد جميل ولا نتمنى لسوريا ان تنقسم ولكن من الناحية السياسية والعاطفية يجب الأخذ بعين الاعتبار وحسب ردك أن النظام بقيادته أغلبهم ليسو سوريين الأصل لأنهم حديثي التوطين مقارنة بعمر حلب فعائلة الوحش لم يتجاوز وجودهم بضع مئات السنين فهم يعتبروا محتلين وتركيا لها الحق بهذ القول لان سوريا بالاصل دويلات ولم تكن دولة مستقلة

    أمير

    ·منذ 11 شهر 3 أيام
    جيد هذا الفرز (للحمولات) السياسية والعاطفية. لكن ما هي حمولة هذا المقال؟! الكاتب شد كثيرا على قلمه! كالفارس(التاجر) الذي يشد كثيرا على...

    مواطن مسلم سوري

    ·منذ 11 شهر 3 أيام
    كنت أتمنى من الأستاذ كاتب المقال أن يكون عنوان مقاله (مهلاً يا سيدي... حلب ليست مدينة إيرانية) من أجل معالجة واقع حقيقي قائم بعد أن صارت أغلب سوريا تحت سيطرة مليشيات إيرانية و تبجح بعض الفرس العنصريين بأن سوريا هي المُحافظة 35 لإيران . لتغليف إضفاء شرعية على الاحتلال الايراني ، رجع هؤلاء الفرس العنصريون - من أصل آري كما يزعمون - إلى ما يُسمى "الحق التاريخي" الذي اخترعه المجرم النازي هتلر الذي هو من أصل آري . ثم اهتموا بما يسمى مسجد النقطة " خزعبلة وجود نقطة من دم سيدنا الحسين رضي الله عنه في المكان" و أثاروا قصة الدولة الحمدانية مع أن المؤكد أنها كانت تحت حُكم من كانوا يعتنقون التشيع حين كان هذا مذهباً من مذاهب الإسلام و لم يضطهدوا أصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى . الموجود حالياً دين شيعي فارسي جديد - و ليس مذهب - اخترعه الخميني الهندي بإرشاد من الاستعمار الغربي الجديد ، و رأس الحربة فيه "تصدير الثورة" لسحق اليزيدين -أي المسلمين التابعين ليزيد ابن سيدنا معاوية رضي الله عنه مع أن هذه التبعية غير موجودة بتاتاً - ثأراً للحسين في مهزلة تتناقض مع قوله تعالى (و لا تزر وازرة وزر أخرى). ألم نرى بأعيننا مدى أحقاد مليشياتهم في كافة بلدات سوريا بما فيها حلب من خلال ممارسات إجرامية تحتاج لأبحاث عنها فضلاً عن توثيقها ؟. لن نختلف مع أخوتنا الأتراك حيث أن تركيا لا مطامع لها في سوريا و قول الوزير صويلو هو في إطار الانتخابات فقط لا غير .

    Ameer

    ·منذ 11 شهر يومين
    مع الفتح العثماني في القرن العاشر للهجرة، تداخلت الأجناس والأعراق في المجتمعات الإسلامية، الأمر الذي انعكس على حلب التي أصبحت خلال الحكم العثماني ولاية كبيرة تصل من الغرب إلى البحر المتوسّط عبر خليج الإسكندرونة، وإلى ولاية ديار بكر من المشرق، ولواء حماه من الجنوب، وولاية سيواس من الشمال في الأناضول، بحيث أصبحت ثغرًا إسلاميًا مهمًّا، وتلي القسطنطينية وسالونيك مرتبةً وكبرًا فإذا استعادت تركيا حلب ستعمرها بعكس الفرس الذين دمروا الحجر والبشر أتمنى أن تستعيد تركيا حلب وتنقذها من حكم الجهلة

    اللهم عليك بالظالمين

    ·منذ 11 شهر يومين
    حلب مدينة عربية اسلامية سورية وواحدة من أقدم المدن بالعالم ولانرضى أن تكون فارسية إطلاقا وسيخرج الفرس المجوس منها إن عاجلا أم آجلا وسنطهر سورية من رجسهم وقذارتهم

    سامي

    ·منذ 11 شهر يومين
    نعمل استفتاء لسكان لمحافظة حلب...هل تؤيد الانضمام الى الدولة التركية؟ ماذا تتوقع النتيجة؟

    أبو العبد الحلبي

    ·منذ 11 شهر يومين
    أخي سامي : أؤيد أن يكون استفتاء لكن ستمنعه أمريكا قبل إيران و روسيا . كبار السن - و أنا منهم - نتذكر أنه عندما كان حافظ يحتضن عبد الله أوجلان و جماعته الارهابية الذين آذوا تركيا ، قامت تركيا بالتهديد باجتياح سوريا عسكريا ًوصولاً إلى دمشق في عهد الرئيس التركي سليمان ديميرل ورئيس الوزراء مسعود يلماز فتوسطت مصر و إيران وحصلت مفاوضات أدَت إلى اتفاقية أضنة في 20 تشرين أول 1998. كانت تعليمات حافظ لمندوبه في التفاوض "أعطيهم -أي الأتراك- اللي بيطلوبوه" . بالمقابل ، كانت غالبية أهل حلب و غيرها من مدن سوريا تتمنى لو ديميريل و يلماز يجعلون جيشهم يجتاح حتى ينتهي كابوس آل الأسد ، و لو دخل الجيش لنثر عليه الناس الورود حينها . مليشيا بشار و مليشيات المجوس و جيش الروس التيوس كابوسهم أسوأ من كابوس حافظ ، و بالتالي جواب الاستفتاء شبه واضح سلفاً .

    سالم

    ·منذ 11 شهر يوم
    كنا نحن وتركيا بلد واحد وشعب واحد 5 قرون في الدولة العثمانية وكانت جنوب الاناظول مع بلاد الشام بلد واحد 1300 سنه تحت رايه دول المسلمين الاموية العباسية المملوكية العثمانية ، لا يهم قوميه او لغه من يحكم ما دام الحكم عادل ،

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات