القضية السورية بين الانتخابات التركية ومسار أستانا

القضية السورية بين الانتخابات التركية ومسار أستانا

لم تكن الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية التي بدأت يوم الأحد 14 أيار الجاري، سهلة ولا نتائجها مضمونة، خاصة أن المواجهة الانتخابية بين المرشحين وأرقام استطلاعات الرأي لا تنذر بفوز سهل لأحد لا سيما بعد انسحاب زعيم حزب البلد المرشح مُحرّم إنجه، وسعي الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان للبقاء في أعلى هرم السلطة وتحقيق الفوز على منافسيه، فخروجه من الحكم يعني عدم تحقيق رؤيته لبلاده التي عمل عليها طوال عقدين من الزمن، أزاح فيها كل من سعى لتقويض مشروعه أو نفوذه.

السياسة الخارجية للمرشحين للرئاسة التركية، وأبرزهم الرئيس الحالي ومنافسوه من المعارضة التركية غير واضحة فتفضيلات الفاعلين الدوليين والإقليميين بالساحة السورية روسيا وإيران وباستثناء الولايات المتحدة التي أعلن رئيسها، جو بايدن، منذ وقت بعيد سعيه للإطاحة بأردوغان، بينما الأوروبيون متذبذبون حيال دعم مرشح المعارضة، كمال كيليتشدار أوغلو، خشية إقدامه على تنفيذ وعده بإعادة اللاجئين السوريين، الذين يبحثون عن طريق للوصول إلى أوروبا

فيما روسيا وإيران تدعمان بقاء الرئيس أردوغان، لأن نجاحه واستمراره في السلطة يخدم مصالحهم في سوريا.

فتشابك المصالح بين روسيا وتركيا وإيران، أسفر وقبل أيام من موعد الانتخابات عن تدشين المفاعل النووي قرب مرسين، وبدعم روسي وأثنى عليه بوتين كمشروع شراكة رائد، ومثل هذا الدعم، أنجز عقد لقاء على مستوى وزراء خارجية روسيا وإيران وسوريا وتركيا في موسكو، قبل أيام من انتخابات الرئاسة،

علاقة أردوغان مع روسيا وإيران كانت مدفوعة بمقتضيات جيوسياسية واستياء مشترك من الغرب وتكونت تلك المصالح فيما بينهما عبر عملية أستانا والتي أدت إلى تهميش عملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة وأعادت رسم خرائط السيطرة على الجغرافيا السورية، وأدت لتعبيد طريق التطبيع بين أنقرة ودمشق، وقد وضعت موسكو نفسها كحارس لهذه العملية وعراب التسويات السياسية في سوريا.

فروسيا وإيران تعملان على معالجة مخاوف وهواجس تركيا بسبب وجود وجود ميليشيات قسد والعمل على دمج قواتها مع جيش نظام الأسد، وكذلك تريد روسيا وإيران استمرار التباعد بين أردوغان والغرب والاقتراب والانخراط في المشروع الأوراسي وبناء منظومة تحالفات ومصالح اقتصادية وسياسية جديدة تمتدّ حتى الصين، وتمنح مظلّة للمصالح التركية الجديدة، خاصة أن أردوغان عمل على الحد من فعالية الدور التركي في إطار حلف الناتو إلى أدنى مستوياته.

فجولات أستانا التي ترعاها روسيا وإيران وتركيا تحولت إلى منصة لصياغة التفاهمات والاتفاقات بين نظام الأسد والمعارضة السورية، ودفعت تلك  الدول إلى الالتقاء للبحث عن حل سياسي تحت رعاية العراب الروسي، وهذا ما دفع بروسيا وإيران إلى بذل أقصى الجهود لتحويل مسار العلاقة السورية التركية، من القطيعة إلى المصالحة، وتقتضي وجود حل سياسي يستبعد الدورين الأميركي والأوروبي، وتحقيق القرار 2254 وفقاً للرؤية الروسية، بما يحافظ على التموضع العسكري لروسيا وإيران وتركيا على الجغرافيا السورية.

بدورها إيران تنظر إلى تطبيع الأنظمة العربية نظام مع الأسد من زاوية مختلفة، وهي تعتبر هذه العودة فرصة لها، فهي لا تشعر بخوف كبير من جراء هذه العودة، بحكم يقينها بأن الأسد لا يمكنه أن يضحي بعلاقته معها، وهي تمثّل أقوى ورقة قوة، لا يمكن أن يفرط بها، والتي بسببها حقق انتصارات عديدة واستعاد مناطق واسعة خرجت عن سيطرته، إضافة إلى ارتفاع مستوى شراكته الإستراتيجية مع روسيا الموجودة قواتها بجانب الميليشيات الإيرانية في سوريا.

وما جرى في أستانا وعبر جولاتها المتعددة من خلال الحوار بين نظام الأسد والمعارضة السورية التي آمنت بهذا الخيار ونتج عنه هيئة تفاوض ولجنة دستورية، وقامت فيه أنقرة وموسكو وطهران بتأدية دور المِظلة الراعية لنجاح اجتماعات أستانا، وتقديم ضمانات النجاح، ونظام الأسد وجد من خلال أستانا التي يرعاها حلفاؤه الروس والإيرانيون هامشاً أكبر لاستعادة دوره الإقليمي متماهياً مع ما يقوله الرعاة الثلاثة لوحدة أراضي الدولة السورية.

يوم أمس في موسكو شاهد الجميع مصافحة بين وزير خارجية تركيا ونظيره لدى نظام الأسد السوري في مسار عودة العلاقات بين البلدين، وهذا دليل وجود تغير جذري في السياسة التركية تجاه نظام الأسد، خاصة في الشق السياسي، وأن مسار استعادة العلاقات سيشهد لقاءات قادمة، ويشير تكليف الوزراء لنوابهم لإعداد خريطة طريق عن وجود أكثر من مسار سوف يتم فتحها ومناقشتها وصيغ التعامل معها بما فيها "الجماعات المسلحة" وعودة اللاجئين.

فمسار التطبيع العربي مع نظام الأسد الذي أثمر عودته للجامعة العربية، زاد من دافعية تركيا لإعادة العلاقة مع الأسد لتحقيق مصالحها وأمنها القومي على حدودها الجنوبية وإبعاد خطر ميليشيات قسد عنها، وإدراك تركيا لفشل المعارضة السورية التي تسيدت الثورة وتخلت من مبادئها، أسهمت بشكل كبير بعودة علاقات الأنظمة العريية والإقليمية مع نظام الأسد، فالدول وفي سبيل مصالحها تتخلى عن الخصم الضعيف مع تعقد الصراع، فالبنى السياسية الهشة تصبح حملاً زائداً ويسهل التخلي عنها، والتخلي يتناسب طرداً مع درجة التبعية.

بعد 12 عاماً لم تدرك المعارضة السورية أنه لا يوجد ثبات في السياسة ولكن هناك مصالح متغيرة فثوابت السياسة هي تغير المصالح..!

تركيا سواء فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات أم خسرها، ستمضي في مسار أستانا، لأن المرحلة التي كانت تعول عليها في الربيع العربي طمعاً وتحالفاً مع المعارضات الهشة قد تبدلت كثيراً.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات