موضة هتك السيادة السورية من إسرائيل إلى الأردن

موضة هتك السيادة السورية من إسرائيل إلى الأردن

اعتاد السوريون خلال السنوات الماضية على الغارات الإسرائيلية على مواقع محددة ضمن الأراضي السورية التي تم رهنها أو تأجيرها أو وهبها للإيرانيين، وتحولت تلك الأماكن إلى مستودعات للأسلحة أو مقرات لميليشيات تم استقدامها بكثرة لقمع السوريين بعد ثورتهم.

الغارات الإسرائيلية التي طالما تم حفظها في خانة حق الرد، تقوم بين الحين والآخر باستهداف نقاط عسكرية في محيط محافظة السويداء الجنوبية، فمنذ العام 2018 قامت إسرائيل بما يقارب من 15 غارة على نقاط في السويداء وهي عبارة عن خمس رادارات وفوج ومطار، وعادة ما تقوم ايران بإعادة تأهيل المواقع المستهدفة بسرعة قياسية!

يتخذ النظام خيار الحياد ويفضل ترك اللعبة للقوى الإقليمية فيما يخص الضربات الإسرائيلية.

لاعب جديد يهتك السيادة!

عانت الأردن خلال السنوات الماضية من نشاط تهريب المخدرات عبر حدودها والتي تُعتبر السويداء أحد أهم خطوط التهريب باتجاهها وكون الجنوب السوري عموماً يشترك مع الأردن بحدود تصل إلى 375 كم، اختاره حزب الله اللبناني كمعبر يدر ثروة هائلة ويصعب في ذات الوقت ضبطه وخاصة مع وجود عناصر نافذة في سوريا والأردن تستفيد بشكل كبير من عوائد تهريب الكبتاغون!

صعّدت السلطات الأردنية محاولاتها لضبط الحدود فشددت على ضرورة إجراء الاشتباك الحي مع المهربين وملاحقتهم وقتلهم على طول الحدود، وبالفعل استطاعت قتل عدد منهم ولاحقت آخرين.

من هي القوة المسيطرة على خطوط التهريب في السويداء؟

الأمن العسكري في السويداء هو أهم ذراع لإيران في المنطقة ويقوم بالإشراف على مجموعات محلية من أبناء المحافظة فيقدم لها السلاح والبطاقات الأمنية ويسهل لها زراعة الحشيش في بعض مناطق الريف الغربي القريب من درعا، وكذلك يسهل وصول عدد من الماكينات الخاصة بتصنيع الكبتاغون حيث تم الكشف عنها في مقرات راجي فلحوط في شهر تموز 2022 بعد الهبة الشعبية ضد جماعات الأمن العسكري في السويداء.

اعتمد الأمن العسكري في تهريب المخدرات باتجاه الأردن على عدد من أبناء عشائر السويداء وبخاصة من يقيمون منهم على أطراف المحافظة، كونهم على علم بتفاصيل الحدود والطقس المناسب وتربطهم علاقات متينة مع أفراد من العشائر على الطرف الآخر من الحدود الأردنية.

فما هو الخيار الأنسب للأمن العسكري!

قرية الشعاب في أقصى شرق محافظة السويداء، قرية فيها عشرات البيوت الأسمنتية وتقطنها عشيرة الرمثان، تلك القرية التي أتذكر تفاصيلها بشكل جيد، حيث زرتها مرتين وخرجنا للصيد في الصحراء المحاذية لها عندما كنا في بداية شبابنا.

 قبل الوصول للقرية يستوقفك حاجز عسكري لم نكن نجرؤ على السؤال لأي فرع يتبع، يقوم ذلك الحاجز بالتدقيق في هوية الزائرين ويسأل عن سبب الزيارة ومدتها ويقوم بتفتيش السيارات الداخلة والخارجة منه، كان الأمر غريباً فقرية الشعاب هي قرية تتبع لمحافظة السويداء وتربط بين أهلها وأهالي المحافظة علاقات جيدة في معظمها وكانت في أحسنها حين اعتزل الرمثان الأحداث التي جرت بين مكونات السويداء من دروز وبدو عام 2000 وراح ضحيتها عشرات الأشخاص وأغلبهم سقطوا بنيران النظام أمام المشفى الوطني في السويداء.

كانت تلك القرية معزولة عن محيطها بشكل مريب، وكان هناك دوريات يومية تسير بمحاذاة تلك القرية وتنزل إلى الأسفل، حيث الصحراء الواسعة والتضاريس القاسية، أخبرنا حينها مضيفنا بأن التدقيق الأمني هو على الطرق البرية الصحراوية الحدودية مع الأردن وبأن تلك الطرق قد يتم استخدامها للتهريب، رافقت تلك الجملة ضحكات من الموجودين من أبناء القرية، فالمهرب لا يحتاج إلى طريق في الصحراء ليقوم بعمله، وعلى غرار المثل المعروف: أهل الشعاب أدرى بشعابهم.

أتذكر جيداً حيازتهم للأسلحة الحربية الفردية، فحين كانت بندقية الصيد تحتاج تعب كبير ورشوات ووساطات لترخيصها في قرى السويداء كان أبناء الشعاب يتسلون بإطلاق الرصاص من مسدساتهم على أهداف ثابتة وهذا ما قمنا به حين زيارتهم، فكنا نطلق النار من مسدساتهم على بعض الأحجار كتسلية والغريب بأنه لم يكن لديهم أي تخوف من امتلاك تلك الأسلحة ضمن قراهم.

(أتحدث هنا عن العام 2005 تحديداً)  حين كان امتلاك السلاح يُعتبر جريمة.

يملك سكان تلك القرية العديد من الإبل وقطعان المواشي ويستطيعون التنقل في الصحراء دون رقيب ويقتصر دخولهم إلى ما بعد الحاجز الأمني باتجاه السويداء على فترات الرعي في الربيع، ويدرس بعض أبنائهم في مدارس في القرى الدرزية المجاورة فيتنقلون بشكل شبه يومي، ولكن يبقى إحساسك حين زيارة قرية الشعاب بأنها عالم مختلف عما حوله. 

هذا العالم الغريب كان ضمن خيارات الأمن العسكري في السويداء لتجنيد بعض أبنائها لتنفيذ عمليات تهريب مواد منوعة وآخرها تهريب الملايين من حبوب الكبتاغون، فاختاروا رجلا يدعى مرعي الرمثان، تاجر المواشي الثري وله جبروت على من حوله ويعمل معه العشرات من أبناء عشيرته، أصبح تدريجياً الزعيم رقم 1 لتجارة المخدرات في مناطق البادية السورية وأطلق عليه بعض الأشخاص لقب (أسكوبار سوريا) كناية ببارون المخدرات الكولومبي.

تحول الجنوب السوري إلى ملف عالمي فأصدرت الولايات المتحدة قرارات تؤدي إلى تجفيف منابع المخدرات والسيطرة على طرق تهريبها فأعطت الضوء الأخضر لدول الجوار بالتعامل مع الملف.

أصبح مرعي الرمثان على اللائحة الأردنية بالتوافق مع النظام الذي أصبح عاجزاً عن كبح فروعه الأمنية فتسارعت في الشهر نيسان 2023 التطورات بشأن هذا الملف فمن اجتماع الوزراء العرب في الأردن إلى الدعوة لعودة النظام إلى حضن الجامعة العربية المنتهك وليس انتهاءً بتهديد الأردن بالتعامل بالقوة العسكرية ضمن الأراضي السورية مع مهربي المخدرات وهذا ما حدث فعلاً حيث شنت طائرة حربية قادمة من الأردن باتجاه قرية الشعاب غارة قضت فيها على مرعي الرمثان في منزله لتقضي على الصندوق الأسود في ملف المخدرات الذي يعرف الكثير من المسؤولين الأردنيين والسوريين المتورطين في هذا الملف.

الغارة قضت على 6 أطفال صغار دون أن تكلف نفسها مخابرات الدول المجاورة برصد تحركات مرعي التي يستطيع مبتدأ من خلال طائرة تصوير صغيرة من تتبع تحركاته، يبدو أن قتل الأطفال مع أهلهم هي عملية مقصودة لتوجيه رسائل لكل أتباع وأذيال إيران والأمن العسكري في السويداء بأن الأردن جاد في هتك السيادة السورية المهتوكة أصلاً.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات