إعادة النظام للجامعة.. بات للقضية السورية قراران إستراتيجيّان

إعادة النظام للجامعة.. بات للقضية السورية قراران إستراتيجيّان

بات للقضية السورية قرار ثان حول الحل السياسي الشامل بعد القرار الأممي 2254 الذي صدر في ديسمبر 2015، ولكن هذه المرة القرار عربي أصدره مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في 7 مايو الحالي، وحمل الرقم 8914 واستند على بيان عمان، كما استند القرار الأممي قبله على بيان جنيف.

القراران متشابهان من حيث هدف التوصل إلى حل سياسي، ولكن خلافاً للقرار الأممي فإن القرار العربي تضمّن آلية لتنفيذ بيان عمان الذي صدر في أعقاب اجتماع وزراء خارجية كل من السعودية والأردن ومصر والعراق مع وزير خارجية النظام، في الأول من مايو الحالي، كما تضمن إعادة النظام للجامعة العربية.

لجنة اتصال

آلية تنفيذ بيان عمان جاءت من خلال تشكيل لجنة اتصال وزارية مكونة من الأردن والسعودية ومصر والعراق ولبنان والأمين العام للجامعة تعمل على الحوار المباشر مع النظام للتوصل لحل شامل للأزمة السورية يعالج جميع تبعاتها وفق منهجية الخطوة مقابل خطوة وبما "ينسجم" مع قرار مجلس الأمن 2254 وتقدم اللجنة تقارير دورية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري.

وعلى الرغم من أن القرار العربي استخدم تعبير "ينسجم" مع القرار الأممي 2254 الذي يكرهه النظام، وليس تنفيذه أو الاستناد إليه، إلا أن الإشارة إليه تعني أن هناك تفاهماً مع المجتمع الدولي ولا سيما الولايات المتحدة صاحبة مشروع القرار الأممي، حول المرحلة المقبلة.

وقد تكون الإشارة إلى القرار الأممي، هي أن لا يفهم من القرار العربي أنه بديل عنه، ولا سيما أن بيان عمان طرح مسألة العمل على تفعيل لجنة صياغة الدستور وهي السلة التي اختصرت سلال بيان جنيف الذي استند عليه القرار الاممي، ويتضمّن تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، وأوقف الروس عمل تلك اللجنة انتقاماً من الغرب على موقفهم من غزو أوكرانيا. 

جدول زمني

وعلى الرغم من أن بيان عمان تضمّن أهمية وضع جدول زمني للمحادثات التي ستتواصل مع النظام حول الوضع الإنساني والأمني والسياسي، إلا أن القرار العربي 8914 خلا من الحديث عن المدة الزمنية أو أجندة عمل لجنة الاتصال الوزارية، ما يعني أنها مرتبطة بتقديم النظام خطوات ليقابلها العرب بخطوات مماثلة.

ولكن العرب تقدموا باتجاه النظام من خلال القرار خطوة كبيرة وذات أهمية قصوى بالنسبة إليه، وهي إعادته للجامعة العربية، إذ فتحت له باباً واسعاً يعطي الحل العسكري الذي اتبعه هو وداعموه ضد السوريين نتائج سياسية وشرعية. 

اعتراف بشرعية النظام

الاعتراف العربي بشرعية النظام كممثل للشعب السوري، جعله يحصل على أهم ما يريد، وما بقي بحاجة إليه بشكل ثانوي هو المساعدات الإنسانية المرتبطة بالإنعاش المبكر، أو وقف تهريب المخدرات، إذ إنه سيفاوض عليها لسنوات، وهي لا تحتل أولوية بالنسبة له، فهي ترتبط أكثر بأوضاع السوريين، وإن وجدت فإنه يعمل للاستحواذ عليها.

بيان خارجية النظام حول القرار العربي خلا من عبارات الترحيب بإعادته للجامعة العربية أو توجيه الشكر للعرب أو الإعراب عن تقديره لموقفهم، بل جاء في إطار أن سوريا تابعت باهتمام القرار، وبأن المرحلة القادمة تتطلب نهجاً عربياً فاعلاً وبناءً على الصعيدين الثنائي والجماعي" بحسب نص البيان دون أي إشارة إلى الالتزام بالحل السياسي أو بقرار الجامعة.

استثمار القرار

لكن رأس النظام سارع لإعلان ما يريده من إعادته للجامعة العربية وهو العلاقات الثنائية، إذ اتصل بعد ساعات على صدور القرار برئيس دولة الإمارات كما اتصل بعد يوم بالرئيس الجزائري، للإيحاء بأنه ينظر للقرار من باب تحسين العلاقات البينية العربية، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول، وأيضاً البدء بتوسيع دائرة علاقاته مع الدول العربية، مستثمراً القرار في هذا الإطار لا أكثر.

ومن هنا ثمة أسئلة لا بد من الإجابة عليها، وهي هل يريد النظام تنفيذ ما وعد به العرب في اجتماع عمان وقبلها في جدة واستند عليها مجلس الجامعة بإصداره قراراً بإنهاء تجميد عضويته في الجامعة؟ هذا هو السؤال الرئيس الذي كان من المفترض أن تجيب عليه الجامعة العربية قبل إقدامها على إعادته. 

لا يمكن للنظام أن ينفّذ حتى لو تشكلت لديه الرغبة في ذلك أياً من الوعود التي قطعها دون ضوء أخضر أو موافقة من إيران بشكل خاص، ولا سيما أنه ليس معزولاً عن الروس والإيرانيين، الذين يستحوذون فعلياً على القرار العسكري والسياسي منذ دخلت القوات الروسية سوريا وعبرت بوارجها الحربية بمحاذاة المجتمع الدولي ومن ضمنه الغرب والعرب دون أن يتدخلوا.

دول خفض تصعيد

الروس دون غيرهم وبدعم إيراني نفذوا سياسة في سوريا سياسة خطرة من خلال إقامة "مناطق خفض تصعيد"، وفرضوا مصالحات تحولت فيما بعد إلى تسوية وضع، ويبدو أنهم اتبعوا ذات النهج مع الدول العربية بدبلوماسية نشطة، إذ إن أكثرها تقدماً في مواقفها الداعمة للشعب السوري أوقفت دعم المعارضة وخفضت سقف خطابها السياسي والإعلامي إزاء النظام وباتت "دول خفض تصعيد عام" ويخشى أن تكون الآن بدأت بتنفيذ مصالحات مع النظام مقابل مجرد وعود يدعم عدم تنفيذها الروس والإيرانيون.

وفي هذا الإطار يمكن اعتبار "انتصار" بشار الأسد العسكري، وهذا التعبير أطلقه قبل أيام الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، لم يأت من باب الصدفة والحظ بل جاء بفعل عمل ممنهج من قبل روسيا وإيران إلى جانب النظام، مع غض النظر من قبل المجتمع الدولي. 

دوافع العرب

وبالنسبة للعرب، فلم تكن أهم أسباب مبادرتهم في الانخراط في إيجاد حل للقضية السورية، والإقلاع بمسار عربي "سورية خالصة"، بل جاءت نتيجة أزمات بينها ضغط تهريب الكبتاغون الذي وظّفه النظام سياسياً واقتصادياً، وفاقم تأثيره على دول الخليج والأردن بشكل خاص وعلى هذا الأساس تحرك الأردن قبل غيره وطرح مبادرته" الخطوة بخطوة" على الولايات المتحدة.

وأيضاً جاءت مبادرتهم نتيجة ضغط النظام بملف اللاجئين ورفضه إعادتهم واعتقال من يعود، وتجاهله المتعمد لمعاناة السوريين، ما يعطي قرائن على تخطيط روسي إيراني ومن النظام والهدف البعيد كان إيصال هذا النظام للجامعة العربية.

هل ينجح العرب؟

وعلى الرغم من الدعم الغربي بالقرار العربي، إلا أن المجتمع الدولي ولا سيما الولايات المتحدة التي قال متحدث باسمها إنها تتفق مع الشركاء العرب حول الأهداف النهائية لكنها تتشكك في رغبة الأسد في حل الأزمة السورية، لم تستطع تنفيذ القرار 2254 الذي صوت إلى جانبه منذ العام 2015، كما إن العقوبات الغربية لم تتمكن من حمل النظام على الانصياع، بل استخدمها ذريعة لتبرير ما آلت إليه أوضاع السوريين وتعمد أن يوصلهم إلى ما وصلوا إليه بفعل النهب والفساد وتسديد الديون لإيران وروسيا، وكذلك فإن تلويح العرب بعدم توفير الدعم الاقتصادي سيكون مصيره ذات الشيء. 

في ذروة أزمته، لم يقدّم النظام أي تنازل للعرب فكيف يقدم الآن، والقرار 2254 صدر حين كان النظام خارج الجامعة، فهل من الممكن أن يوافق عليه وقد عاد للجامعة العربية وهل تلزمه العقوبات التي لا تعنيه سوى باعتبارها ورقة ضغط على الخارج للابتزاز وذريعة لاستمرار نهبه السوريين وبيع البلاد للإيرانيين والروس؟.

وكما حال القرار 2254 الذي لم يندرج تحت الفصل السابع، فإن قرار الجامعة يحمل بنودا وأهداف تبدو أنها تدغدغ آمال السوريين وتعطيهم بعض التفاؤل بحل سياسي قادم متضمن تشكيل هيئة حكم انتقالي وتهيئة الظروف المناسبة لعودتهم، إلا أن من أبرز ما يضعفه ويجعله سلبيا هو عدم امتلاكه عناصر القوة اللازمة للتنفيذ، والتخلي عن ورقة عزل النظام، إذ من المستبعد أن ينفذ من القرار سوى بنده الأخير الذي يتضمن إعادته للجامعة، وهذا بالنسبة إليه يعني الاستحواذ على شرعية عربية شاملة وهو ما يريده.

التعليقات (1)

    سوريانا

    ·منذ 11 شهر أسبوع
    يعني اذا ما بتفهم بالسياسة شو لازملك تكتب!!!
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات