كشف تحقيق جديد أجراه مركز حقوقي سوري تورّط حكومة ميليشيا أسد بالتجسس على السوريين المغتربين ومراقبتهم لترهيبهم واضطهادهم في السفارات أو عند عودتهم إلى سوريا.
وقال "المركز السوري للعدالة والمساءلة" إنه اكتشف 43 وثيقة جديدة تتعلق بمراقبة السوريين في بيلاروسيا وبلجيكا وقبرص ومصر وفرنسا واليونان والعراق واليابان والأردن ولبنان وروسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا وأوكرانيا والمملكة المتحدة واليمن.
وقد صدرت هذه الوثائق– التي تشكل المصدر الذي يستند إليه هذا التحقيق– بين عامي 2009 و2012 من قبل عدة أجهزة استخباراتية تابعة لوزارة الداخلية ووزارة الدفاع، وتضمّنت نسخاً من التقارير الاستخباراتية الأصلية التي أعدّتها وزارة الخارجية والسفارات السورية في جميع أنحاء العالم.
وتم تقسيم التحقيق إلى عدة فقرات شملت آليات مراقبة المواطنين وقمعهم والمراقبة الخارجية في الوقت الحاضر وتم طرح بعض الاستنتاجات والتوصيات في نهاية التحقيق.
آليات مراقبة المواطنين وقمعهم
وتوضّح المستندات التي نشرها المركز السوري للعدالة والمساءلة في تحقيقه أن المراقبة الخارجية أجريت بشكل منهجي عبر شبكة البعثات الدبلوماسية التابعة لحكومة أسد في جميع أنحاء العالم.
وأدرج التحقيق طلب رئيس شعبة الأمن السياسي في وثيقة عمّمها على رؤساء فروع الأمن السياسي في المحافظات، للحصول على معلومات حول "المحرّضين" المعارضين في جميع أنحاء فرنسا وبلجيكا، وتركيا، وروسيا، ولبنان.
وتحشد حكومة أسد مبالغ ضخمة من موارد الدولة لتيسير المراقبة في البلدان التي يوجد فيها تمثيل دبلوماسي سوري كبير مثل تركيا ولبنان،. وفي إحدى الحالات في مطلع عام 2012، قامت القنصلية السورية في غازي عنتاب بمشاركة معلومات متعلقة بمعارض سياسي ورد أنه قام بترديد عبارات سلبية ضد الرئيس والجيش.
وفي لبنان تشير عيّنة الوثائق الخاصة بالمركز السوري للعدالة والمساءلة إلى أن ميليشيا أسد قد جمعت معلومات استخباراتية مكثفة عن الناشطين السياسيين من اللاجئين، حيث يشير خطاب نشره المركز في آذار 2012 إلى معلومات عن اجتماعات للتنسيق المكثف بين جماعات المعارضة في طرابلس وعكار جُمعت عن طريق مراقبة السوريين الذين يرتادون مسجداً في شمال لبنان إضافة إلى طرق أخرى.
وأكدت عدة تقارير قيام حكومة أسد بتعبئة موظفي السفارات لاستهداف وترهيب المشاركين في المظاهرات. حيث أشار نشطاء المعارضة في المملكة المتحدة إلى قيام عملاء حكوميين بزيارة منازلهم، بينما نشرت منظمة العفو الدولية، بعد بضعة أشهر، مزاعم بوجود مراقبة وترهيب حكومي، وقد صدرت هذه المزاعم عن أكثر من 30 ناشطاً يعيشون في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية.
وأكد الضحايا أن موظفي السفارة اعتدوا عليهم جسدياً ووجهوا لهم تهديدات بالقتل، بينما تعرضت عائلاتهم في سوريا للترهيب والاعتقال وحتى التعذيب كإجراء انتقامي بالتعاون مع حكومة ميليشيا أسد. وفي ألمانيا، طردت السلطات أربعة دبلوماسيين سوريين من البلاد لمشاركتهم في أنشطة "تتعارض مع وضعهم الدبلوماسي".
الولاية القضائية العالمية تحاسب مجرمي أسد وأذرعهم ترهب الشهود
وأثبتت قضايا الولاية القضائية العالمية أنها من أكثر السبل المثمرة لجهود العدالة والمساءلة، ففي شباط 2021 على سبيل المثال، حُكم على إياد الغريب وأنور رسلان في كوبلنتس بألمانيا بتهمة المساعدة والمشاركة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وفي محاكمة علاء موسى في فرانكفورت بألمانيا وهو طبيب سوري سابق عذّب ضحايا وقتل بعضهم ومارس اعتداءات جنسية على آخرين في مشافٍ عسكرية، حيث أبلغ بعض الشهود عن تهديدات شخصية وترهيب لعائلاتهم في سوريا، وتم مؤخراً تسليم سوري مقيم في النرويج إلى ألمانيا لصلته المفترضة بترهيب الشهود.
وأشار التحقيق إلى أن إعادة فتح السفارات السورية على نطاق أوسع سيشكّل تحديات أكبر من أي وقت مضى لجهود المساءلة بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.
عودة اللاجئين
مع الضغوطات التي تمارسها العديد من الحكومات الإقليمية من أجل عودة اللاجئين السوريين وتشديد الحكومات الأوروبية القيود المفروضة على السوريين المؤهّلين للحصول على صفة اللجوء، من المرجّح أن تؤدي المعلومات التي حصلت عليها حكومة أسد في الخارج إلى مشاكل بارزة في حماية العائدين أو تضمن عدم قدرتهم على العودة على الإطلاق.
إلى جانب عدد كبير من الحالات على مرّ التاريخ لأفراد اعتُقِلوا في مطار دمشق بناءً على بلاغات قدّمها مخبرون في الخارج، تظهر أدلة على وجود ممارسات أكثر وحشية في الوقت الحاضر، وقد تم بالفعل اعتقال العشرات من العائدين عند عودتهم وأُجبروا على الإبلاغ عن أفراد عائلاتهم، بينما تعرّض آخرون للتعذيب لانتزاع معلومات حول أنشطة المعارضة في البلدان التي لجؤوا إليها.
وعلاوة على ذلك، من المرجّح أن يؤدي التنسيق الأمني والاستخباري المتنامي بين حكومة ميليشيا أسد والأردن و تركيا و لبنان، التي تستضيف مجتمعة ما يقرب من ستة ملايين لاجئ سوري، إلى تعزيز قدرة حكومة ميليشيا أسد على الانتقام من المعارضين السياسيين في الشتات، وكذلك من عائلاتهم.
وكجزء من أي اتفاقات عودة مستقبلية مع لبنان و تركيا، من المرجّح أن يواجه السوريون تدقيقاً أمنياً مكثفاً من قبل أجهزة مخابرات أسد، ونتيجة لذلك، فإن حجم المعلومات التي تمتلكها حكومة ميليشيا أسد عن السوريين في الخارج يجب أن يعزّز تدابير حماية اللاجئين وأن يردع التعاون السابق لأوانه في حملة تطبيع العلاقات التي تقودها حكومة ميليشيا أسد.
التعليقات (4)