فن السّرد إلى القمة.. رواية وتلفزيون وأسباب أخرى

فن السّرد إلى القمة.. رواية وتلفزيون وأسباب أخرى

من البدهيّ أنّ الأجناس الأدبيّة تتشارك وتتبادلور الفِكَر والمضمونات، بل والتّقنيّات الفنّية، ولا عجب في ذلك مادامت، جميعها، تخاطب عقل وذائقة المتلقّي وتطمح إلى التّاثير في وجدانه، ونقله من حالة ما قبل القراءة البيضاء المستوية، إلى حالة من الشّغف والانعتاق، ولو إلى حين، من برودة الواقع وسكونيّته الصّمّاء!

فالفنّ الأدبيّ، مثل الفنون جميعاً، ليس محض ملء للفراغ وتزجية للوقت المنفلت، بل عليه أن يمتلك القدرة على إحداث ذلك الارتجاج اللذيذ في وعي المتلقّي، والانخطاف به إلى عوالم مفارقة، يشعر بيقين تام أنّه كان يفتقدها قبل الآن، وربّما طال بحثه عنها، فإذا العمل الأدبيّ يملأ عنده تلك اللهفة الغامضة، ويجعله يتنفّس الصّعداء كمن وجد ضالّته التي أضناه البحث عنها!

ومع طول الأزمنة التي تقاطرت نحو العدم، ظلّ الشِّعر يتربّع على عرش الفنون الأدبيّة، وارثاً تلك القيمة التي حملها الشّاعر منذ أن كان ساحر المجتمع، وصاحب القول الأفصح والأجمل على المنابر وفي مناسبات الأفراح والأتراح على السّواء!

فلا عجب أن يعيد القرآن نفي صفة الشّعر عنه بصيغ كثيرة مختلفة، وأن يجعل الشّعر غواية لا هداية، اعترافاً بقدرة الشّعر على ليّ أعناق الجمهور إليه، وجعلهم ينضوون تحت ألويته الخفّاقة!

لكنّ ذلك لم يدم إلى ما لا نهاية، فقد بدأ فنّ أدبيّ جديد يسحب البساط شيئاً فشيئاً من تحت قدميّ الشّعر، ويصعد بخطاً حثيثة نحو القمّة؛ إنّه فنّ السّرد بتجلّياته المختلفة!

ولم يكن الأمر عجيباً، فالسّرد يمتلك، منذ بدء التّاريخ، قدرة هائلة على استقطاب الذّهن والولوج به إلى عوالم من الدّهشة عبر السّبك الجميل، والقدرة على استحضار الأحداث السّاحرة، وبناء الشّخصيات التي تشبهنا أو التي نتمنّى سبر فكرها وسلوكها لتنعقد المقارنات بين حقيقة ما نعرف ودهشة ما نجهل، لهذا كلّه لم نستطع أن نرفع أبصارنا عن الوقائع العجيبة التي أتحفنا بها ماركيز وأمثاله، ولا عن تلك الشّخصيّات التي كشفت نفاق الإنسان وارتباك عقده النّفسيّة والاجتماعيّة عند دوستيوفسكي ومن يشبهه، ولا عن تلك القدرة اللامعة في استحضار أحداث الحياة المعيشية وتحويلها إلى حياة أخرى تنبض بلحم الفنّ ودمه كما عند ممدوح عزّام وأمثاله!

والأمثلة أكثر من أن تُحصى على أنّ فنّ السّرد شقّ دربه واثقاً نحو القمّة، وأوشك أن يعتلي سدّة عرش الفنون المكتوبة، مشفوعاً بالسينما والتلفزة اللتين اغترفتا من ينابيعه بلا حساب، حتى غدت مقولة "إنّ عصرنا هو عصر الرّواية بلا منازع" لا تثير أيّ قدر من الدّهشة عند الجمهور، بمختلف مستوياته الثّقافيّة والاجتماعيّة!

وختاماً: ليس أدلّ على هذه المرتبة من السّيادة التي تسنّمها فنّ السّرد حديثاً من أنّ الفنون الأدبيّة الأخرى، ومنها الشّعر، صارت تمد يدها لتقبس من جمرة الرّواية، مطعّمة أحوالها بالسّرد واللجوء إلى التّصاعد الدّراميّ في وجدانيّة القصيدة لعلّها، بهذه الّلعبة، تزداد بهاء وقدرة على امتلاك لُبّ المتلقّي.

التعليقات (2)

    قرقور

    ·منذ 11 شهر 3 أسابيع
    وين عايشه يا اختي..عم تنبشي مواضيع صالحة للنشر في وزارة الثقافة تبع نظام الوحش

    يا حسافه

    ·منذ 11 شهر أسبوع
    هي مصيبة ثورتنا ابتلت بمثقفين متلك امثال اذا ماكانو فاسدين وبينشرو بالمصاري بيكتبو حكي نظري صالح يكون اسءلة امتحانات فلسفة بلا طعمه
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات