في أرزة لبنان صوت العنصرية أقوى من حبّاتها: إنكار الرباط التاريخي والنصوص الدولية معاً

في أرزة لبنان صوت العنصرية أقوى من حبّاتها: إنكار الرباط التاريخي والنصوص الدولية معاً

لم تكن موجات الاضطهاد وممارسة العنصرية تجاه اللاجئين والمهاجرين، وليدة الحالة السّورية فقط، بل، كانت موجودة في حالات عديدة، ومارستها سابقاً العديد من الشعوب والسلطات الرسمية والمؤسسات والقوى غير الرسمية، إلا أن الحالة السورية اليوم، كانت وما زالت من أقسى التجارب وأعنفها وأكثرها انتهاكاً للحقوق والقوانين الدولية ذات الصلة بحقوق اللاجئين، وخاصة خلال السنوات الأخيرة في مجمل دول الجوار.

آخر هذه الموجات ولربما أشرسها يأتي اليوم من الجارة "الشقيقة" لبنان مع تصاعد موجة العنصرية والاضطهاد تجاه اللاجئين السوريين، ألقت هذه الموجة بظلالها على اللاجئين السوريين الفارّين بمعظمهم من جحيم معتقلات ومسالخ الأسد أو من براميله وسكاكين ميليشياته في الاجتياحات السابقة، أو بحثاً على الأقل عن فرصة لعدم التلوث بالانضمام لميليشياته بسبب التجنيد، ليواجهوا اليوم مرحلة أقسى من العنصرية المعهودة، إذ مارست السلطات اللبنانية، عمليات ترحيل قسري لعائلات سورية لاجئة في لبنان، إلى الأراضي السورية، وقامت بتسليمهم للنظام السوري، وأدواته القمعية والأمنية، ما يعني تعريض سلامتهم وحياتهم للخطر المؤكد.

جاءت هذه الموجة من الاضطهاد كمرحلة متطورة لسلسلة من "العنصرة" تجاه اللاجئين السوريين في لبنان، وبالتالي فإن فهم اللحظة الراهنة مرتبط بفهم السياق السابق بمحطاته المختلفة؛ حيث يمكن تقسيم الفكرة العامة من الناحية الزمنية، إلى ثلاث مراحل رئيسية: الأولى جاءت مباشرة بعد انطلاق الحراك الشعبي في سوريا، عندما بدأت آلة النظام بشن حملات الاعتقالات وارتكاب المجاز والقتل وممارسة التعذيب، ضد السوريين المطالبين بالحرية، ما دفع الكثير من السوريين إلى النزوح لدور الجوار ومنها لبنان، لتزداد أعداد السوريين في لبنان وتبلغ ذروتها في السنوات الأولى من عمر الثورة السورية، الأمر الذي أدى إلى حدوث بعض موجات العنصرية حينها _ وإن كانت على نطاق محدود جداً _ لم يُسمح لها لتكون حالة عامة، خاصة مع المزاج الإقليمي والدولي المتضامن مع القضية السورية.

لتأتي الفترة الزمنية التالية، والتي تبلورت فيها الصورة بشكل أدق، إذ بدأت أصوات العنصرية تعلو تجاه اللاجئين السوريين، وبدأت الماكينات السياسية المعروفة بولائها للنظام السوري وحلفائه بشكل رئيس، بضخ خطابات عنصرية، ما أدى إلى تنامي حالات العنصرية وارتفاع ملحوظ في عمليات اضطهاد اللاجئين وارتكاب الانتهاكات بحقهم.

لتبدأ في الفترة الزمنية الثالثة تظهر على نطاق واسع منذ عام 2017، غذّتها خطابات سياسية بوتيرة أعلى وأشد، إذ أصبحت حالة تقترب من عموميتها لدى الشعب، حتى أضحى في أرزة لبنان صوت العنصرية أقوى من حبّاتها.

بالـتأكيد أدّى هذا التراكم للوصول لهذه المشهد اليوم كأعنف وأخطر المراحل، إذ شهدت علميات ترحيل قسري لعائلات سورية في لبنان، وتسليمهم لسلطات الأسد، وهو ما يعني موتهم أو اعتقالهم في السجون، والتي تعدّ من أكثر الانتهاكات فظاعةً وخرقاً للقوانين والأعراف الدولية.

وبطبيعة الحال كان للدور والمشهد السياسي عموماً، مترافقاً مع تطوراته السياسية الأخيرة؛ دور بارز في تغذية هذه الحالة، عبر بوابة الدول التي اتجهت للتطبيع مع النظام ومحاولة شرعنته، مع الترويج لفكرة إعادة اللاجئين واسقاط متطلبات البيئة الآمنة والعودة الطوعية، إذ لا يكاد يخلو اليوم، مؤتمر أو اجتماع سياسي حول الملف السوري، من مصطلح "عودة اللاجئين السوريين"، وما زاد الطين بلّة، أن جعلتها _عودة اللاجئين_ الدول المعنية بالملف السوري، على رأس بنود نقاشاتها، ومن أكثر أولوياتها! وهو ما أتاح الفرصة لاستثمار القوى والشخصيات المعادية للاجئين أو المؤيدة للنظام السوري في لبنان لهذه الحالة لتكشف عن قناعها دون حياء أو اعتبار للقانون الدولي ومتطلباته.

إذ يرتكز حق اللاجئين السوريين في اللجوء ومن ثم العودة، وبعيداً عن الاعتبارات الأخلاقية كالأخوة العربية أو أخوة "الشعبين الشقيقين" أو حالة "المهاجرين والأنصار" إلى ركائز في القانون الدولي تضمنتها مجموعة من المواثيق والاتفاقات والأعراف الدولية الراسخة.

من أبرز هذه الركائز ما تضمنته مواد اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والتي جاءت بمبادئ تضمن حقوق اللاجئين في بلدان اللجوء، أبرزها حظر الطرد والرد (م 33)، واتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، والتي تعتبر أنه لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب (م 3 ف1).

كذلك جاء في تقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة 52/103 تاريخ 12/12/1997، أن حماية اللاجئين مسؤولية جميع الدول، وأن لكل فرد الحق في التماس ملجأ في بلدان أخرى خلاصاً من الاضطهاد، ولا يجوز إعادة اللاجئين أو طردهم بما يتعارض مع القانون الدولي، والتأكيد على العودة الآمنة والطوعية، كما أصبح مبدأ "عدم الإعادة القسرية" مبدأً عرفياً في القانون الدولي، بمعنى آخر أنه بات التزاماً مفروضاً على جميع الدول، حتى لو لم تكن طرفاً في الاتفاقيات التي نصت على منع الإعادة القسرية.

كل ذلك ضُرب بعرض الحائط في لبنان، بل تعدّى الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال منع اللاجئين السوريين من التعبير عن رأيهم أو حتى المطالبة بحقوقهم، عبر سياسات ممنهجة تتخذها السلطات أو يصرح بها السياسيون المؤيدون للنهج العنصري.

بالمقابل، لا تخلو الساحة العامة في لبنان من أصوات مناهضة للعنصرية ومدافعة عن اللاجئين والسوريين عموماً وإن كان عددها وتأثيرها محدود حالياً على الأقل.

هذا الحال في لبنان، يقودنا للقول إن باب الإعادة القسرية للاجئين السوريين قد فُتح جدّياً خاصة مع تشابه مسار الحملات العنصرية في لبنان مع دول أخرى أبرزها تركيا، وهو ما يعني وسط الصمت المريب إقليمياً والتغاضي دولياً أن مخططاً كبيراً قادماً ولا بد من حراك واسع من كل السوريين لتنظيم أنفسهم "مدنياً" وتفعيل المواجهة إعلامياً وحقوقياً كخيار متاح في معظم البلدان لجعل هذه القضية قضية رأي عام دولي.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات