"قمر الليلة الثالثة".. حكايا اللجوء والحنين وأسماء "عائلة الرئيس" والبراميل المتفجرة

"قمر الليلة الثالثة".. حكايا اللجوء والحنين وأسماء "عائلة الرئيس" والبراميل المتفجرة

بكل تؤدةٍ يقود الكاتب والقاص السوري "موسى الزعيم" مجموعته القصصية الصادرة مؤخراً عن دار موزاييك للدراسات والنشر والمعنونة بــــ "قمر الليلة الثالثة". حيث جيّر الكاتب مسار حياته بما يحمله من اغتراب وحنين وذكريات مادة لحكاياته، من دون التوغل في التخييل والتكنيك، هذا ما جعل نصوصه أقرب ما تكون إلى الوجدانية الذاتية منها إلى القصة المتخيلة. فالزعيم بطل قصصه، وأحداثُ حياته مواضيع لما كتب، فاختياره ضمير الأنا غالباً، وتركيزه على أحداث قد يكون عاشها أو نقلها عن آخرين، جعل لمقولة "لكل شيء في الكون قصة" قسطاً وافراً من الحقيقة، وكيف إن كانت قصصنا؟

وعلى عكس السائد، يُنظر لنصوص "موسى الزعيم" على أنها حكايات وليست قصصاً، نشتبك معها في كثير من الأحداث، وتعيدنا إلى بيئة ألفناها سابقاً، تعيدنا إلى كروم الصبا وإلى البيادر في مواسم الحصاد، تعيدنا إلى حكايا الأمهات والجدات، وإلى رحلة اللجوء وما بعدها من تعايش على تربة غريبة. وكل هذه العودة مبنية بسلاسة الحكّاء وبتعقيد الكاتب المحنك.

مقاربات حياتية:

يتضح لنا من خلال بعض القصص أن الكاتب يحاول خلق مقاربات ومفارقات في الآن نفسه، فمن خلال حواره مع "ليزا" التي ذكر أنها متطوعة لتعليمه اللغة الألمانية، -والتي حضرت في أكثر من قصة- في قصة "ما خفي من سيرة العصافير" يعود الكاتب في الذاكرة إلى ربوع الطفولة وهما جالسان إلى طاولة مقهى أو مطعم في ألمانيا، يسرد الزعيم خلال الجلسة سيرة العصافير التي خبرها في طفولته، وذلك عندما قفز عصفور نحو طاولتهما. وفي ذلك مقاربة بين عصافير طفولته، وبين عصافير غربته. وكذلك في قصته "أخبرتني الشمس" فبعد أن يسترخي ناظراً إلى بحر الخيام الممتد أمامه، يعود الكاتب إلى سنين دراسته وإلى الأستاذ عدنان ومدرسة النصر وزملاء دراسته. وأيضاً في باقي القصص. وهنا يعتمد الكاتب على الانطلاق من حدث وبيئة جديدة ويعود زمنياً إلى الماضي ليُظهر المقاربة أو المفارقة التي حصلت بين الماضي والحاضر.

 سوريا الحاضرة في لحظات الخوف:

 وكما استحضر الزعيم فترات زمنية من حياته في سوريا، استحضر وطنه أيضاً كتعبير عن الخوف والظلم الذي يعشيه السوري. فبرفقة ليزا أيضاً، وفي قصته المعنونة بــ "تلوث" حين راح يسرد لصديقته أسماء بنات عم الرئيس وخالاته كتعبير عن حفظنا لجميع تفاصيل العائلة الحاكمة. ثم في قصة جندي برتبتين، حيث سردية أبو عبدو الجحش الذي كسب لقبه خلال إيفاده لدورة عسكرية في الاتحاد السوفيتي. وعن جهل أركان السلطة، يروي الكاتب قصة حمدون مخبر شعبة الحزب والحذاء. وليس أخيراً، تحضر الحرب والبراميل المتفجرة والخوف في قصتي "الأليف" و"عربة غرفة التحقيق"، وفي الأخيرة يسترسل الكاتب في وصف شعور الخوف الذي زُرع في داخله طوال حياته، وحضر هذا الخوف أثناء استدعائه إلى التحقيق في أوروبا، وهنا يؤكد أن الخوف الذي بذرته ميليشيا الظلم في سوريا، سيداهمنا وإن كنا في بلاد آمنة.

وفيما بين كل هذه القصص، يتجول الزعيم في فضاءات أخرى، بقصص أقل حجماً وأعلى تكثيفاً، فبالإضافة إلى تميزه في السردية الوجدانية، يؤسس الكاتب لعالم قصصي أقرب ما يكون إلى النثر المكثف، يتكئ على لغة محكمة وأفكار متفردة..

حكاية اللجوء والحنين:

يستدعي الكاتب حكاية لجوئه إلى أوربا، من خلال "بركة الأمنيات"، ثم يستفيض بشعوره بالحنين الضمني وغير المباشر، ففي استحضاره لحياة ما قبل اللجوء حنين لم ينطق الكاتب مفردته. كما يتطرق لهذه الثيمة من خلال العديد من القصص، ومنها "نزوح". 

وإلى جانب كل ذلك، غاص الكاتب في دواخله ليعكس صورة الإنسان السوري، بذكرياته، يومياته في الغربة، وبما تحمله نفسه من مشاعر كان قد اكتسبها خلال مسيرة عيشه في وطنه. وكما أسلفنا لم يرتكز الكاتب على بنية القصة الكلاسيكية، بل ابتكر لنفسه ومنها طريقة خاصة، اعتمد فيها على جمالية السرد، لا على البناء التقليدي... فما كان يعنيه هو أن يُخرج الفكرة بغض النظر عن القالب الأدبي.

هل سنصير أشجاراً عندما نموت؟

وفي مجمل المشاعر التي تناولها الكاتب، تطرق أيضاً للموت، وخصوصاً موت السوري اللاجئ، ففي هذا الجانب أخذ الزعيم مساحة وإن كانت ضيقة، طرح من خلالها رؤيته للموت السوري الذي -ولقسوة أشكاله- بات يأخذ أشكالاً رمزية تراجيدية. وفي مضمون قصته "هل سنصير أشجاراً عندما نموت؟" يروي الكاتب قصة سوري عانى ما عاناه في أقبية المخابرات، ثم قاسى في طريق لجوئه إلى أوربا، وبعدما قضى فترة في مستشفاه بانتظار رؤية أسرته، وبعدما وصلوا بثلاثة أيام، لقي موته... هو الذي كانت أمنيته حفنة من تراب وطنه، وارى ثرى غربته...  

يشترك الزعيم بهموم أبناء وطنه، ويقدم مجموعته "قمر الليلة الثالثة" كمنصة لنقل تلك الهموم والهواجس إلى الآخر "القارئ" بطريقة فنية هادئة وبنفَس شعوري عالٍ.

عن الكاتب والكتاب:

موسى الزعيم: كاتب وقاصّ سوري.

صدرت له مجموعتان قصصيتان الأولى بعنوان "الأساس" دمشق عام 2011

الثانية: "الرقص مع الريح" ألمانيا عام 2019

وهو رئيس تحرير القسم الثقافي في مجلة الدليل التي تصدر في ألمانيا.

وعضو في اللجنة الاستشارية في دار الدليل للطباعة والنشر.

جاءت المجموعة القصصية "قمر الليلة الثالثة" في 113 صفحة من القطع المتوسط، وهي صادرة مؤخراً عن دار موزاييك للدراسات والنشر في تركيا.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات