تحوّل كمّي ونوعي بالغارات الإسرائيلية في سوريا

تحوّل كمّي ونوعي بالغارات الإسرائيلية في سوريا

شهدت الغارات والهجمات الإسرائيلية في سوريا تحوّلاً نوعياً خلال الشهور الثلاثة الماضية مع استهداف مباشر لمسؤولين بالحرس الثوري ومعسكرات تابعة لإيران وحزب الله وأخرى تابعة لنظام الأسد تحديداً عموده الفقري المتمثل بالفرقة الرابعة لماهر الأسد، بحيث بدت الغارات وكأنها تتخطى فكرة استهداف التموضع الإستراتيجي الإيراني في سوريا لتتضمن أهدافاً وعناوين أخرى كما سنفصل لاحقاً.

بداية، لا بد من الإشارة إلى أن الغارات والهجمات الإسرائيلية التي بدأت متفرقة منذ عشر سنوات تقريباً ثم باتت أكثر كثافة وشبه أسبوعية خلال العام الماضي 2022 استهدفت ما تصفه تل أبيب بالتموضع الإستراتيجي الإيراني في سوريا لا الوجود بحد ذاته مع الانتباه إلى الفروق الجدّية بين الأمرين.

بتفصيل أكثر، إسرائيل لم تعترض على الوجود الإيراني مباشرة أو عبر ميليشياتها وأذرعها الطائفية لدعم بقاء نظام الأسد باعتبار ذلك استنزافاً وغرقاً إيرانياً في المستنقع، إلى جانب النظام السوري وقبل ذلك وبعده عدم ممانعة بقاء هذا الأخير بما يمثل من مصلحة إسرائيلية كحرس وخفر حدود  للدولة العبرية، وما يرتكبه من تدمير لسوريا ومقدراتها، وتشريد لشعبها الذي تموضع دوماً في الصفوف الأولى بمواجهة الغزاة الأجانب من التتار إلى الصليبيين والصهاينة أنفسهم.

بالمقابل اعترضت الدولة العبرية على التموضع الإستراتيجي بمعنى منع إيران من إقامة قواعد دائمة برية أو بحرية وجوية أو نقل أسلحة إستراتيجية كاسرة للتوازن لسوريا أو لذراعها الإقليمية المركزية حزب الله في لبنان.

بداية ولمنع التموضع استهدفت الغارات والهجمات الإسرائيلية المعسكرات والبنى التحتية التي حاولت إيران أن تقيمها بشكل منفصل أو ضمن معسكرات وقواعد نظام الأسد، ثم تطورت وتوسعت لتشمل خطوط تهريب الأسلحة أي الخط البري عبر العراق إلى سوريا ولبنان ثم الجوي عبر مطاري دمشق وحمص، والمحاولات البحرية الخجولة عبر ميناء اللاذقية، كما عبر سفن ناقلة للسلاح أو تهريب النفط وبيعه لصالح الميليشيات والمجهود البحري الإيراني في سوريا.

لكن خلال الشهور الثلاثة الماضية شهدت الهجمات الإسرائيلية تحوّلاً كمّياً مع تحولها إلى نصف أسبوعية أي مضاعفتها، كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال يواف غالانت الخميس الماضي 20 نيسان/ أبريل، ونوعياً أولاً عبر استهداف شقق ومكاتب ضمن مجمع سكني بحي كفر سوسة الدمشقي العريق في شباط/ فبراير الماضي أثناء اجتماع لخبراء إيرانيين ومساعديهم من عناصر النظام وحزب الله، ثم في مارس/ آذار ونيسان/ أبريل جرى استهداف مكاتب أخرى ومؤسسات للحرس بدمشق وحتى هدف متحرك في المتحلق الجنوبي لدمشق وموكب لضباط كبار بالحرس ما أدى إلى مقتل خمسة منهم رغم الإعلان فقط عن الأرفع رتبة بينهم، والذي من الصعوبة بمكان إخفاء مقتلهم مع  استيعاب إيران لحقيقة أن إسرائيل انتقلت درجة في استهدافها وأدواتها. ومن هنا سعيها للرد ولو الخجول عبر فصائل فلسطينية مع حذر من الردّ المباشر سواء من إيران أو حزب الله، لا من لبنان ولا حتى من سوريا نفسها حيث تتلقى إيران الضربات.

في الأسبوع الأول من أبريل/ نيسان جرى كذلك استهداف معسكر الضبعة بريف حمص التابع  لحزب الله والذي يعتبر أحد أكبر قواعد تمركز الحزب لا التموضع ببعده الإستراتيجي.

ومنتصف الشهر نفسه جرى الردّ على إطلاق لواء القدس صواريخ هزلية من الجولان بحجة الرد على اقتحام جيش الاحتلال للمسجد الأقصى المبارك عبر استهداف جوي إسرائيلي مباشر لمواقع النظام بالمنطقة الجنوبية بما فيها مقر قيادة الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد.

شهد الأسبوع الأخير من نيسان/ أبريل كذلك قصفاً مدفعياً وصاروخياً إسرائيلياً مرتين على الأقل استهدف مواقع لإيران وميليشياتها وذراعها المركزية حزب الله بالمنطقة، وهذا الأمر أي استخدام المدفعية نادر وقليل الحدوث مع اعتماد إسرائيل سلاح الطيران بشكل رئيسي طوال السنوات الماضية استغلالاً للتفوق الجوي التقليدي، واطمئناناً لعدم وجود مضادات جدّية سوى تلك الدعائية التابعة لوكالة سانا والحشد الشعبي الإعلامي الإيراني الناطق بالعربية.

إذن، لا شك أن الغارات والهجمات الأخيرة تندرج بشكل عام ضمن قاعدة وعنوان استهداف التموضع الإستراتيجي الإيراني لمنع إقامة بنى تحتية عسكرية أو علمية، لكن الجديد فيها كان الاستهداف الذي بدا أقرب إلى الاغتيال والتصفية لضباط إيرانيين، ثم لأحد أكبر معسكرات حزب الله كردّ مباشر على تفجير جنيد بفلسطين المحتلة - منتصف آذار/ مارس - واتهام إسرائيل حزب الله بالمسؤولية عنه ولو من خلال إرسال مواطن فلسطيني لنفي المسؤولية والتهمة عنه.

أما استهداف مسؤولي وضباط الحرس فقد جاء كما تقول وسائل الإعلام العبرية ردّاً على العملية الإيرانية الفاشلة لتفجير مطعم يهودي في العاصمة اليونانية أثينا مارس/ آذار الماضي أيضاً.

التحوّل الكمّي ومضاعفة الهجمات والضربات لتصبح نصف أسبوعية تقريباً مرتبط كذلك باستغلال إيران فاجعة الزلزال لإرسال مزيد من الأسلحة والمستلزمات العسكرية إلى مواقعها وحلفائها بسوريا، كما قال تقرير وكالة رويترز نقلاً عن مصادر إسرائيلية وإقليمية وغربية مطلعة.

إلى ذلك يجب الانتباه إلى معطى مهم جداً يتمثل بسعي إسرائيل لإبقاء المعركة مع حزب الله في سوريا فقط، مع تحاشي فتح الجبهة اللبنانية الهادئة منذ حرب تموز/ يوليو 2006 - علماً أن معادلة لنتقاتل في سوريا هي لحسن نصر الله نفسه، وكان طرحها ضد خصومه المحليين في لبنان الرافضين لانخراطه إلى جانب نظام الأسد في قمع ثورة الشعب السوري.

أما الحرب ضد إيران فتطال المنطقة كلها، حيث تبدو المعركة الإسرائيلية مفتوحة بما فيها العمق الإيراني نفسه كما تباهي إسحق هنغبي - مستشار الأمن القومي - ذات مرة بقوله إن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تكيل الضربات لإيران مباشرة وبحرية بطول وعرض المنطقة دون أن تجرؤ هذه الأخيرة على الردّ.

من نافل القول، الإشارة إلى التغطية الأمريكية الروسية للتحوّل الكمّي والنوعي الإسرائيلي، مع سعي تل أبيب لإبقاء الخطر الإيراني بدائرة الاهتمام للفت الانتباه عن ممارسات الاحتلال بفلسطين، بينما الاستهداف المتعمّد والموسع بل التنكيل بإيران يهدف كذلك إلى توسيع دائرة التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية ولو بشقه الأمني التكنولوجي لمواجهة الأخطار الإيرانية.

لا يمكن بالطبع ولو نظرياً استبعاد العامل الإسرائيلي الداخلي وراء التحوّل الكمّي والنوعي، علماً أن القرار يعود أساساً للقيادات العسكرية والأمنية المعارضة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والحريصة على إبعاده ومنعه من استغلال المستجدات والتطورات الأخيرة للهروب من مأزقه الداخلي باتجاه غزة أو حتى لبنان، حيث الحفاظ على التهدئة مع تغليب احتمال الردّ الأمني هناك إلى جانب العسكري والعلني في سوريا، حيث الساحة المستباحة بالنسبة لإسرائيل.

في الأخير، لا بد من التذكير أنه ورغم البروباغندا الدعائية لإيران إلا أنها عجزت عن الردّ الجدي والمباشر، ولذلك طلبت من فصائل فلسطينية الردّ من لبنان وحتى من غزة، بينما فضح الردّ من سوريا المشهد كله وواقع إيران وحلفائها برمته حيث جاء هزيلاً وسقطت الصواريخ المهترئة بالمناطق المحررة بالجولان بسوريا نفسها وحتى في الأردن، ثم سحب لواء القدس الذي تبنى العملية مسؤوليته، علماً أن بيان التبني كان قد صدر أساساً عن "الميادين" القناة المركزية للحشد الشعبي الإعلامي الإيراني الناطق بالعربية، وذلك خضوعاً وتماهياً مع معادلة الردّ الإسرائيلي على النظام نفسه ورموزه ومواقعه المركزية باعتباره المسؤول ولو نظرياً عما يجري بالمناطق الخاضعة لسيطرته.

التعليقات (1)

    هبه

    ·منذ سنة 5 أيام
    ديوث من يدافع عن بني صهيون ومن يفرح بضربات إسرائيلية على أرض عربيه تحت شعار مكافحة التمدد الايراني .مجرد عملاء
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات