لماذا يستهدف نظام أسد المنظومة القيمية المجتمعية؟.. العيد بوصفه معياراً للتغيّرات

لماذا يستهدف نظام أسد المنظومة القيمية المجتمعية؟.. العيد بوصفه معياراً للتغيّرات

أطلّ رأس النظام صبيحة عيد الفطر هذا العام من جامع أبيه المسمى "جامع القائد الخالد حافظ الأسد" متعمداً بذلك توجيه رسائل بأنه مستمر على ثوابت العائلة الحاكمة منذ الحركة التصحيحية العام 1970 ليس فقط في قتل كل من يعارضه، بل مواصلة تفكيك وتغيير البنى الاجتماعية ومنظومتها القيمية.

لم يدل بشار الأسد بتصريحات صبيحة العيد بل فرض على مؤسسته الدينية الحديث بما يريد نيابة عنه بتأكيد نهجين سياسيين مستمرين؛ الأول: الشعب الصبور على الظروف القاسية والتفافه حول جيشه الباسل الذي انكسرت على صخرته أعتى جيوش العالم ودماء "الشهداء" بحسب ما جاء في خطبة العيد التي ألقاها الشيخ الدكتور خضر شحرور مدير أوقاف ريف دمشق والثانية ما أسماها بـ "حكمة القائد والدعاء بأن يسدد الله خطاه".

الشعب الصبور

لا تحمل عبارة الشعب الصبور مديحاً أو كما تبدو "عيدية معنوية" من بشار للأهالي في مناطقه، إنما تفرض أمراً رئاسياً ملزماً بأنه ليس أمامهم سوى الصبر والتأقلم مع واقع الحال الذي لا أفق لحل له، وليس هناك رغبة لدى النظام بتحمل مسؤولية ما آلت إليه أوضاعهم ولا سيما ما يتعلق بالأزمة المعيشية الآخذة بالتدهور مع انعدام الأمن الغذائي لأكثر من نصف السكان، وتجاوز 90 بالمئة من السكان خط الفقر. 

مؤسسة النظام الدينية ومن ضمنها مدير أوقاف ريف دمشق الذي تحدث بشار الأسد بلسانه عن حكمته وصبر الأهالي كان سبقه مع بداية شهر رمضان وزير الأوقاف محمد السيد الذي مهد لتلك التعليمات بأن النظام ليس مسؤولاً عن حل الأزمات المعيشية، إذ دعا أصحاب الأموال والتجار لبذل أموالهم للتخفيف من معاناة الفقراء والحد من تأثير الأزمة العالمية والحصار بحسب تعبيره.

كلام وزير أوقاف النظام استتبعته وسائل إعلام النظام بينها صحيفة تشرين بدعوة الأهالي للتأقلم مع الظروف المعيشية المؤلمة على الرغم من إقرارها بغياب البهجة عن العيد، مع عدم قدرة الأسر على شراء ملابس جديدة أو تأمين بعض الحلوى لأطفالها، وأما كيفية التأقلم فيشرحها رئيس الجمعية الحرفية لصناعة البوظة والحلويات بسام قلعجي بأن تقوم العائلات بتصنيع الحلويات في البيوت، تخفيفاً للتكاليف والأعباء المادية، فيما يعلق موقع سناك ساخراً بأنه قياساً على ذلك بإمكان الأهالي زراعة الخضار والفواكه في منازلهم وتربية المواشي لتوفير اللحوم وحياكة القطن لتأمين الملابس. 

صمود إستراتيجي

صبر الأهالي على ظروفهم أو ما يُسمّيه بشار الأسد الصمود وأسمته في وقت سابق مستشارته لونا الشبل الصمود الإستراتيجي وترجمته نيابة عن رئيسها بشكل صريح بأن أحداً لم يطلب من الأهالي هذا الصمود بل كان دافعاً ذاتياً تلقائياً، ما يعني أن النظام يريد من الأهالي أن يصبروا ويتحملوا، والهدف من كل ذلك هو استمرار الأوضاع الاستثنائية وفرضها كقاعدة.

وقبل حديثه عن الصبر والصمود كان النظام أغدق على الأهالي الوعود خلال السنوات التي سبقت إعلانه "انتصاره" في العام 2018 بانفراج شامل وحلول لجميع الأزمات بهدف الاستمرار في حشدهم ودعمهم له في حربه لكن ما حدث منذ ذلك العام هو أنهم ما زالوا يعيشون صدمة ما بعد الحرب وسط هدم اقتصادي واجتماعي، ولا يزال يضع الأهالي في ظروف أشد قسوة من ظروف الحرب، على الرغم من أموال هائلة تتدفق عليه وعلى أمراء حربه لعل أقلها اتجاره بالكبتاغون الذي تقدر عائداته منه سنوياً بـ 5.7 مليارات دولار بحسب تقارير غربية.

والنظام الآن يعلنها صراحة أنه معنيّ فقط بتدعيم وضعه سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعلى الأهالي أن يتحملوا مسؤولية تلك الأزمات وينتهز أهم المناسبات وبينها شهر رمضان المبارك وعيد الفطر لتوجيه رسائل عبر مؤسسته الدينية مستغلاً من خلالها الدين أو موظفاً له باعتباره أحد أبرز ركائز المنظومة القيمية المجتمعية، وهدفه الرئيس من ذلك تغيير المسار العام باتجاه الولاء والطاعة مع ما يعنيه ذلك من الاستمرار بتهديم تلك المنظومة. 

مسؤولية النظام

وبحسب المحلل الاقتصادي رضوان الدبس، فإن النظام عمد في المدة الآخيرة للترويج بأن الرئاسة ليس لها علاقة بأي أزمة، إنما الأمر عند الضرورة ممكن أن تتحمله مؤسسات أخرى مثل وزير أو مدير مدرسة أو غير ذلك، ولفت الدبس إلى أن أي رجل دين يتبع المؤسسة الدينية التي يسيطر عليها النظام لا يستطيع أن يتحدث إلا بما يريده النظام تلقيناً صريحاً.  

وقال الدبس إن النظام يعمد إلى تغييب الدين بما يحمله من قيم أخلاقية عن المجتمع وتجييره من خلال المؤسسة الرسمية التي تتبع له لتحقيق أهدافه ومصالحه، ولا سيما بعد أن أزال منصب المفتي واستبدله بمجلس فقهي، الذي انحسر دوره فقط بما يخدم النظام وضمن أجندته في مختلف المجالات، مشيراً بهذا الصدد إلى ما يبث في إعلام النظام من برامج وأعمال لا يتقبلها الدين ولا تنسجم مع قيم مجتمعنا.  

المنظومة القيمة الاجتماعية 

تنعكس الأزمات المعيشية بشكل سلبي وقاس سريعاً على الأفراد ومؤسسات المجتمع بدءاً من مؤسسة الأسرة وتتهدد مع استمرارها وتفاقمها المنظومة القيمية للمجتمع مع ما تحمله من تغييرات في السلوك الاجتماعي وتحوّل ما كان "حالة" إلى "ظاهرة" مثل المخدرات والجريمة وغيرها بسبب الفقر والهجرة وموت المعيل، وعوامل أخرى. 

تلك الحالات لم تكن لتصل إلى مرحلة الظواهر السلبية لولا التخطيط الممنهج الذي اتبعه النظام، وأدواته في تنفيذ ذلك هم الرعاع والمنبوذون وأصحاب السوابق والمجرمون الذين أطلقهم يعبثون في المجتمع، وقبل ذلك كانت جميع مراسيم العفو تفرغ السجون من المجرمين ليتم ملؤها بأصحاب الرأي والسياسيين وتسليط أولئك المجرمين على رقاب الناس وإطلاق يدهم في المجتمع ضمن تشكيلات تابعة للنظام مثل الدفاع الوطني أو عصابات أخرى تمتهن النهب والتعفيش وقتل وملاحقة الشرفاء. 

تفكيك المجتمع

وهدف النظام من خلال ذلك زديادة تفكيك المجتمع من أجل شل القدرة على التفكير في الشأن العام وجعل الهم الأساسي منصباً على لقمة العيش بحسب ما يقوله الدكتور طلال المصطفى الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، ويشرح ذلك بأنه منذ انطلقت الثورة السورية اتضح للنظام أنه على الرغم من الاستبداد الذي كان يمارسه طيلة العقود السابقة تبين له أن هناك علاقات اجتماعية ما تزال متينة، خاصة أن الثورة حفزت قيماً اجتماعية كان اطمأن إلى أنه نجح في تنحيتها، ولكن تبين له أن الركائز الأخلاقية التقليدية للمنظومة القيمة ما تزال قائمة في المجتمع. 

ويضيف الدكتور المصطفى، أن ما يفعله النظام الآن هو استمرار لسياسة ممنهجة تهدف إلى تفكيك تلك المنظومة وإشغال الأهالي بتأمين رغيف الخبز وشل قدرتهم على التفكير بالقضايا الوطنية والشأن العام، والهدف هو إحداث مزيد من التفكك لإطالة عمر بقائه في الحكم، أما الأدوات فهي الاستبداد السياسي عبر أجهزته الأمنية إلى جانب توظيف رجال الدين كأحد أجهزته الاستبدادية. 

العيد مساحة بيضاء

العيد ثابت في حضوره سنوياً، وهو معيار لقياس التحولات الاجتماعية وأساسها الأوضاع المعيشية، وينتظره الأهالي علّه يكون مساحة بيضاء لهم، وإن كان لساعات، يستجمعون فيها بعضاً من مفرداته القيمية، ولكن بصلاة بشار الأسد صبيحة العيد مع مؤسسته الدينية والأمنية ملأ تلك المساحة البيضاء بأوامر حول الولاء لحكمته والصبر على الأزمات المعيشية في إطار الاستبداد المستدام.

ولا شك أن النظام سعيد بمواصلة هدمه المنظومة القيمية الاجتماعية وهو يعتقد كما في السابق أنه نجح قبل الثورة في الحد من قوتها الاجتماعية، ويضعها الآن ضمن ملحقات انتصاراته السياسية، ولكنها ليست كذلك هي ثقافة وتقاليد وعادات مجتمع راسخة تخبو أحياناً بعض جوانبها بفعل الأزمات الكبرى، إلا أنها تبقى ثوابت تاريخية دينية قيمية راسخة والنظام يأتي عليها من باب الانتقام من الأهالي بهدف إفقارهم وقهرهم ومعاقبتهم على الثورة ضده. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات