زحمة أعياد واحتفالات: عيدك سعيد ومبارك أيُّها السُّوريُّ في حضن الوطن!

زحمة أعياد واحتفالات: عيدك سعيد ومبارك أيُّها السُّوريُّ في حضن الوطن!

كلَّما حلَّ عيدٌ جديد استحضر السُّوريُّون قول المتنبِّي الشَّهير:

عيدٌ بأيَّة حالٍ عدتَ يا عيدُ      بما مضى أم لأمرٍ فيك تجديد؟

لكنَّني أستشعر أرَقًا دفينًا في قول المتنبِّي بما لا يتناسب مع زحمة الأعياد الَّتي نعيشها-نحن السُّوريِّين-في وقتنا الرَّاهن، حيث تزامن صومنا وصوم سائر المسلمين مع أعياد آذار ونيسان المجيدة هذا العام؛ وتكلَّل صومنا بعيد شوَّال من جانب أوَّل، وغمرتنا أفراح يومنا الوطنيِّ وعيد استقلالنا عن الفرنسيِّين وجلاء جنود الاحتلال الفرنسِّين عن أرضنا من جانب آخر؛ لذلك سأستعير صوت شفيق جبري للتَّعبير عن فرحته بيوم الجلاء، وأروي لكم بعض شعره الَّذي أنشده حين رأى بأمِّ عينه جلاء المستعمر الفرنسيِّ عن سوريا في السَّابع عشر من نيسان 1946.م، حيث قال:

حلمٌ على جنبات الشَّام أم عيدُ   لا الهمُّ همٌّ ولا التَّسهيد تسهيدُ؟

أتكذبُ العينُ والرَّايات خافقةٌ      أم تكذبُ الأذن والدُّنيا أغاريد؟

آمل أن يكون عيد فطرنا، الِّذي نعيش أجواءه هذا اليوم، عيد فطرٍ سعيد حقًّا، وأدعوكم إخوتي السُّوريِّين للابتهاج بفرحته مع أهلكم وأطفالكم وذويكم وأصدقائكم جميعًا؛ إن كنتم في أرض الوطن، الَّتي لم يخرج أهلها من حضنه يوماً، أو كنتم في الأرض الَّتي عادت-مثل غيرها-إلى الأحضان، وأنصحكم في زحمة أعيادكم ألَّا تنتشوا بعيد ثورة الثَّامن من آذار على حساب فرحتكم بعيد شوَّال؛ لأنَّ انقلاب حافظ أسد في 16 تشرين الثَّاني 1970م، أعاد لعائلته احتكار اقتصاد سوريا، بعد أن أمَّمت ثورة آذار 1963م الأراضي، وبنت السُّدود والمعامل، وعبَّدت الطُّرق، وأنارت سوريا بالكهرباء، وقامت بأشياء يصعب حصرها في مقال قصير.

كذلك لا تسرفوا في فرحتكم بذكرى ميلاد الحزب العملاق في السَّابع من نيسان أيُّها الرِّفاق! لأنَّكم على موعد طويل مع الفرح للاحتفال بعيد الجلاء في السَّابع عشر من نيسان مرَّة، وللاحتفال بعيد الفطر غُرَّة شوَّال في الحادي والعشرين من نيسان مرَّة أخرى! وللاحتفال بالحلِّ السِّياسيِّ إن أثمرت الجهود العربيَّة في سوريا، احتفلوا بالعيدين على النَّحو الَّذي يدعو فيه كاظم السَّاهر أحبابه للاحتفال بالعيد! أو احتفلوا بالأعياد كلِّها! اغتنموا الفرصة، واقتنصوها، واحتفلوا بها! ولا تكونوا مثل خُرَيش، الَّذي أضاع على نفسه نشوة صيد الخراف حين تكاثرت عليه ذات مرَّة! عبِّروا عن بهجتكم! ولو رأيتم علماً أجنبيًّا لروسيا أو غيرها أغمضوا عيونكم قليلًا كيلا تتبدَّد فرحتكم! ولو شاهدتم شعاراً طائفيًّا من شعارات الميليشيات المنتشرة في كلِّ شارع أو زقاق! اعتبروها دليلًا على الوحدة الوطنيَّة؛ لأنَّنا في أمسِّ الحاجة لهذه الوحدة ولأفراحها بعد شقاء طويل! وكذلك لديَّ بشرى لكم؛ أرى فيها بوادر حلٍّ أو عيداً حقيقيّاً انتظرناه طويلًا!

الانفتاح العربيّ عيد آخر:

يبدو الانفتاح العربيُّ كبيرًا هذه المرَّة؛ وأعني به انفتاح العرب على سوريا والشَّعب السُّوريِّ وقياداته الموالية والمعارضة داخل سوريا وخارجها حرصاً منهم على وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وحرصاً على الدَّمِ السُّوريِّ، الَّذي سال منه الكثير تحت البراميل، وتفاعلت قطراته مع غازات الكلور والسَّارين؛ لذلك لا بدَّ من الانفتاح لحقن ما تبقَّى من دماء العروبة في عروق السُّوريِّين والمشاعر الإنسانيَّة في شرايين ساسة العالم؛  حتَّى وإن قاد هذا الانفتاح للحوار مع المجرم بشَّار الأسد؛ رأس النِّظام الكيماويِّ وعبقريِّ البراميل المتفجِّرة، الَّذي تبجَّح مرَّة بصيد السُّوريِّين المطالبين بحقوقهم في مظاهرات الكرامة ببنادق العساكر دون حاجة للكيماويّ والصَّواريخ والبراميل المتفجِّرة، وحاول أن يتملَّص من استخدامها دون مبرِّر؛ لأنَّ البنادق والدَّبَّابات تكفي لقتل السَّوريِّين من وجهة نظره، لكنَّ كاميرات الشُّهداء والمراقبين-وبرغم صفاقة وجه بشَّار الأسد-وثَّقت صور البراميل المتفجِّرة والصَّواريخ، الَّتي تسقط على رؤوسهم وبيوتهم؛ فهل صار بشَّار الأسد بعد جرائمه كلِّها جزءاً من الحلِّ؟ وهو أُسَّ المشكلة وأساس الخلافات العربيَّة كلِّها بسبب ارتمائه في الحضن الإيرانيِّ، وهو الَّذي كرَّس الخلافات العربيَّة يوماً بعد يوم بجرائمه وخطاباته الصِّبيانيَّة في قمَّتَي: (بيروت والدَّوحة) وقمَّة دمشق الَّتي قطع بها آخر خيط يربطه بالعرب، وعقدها تحت شعار (بمن حضر)، إرضاء لإيران والإيرانيِّين.

عيد سوريٌّ في حضن الوطن وعيد آخر في حضن العرب:

يحبُّ كلُّ إنسان وطنه الَّذي وُلد فيه، ويتعلَّق به كتعلُّق الطِّفل بحضن أمِّه، وهكذا تعلَّق السُّوريُّون مثل غيرهم بحضن وطنهم، وأحبُّوه برغم فساد عائلة الأسد، الَّتي حوَّلت هذا الحضن إلى مزرعة خاصَّة، وحوَّلت خدمة العلم فيه إلى خدمة مزرعة المجرمين الخاصَّة، وأعطت الضُّبَّاط الفاسدين من الموالين للهم ولقائدهم المجرم بشَّار الأسد حقوق الانتفاع بجهود العساكر المجنَّدين لخدمة الوطن، فصاروا عمَّالًا في مزارع الضُّبَّاط الفاسدين بعدما أكَّدت الأحداث وغارات إسرائيل المتكرِّرة أنَّ مهمَّة التَّجنيد والجيش السُّوريِّ كلِّه تنحصر في الاحتفاظ الأبديِّ بحقِّ الرَّدِّ على إسرائيل وقصف المتظاهرين والمدنيِّين بالكيماويِّ والبراميل أثناء المظاهرة أو عند عودتهم إلى بيوتهم، وبرغم كلِّ هذا، ظلَّ السُّوريُّون متعلِّقين بحضن الوطن، وداوموا على إرسال أبنائهم إلى الخدمة العسكريَّة والتَّجنيد، وهم العارفون أنَّ أبناءهم لا يخدمون الوطن، وإنَّما يخدمون ثُلَّة من الفاسدين من خدم العائلة المجرمة في مزرعتها.

يحتفل اليوم كثير من السُّوريِّين بعيدهم في بلدان الشَّتات ومخيَّمات النُّزوح، وأحوال المقيمين في حضن الوطن أسوأ من أحوال النَّازحين والمهجَّرين بكلِّ تأكيد، ومع ذلك يظلُّ احتفال السُّوريِّين مع بعضهم في وطن آمن حلمًا يداعب ذكرياتنا الجميلة، وربَّما تكون الرَّغبة باسترجاع هذه الذِّكريات الجميلة مبرِّر العرب الأبرز للمبادرة في صياغة حلٍّ سياسيٍّ في سوريا، يُعيد السُّوريِّين إلى حضن وطنهم، ويعيد سوريا إلى حضنها العربيِّ بعد أن بال المجرم بشَّار الأسد في الحضنين ألف مرَّة ومرَّة، ولا يبدو لي أنَّ شيئًا تغيَّر في عادات المجرم وسلوكه غير ضعفه الظَّاهر للجميع؛ لأنَّ قوَّة الشَّعب لا تُقهر، ولو طبَّعت معه دول العالم كلُّها، ولو رجعنا إلى حضن وطننا بعد تطبيع، لا نريده، ولا نتمنَّاه، سنحتفل بعيدنا على طريقتنا المفضَّلة، وسنرجع إلى ساحات التَّظاهر مجدَّدًا، حتَّى نحصل على حرِّيَّتنا، ولن نرضى بأقلِّ من انتخابات ديمقراطيَّة نزيهة، لن يُشارك فيها أيُّ شخص تلطَّخت يداه بالدِّماء. 

لا شكَّ أنَّ حضن الوطن دافئ، لكنَّ قصف البيوت بالبراميل دفع النَّاس للنُّزوح والهجرة، وخلال أكثر من عشر سنوات انخرط السُّوريُّون في أسواق العمل في بلدان اللُّجوء رغبة منهم بالعيش الكريم في كلِّ مكان، ولا يخفى على أيِّ متابع أنَّ رأس المال البشريِّ هو أكبر رأس مال، وهنا تكمن أكبر خسارات المجرم بشَّار الأسد، الَّذي خسر السُّوريُّين كلَّهم؛ مَن قصفهم ببراميله، ومَن قُتل وهو يقصف أهله، ومَن هاجر هربًا من القتال، ومن بقي في بيته يراقب القاتل المجرم، ويحلم برحيله في أسرع وقت ممكن. خسر المجرم قسماً كبيرًا من المهاجرين السُّوريِّين الَّذين راحوا يعمرون البلدان الَّتي نزحوا إليها مقابل العيش الكريم، وخسر كذلك من كان يُقدِّمهم عساكر لضبَّاطه الفاسدين؛ ولأنَّ الأرض لا تُعمر دون موارد بشريَّة، ستفشل كلُّ محاولة غير عادلة للانفتاح أو التَّعويم، وهناك تقارير كثيرة تُرجع سقوط الدَّولة العثمانيَّة-على سبيل المثال-إلى خسارة الموارد البشريَّة وهجرة رعايا الدَّولة العثمانيَّة منها، والسُّوريُّون الَّذين هاجروا بسبب ظلم بشَّار وجرائمه لن يعودوا إن بقي في سوريا؛ وسيكونون مكسباً حقيقيًّا لأيِّ دولة استقبلتهم وأكرمت مثواهم؛ ولأنَّ محاولات تعويم المجرم ستفشل حتماً، يحتفل السُّوريُّون اليوم بعيدهم أكثر من أيِّ وقت مضى، وسيحتفلون بأعيادهم في كلِّ وقت بعيداً عن بشَّار وجرائمه، وإن أسفر هذا الحراك العربيِّ المشكور عن إزاحته أو محاكمته سيحتفلون في أقرب وقتٍ وأقرب عيدٍ بهيج في حضن الوطن الخالي من المجرمين.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات