حواجز دمشق أمام فيصل بن فرحان!

حواجز دمشق أمام فيصل بن فرحان!

لم تنجح سوريا بنظامها السياسي القائم إلا في أن تكون سجناً، مدنها مجرّد مآزق للتوقف الطارئ، أو مجرّد محطات انتظار يواصل قاطنوها المواظبة على الأكل واستعمال دورات المياه يوماً بعد يوم كعمل حميم لا يجيدون غيره، الباقون فيها هم العاجزون عن مغادرتها، إما لأنهم قد كبروا في السنّ، أو لأنهم مطلوبون لخدمة بشار العسكرية، أو لأنهم خائفون من الاعتقال على أحد الحواجز الكثيرة الممتدة كهذيان بلا نهاية، أو لأنهم لا يمتلكون أصلاً كلفة الارتحال والانعتاق من سجنهم ذاك.

يحكم نظام بشار إذاً أناساً مسجونين، محكومين بالسبات والنسيان، وهذان نوعان فريدان من الأعمال الشاقة المؤبدة التي لا تغادر يوميات السوريين وزنازينهم، عليهم فقط أن يحزروا مدّة سجنهم المتبقّية، وأن يمتنعوا عن تقليد مها الحموي وهي تغني شارة مسلسل الزند ذئب العاصي، حتى يتمكنوا من إدراك مفهوم الغيب بلا مشقّة، أو ارتكاب أيّة معصية كما شرحه لهم بإسهابٍ نادر الفقيهُ رامي مخلوف مؤخراً عبر حسابه الرسمي على فيس بوك.

حواجز دمشق هكذا ينتقم النظام!

الحواجز الكثيرة التي غرسها النظام السوري داخل المدن التي يسيطر عليها، أو على الطرق الدولية التي تربط بين تلك المدن هي تدوينٌ نفسيٌّ أصيل لسياسته في تمزيق البلاد، وعزل مكوناتها عن بعضها البعض، كان يترجم معنى عزلته الإقليمية والدولية من خلال خلق تلك الحواجز، فكلما نبذه العالم، وصار معزولاً أكثر، كلما ازداد رصيد حواجزه وتعددت مهامها، من الاعتقال التعسفيّ، إلى فرض الإتاوات على البضائع وجبايتها، إلى تسهيل حركة مرور المخدرات والأسلحة، وكلما صفعه العالم مرةً، نجده يصفع شعبه ألف مرّة، لقد صار نظامَ احتلال مباشر منذ زمن، يمارس كلَّ البشاعات التي يمكن ممارستها بحق السوريين الذين أبقاهم حظّهم العاثر داخل البلاد.

ومنذ بداية سطوع نجم "دبلوماسية الزلزال" تلك التي جعلت الأنظمة العربية تُطلُّ على سوريا من جهة أخرى، غير التي اعتادتها، وصولاً إلى زيارة فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي إلى دمشق مؤخراً، والنظام السوري لم يقم بأي إجراءٍ يدلُّ على ندم سياسي، أو على امتنان سياسي، فقط أزال أربعة حواجز من داخل العاصمة خلال شهر نيسان/ أبريل كان آخرها قبيل الزيارة السعودية المنتظرة، والتي تزامنت مع ليلة القدر، ربما حتى لا يتعثر بإحداها بصر الوزير الزائر فيصل بن فرحان أو ربما كي لا تتعثر قدماه، وكان حاجز ساحة الأمويين آخرها، وأكثرها إذلالاً لسكان العاصمة، وهذا يحيلنا مجدداً إلى ربط فكرة القطيعة العربية لنظام بشار مع فكرة القطيعة التي مارسها نظام بشار بحق شعبه، حواجزُ عربية كانت شاهقة الارتفاع بوجه نظام بشار، مقابل حواجزَ وضعها نظام بشار بوجه مواطنيه، وكانت بنفس الارتفاع تقريباً، وتلك معادلة لا تستنطق إلا النذالة واليأس والإحباط، تفعل ذلك، ولا تجيد فعل شيء آخر سواه.

الحواجز التي حبست نظام دمشق!

كلُّ الحواجز التي صنعها النظام بينه وبين جواره العربي والإقليمي، صارت نظاماً آخر يصعب تجاوزه إلى ضفةٍ آمنة، فنظام بشار عالقٌ داخل مساحةٍ خصبة من الحواجز التي افتعلها لأجل بقائه في السلطة، لا خيارات لديه بشأن المطالب السعودية، وهي مطالبُ المبادرة العربية ذاتها لعودة سوريا بنظامها الحالي إلى محيطها العربي عودةً آمنة، يحتاج بشار أن يثب فوق الحاجز الإيراني قبل كل شيء للموافقة على مكوّنات تلك المبادرة، وهذا صعب عليه، وربما شبه مستحيل، حتى وإن كان اجتيازه للحاجز الروسي سهلاً في هذا الخصوص.

كان سهلاً على النظام السوري أن يعتقل مواطنيه القاطنين في أماكن سيطرته طيلة العقد الماضي في سجنٍ كبير اسمه البعثيّ "سوريا الله حاميها"، وأن يحوّل حياتهم إلى جحيم كامل الأركان والتكوين، لكن، وفي آن، صار صعباً عليه اجتياز حاجز القرار السيادي المُصادر، فحتى إن كان بشار مستعداً لقبول بنود المبادرة العربية للتطبيع مع نظامه، لكنه وعملياً، يبدو غيرَ قادرٍ على تقديم موافقةٍ صريحة على ذلك، أمام وجهه يجثم الحاجز الإيراني الثقيل، فهذا التطبيع هو آخر ما ترغب إيران الموافقة عليه، أو قبوله.

عقيدة النظام السرطانية، القائمةُ على إمراض ما يحيطُها، وتلويثه، تستطيع اكتساب المزيد من التطور النظري فحسب، لكنها عقيدةٌ عقيمة، لا يناصرها أحدٌ باستثناء خالد العبود حين يؤكد بفراسته الاستثنائية أن نظام بلاده المريض يستطيع ملء الحيّز الذي تركته الولايات المتحدة الأمريكية حين انكفأت عن ممارسة أدوارٍ صريحة في المنطقة، يعتقد العبود بأن نظام بلاده بات قوّةً عظمى، وأن الإيراني والروسي هما تحت عباءته، وهذا يتطابق مع مفهوم الغيب، أو ربما العيب، الذي يبشّر به رامي مخلوف مؤخراً إن أحسنّا القراءة، وأحسنّا الفهم أيضاً، وفي كلتا الحالتين نحن نزدري أنفسنا، ونزدري الحواجز التي اعتقلتنا دون ضجيجٍ يُذكر.

   

التعليقات (1)

    عصام

    ·منذ سنة أسبوعين
    لك من الله ما تستحقين لا دين لمن لا حياء له
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات