لأنّ الأسباب مازالت قائمة الثورة قادمة

لأنّ الأسباب مازالت قائمة الثورة قادمة

أزعم أن كثيراً من السوريين اليوم يشعرون بإحباط كبير، ممزوج بخوف على مصيرهم ومصير عوائلهم في قادم الأيام، بعد عملية التطبيع المتصاعدة مع نظام الأسد، والتي تدفع بها ظروف موضوعية، تتعلق بالقوى الأساسية الإقليمية التي تسعى كل منها لتحقيق مكاسب ولو مرحلية من هذا التطبيع الذي قد ينتهي بعودة كرسي سوريا في الجامعة العربية إلى مندوب عن النظام الذي لا يمثل شعبه.

لأجل ذلك سنتجرأ لاول مرة، منذ تعثر الثورة قبل سنوات، على كتابة هذه السطور التي ظاهرها قاس لكن باطنها رحيم، لأقول أن إعلاناً عن نهاية الثورة الأم لهو أمر ضروري، لسبب وجيه، أن يتاح لأبنائها المتعلين المكلومين أن يرتاحوا، فالاعتراف بموت عزيز رغم أنه أمر صعب، غير أنه ضروري، على الأقل لتتلقى روحه دعوات المغفرة والترحم، ولنضع نفسنا في عداد البشر الذين تسري عليهم قوانين الطبيعة والقدر الإلهي الحق، فكلنا على هذا الطريق سائرون أفراداً وشعوباً، دولاً وكيانات سياسية وحركات اجتماعية وكذلك ثورات.. فالموت أمر طبيعي يجب الاعتراف به ومواجهته، وليست ثورتنا أول ثورة تصل إلى ختامها، دون أن تنجز مطالبها، كرهاً أم قدراً أم خدعة ... ومن غير الطبيعي أن يحتفظ أهل الثورة بجثتها في قلوبهم وعقولهم، فإكرام الميت دفنه...

ومن الطبيعي ألا يتجرأ أحد من أهل الثورة على هذه الخطوة، أقصد به الاعلان عن موت الثورة الأم سريريا، وسيتهم كل من يجرؤ على المطالبة بهذا الإعلان بخيانة دماء الثوار الشهداء ودم مليون سوري ضحايا النظام وحليفتيه إيران وروسيا، سيتهم بالعمالة، وبأنه ثوري زائف لم يدخل الإيمان قلبه... سيُتهم بالوصولية والمتاجرة بآلام وعذابات وتضحيات الثوار والشعب ..الخ

لكن مهلاً، يجب التوضيح أن الاعلان عن موت الثورة الأم ليس سوى تكتيك في إستراتيجية الصراع والبقاء والانتصار، تكتيك يتيح لنا التخلص من محمولات الماضي وهي محمولات يسودها وتطفو فوقها الآلام والخيبة والغضب، للتفرغ بذهن صاف وقلب ينبض بالأمل للبحث والتفكير والتخطيط لثورة جديدة.

إنما على صعوبة وأهمية الاعلان عن موت الثورة الأم، فهو ليس وحده المهم والصعب، رغم أنه سيمهد للتخلص من محمولات الماضي المعيقة للحياة، بل إن المهم أكثر هو معرفة دقيقة لمجريات ومفاصل الثورة الأم، واستخلاص الدروس وأهم العبر منها، لسبب قد يعتقده الكثيرون محض خيال وإسراف في الأمل والتفاؤل، أقصد به انتظار ثورة جديدة، فالمنطق يقول إن ثورة جديدة لا بد قادمة طالما أن الأسباب التي دفعت لانفجار الثورة الأم مازالت قائمة ..

سيقول قائل لقد تعبنا ولسنا حِمل ثورة جديدة، وهذا كلام حق، فمن دفع أثماناً باهظة ليس كمن كان وما يزال يتأمل الثورة من النافذة أو من وراء الشاشة.. لكن من قال لك يا أخي يا صديقي أنه مطلوب منك القيام بثورة جديدة؟ 
فمن المتعارف عليه أن جيلاً واحداً لا ينهض بثورتين، رغم أن ثورة واحدة قد تستهلك جيلين، من شعب ما ... لهذا فإن مهمة الجيل الذي صنع وعانى وعاش الثورة الأم هو تدوين تجربته بصدق، دون تزويق أو تزييف أو محاباة، تدوين متحرر من العاطفة والأيديولوجيا والظنون، وهذه مهمة تقع على عاتق المثقفين والكتاب الذين شهدوا الولادة وعاشوا المرحلة السلمية كما المرحلة العسكرية، وكانوا شهوداً وقريبين من مواقع القرار داخل كيانات الثورة في المرحلتين، ومن المهم القول أنه طالما كانت الشهادات صادقة ومطابقة للواقع فإن الدروس والعبر المستخلصة ستكون ذات فائدة للجيل القادم لتفجير ثورته في الزمان والمكان والظروف المناسبة، أما إن كانت المدونات غير صادقة أو تشوبها العاطفة والظنون والمحاباة فلن تكون ذات فائدة، بل ستكون مؤذية دون شك لجيلنا وللجيل القادم، حيالها يكون الصمت خيراً وأوجه.

فالصدق والواقعية أمران ضروريان للجيل القادم للسير بثورته المحتملة بشكل صحيح وعلمي، كيلا تكون الثورة القادمة نسخة طبق الأصل عن الثورة الأم، في حال كان الجيل القادم نسخة عن جيلنا، وهو مالا نريده للجيل القادم، بل نريده جيلاً أفضل من جيلنا ومن الأجيال التي سبقتنا... فيكون بإمكانه التخلص من محمولاتنا وموروثاتنا النفسية والعقدية والأيديولوجية التي كانت أحد أهم أسباب فشل ثورتنا، فلا ينفعنا وضع اللوم كله على النظام وحلفائه والظرف الدولي، وعلى الثورة المضادة وداعميها... الخ فالاعتراف بالمسؤولية أمر على غاية من الأهمية، وهو من شيم الرجال العقلاء على كل حال، وأما وضع اللوم كله على الآخرين فهو من صفات الشخصية غير المتوازنة المسحوقة أو المضطهدة..

وفي الختام لا بد من القول إن تعاقب الثورات أمر طبيعي لكن أن تكون ثورة محتملة قادمة نسخة طبق الأصل عن الثورة السابقة لهو أمر ليس طبيعياً وغير معقول..

التعليقات (3)

    عبد الهادي

    ·منذ سنة أسبوع
    التنظبر مافي أسهل منه وانت قاعد باوربه ، أنت تمثل نفسك فقط واترك السوريين عند باب الهوى ياكلو هوا

    سمر

    ·منذ سنة أسبوع
    الثورة قادمة لما الناس ترتاح

    نظام ارهابي

    ·منذ سنة أسبوع
    الثورة مستمرة حتى اسقاط النظام الارهابي
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات