" الدولة العثمانية العلية" من الحكم إلى الاحتلال.. 400 عام ولم يثر العرب

" الدولة العثمانية العلية" من الحكم إلى الاحتلال.. 400 عام ولم يثر العرب

إن تاريخ الدولة العثمانية طويل وحافل بالأحداث، فيجد القارئ لتاريخها نفسَه أمام انتصارات كبيرة وعظيمة في عهد قوتها وعنفوانها، وانكسارات كبيرة وعظيمة أيضاً في عهد تراجعها وضعفها حتى انهيارها.

ولأننا نحن - العرب - كنا جزءاً مهمّاً من شعوب هذه الدولة، لذا كان لزاماً علينا معرفة التاريخ الحقيقي لهذه الدولة الإسلامية بعيداً عن التعصّب القومي الذي نشأ في آخر عهدها على يد القوميين الأتراك من جماعة الاتحاد والترقي، ما أدى إلى ردة فعل من القوميات الأخرى وخاصة القومية العربية، لتكون هذه الحركة والحركات المضادة لها قاصمة الظهر لهذه الدولة بعد أن عمل الغرب بكل قوته على إضعافها، فسمّى أملاكها  "تركة الرجل المريض" ليصل إلى مرحلة إنهائها وسلب هذه الأملاك في الشرق والغرب.

إنّ كتاب "تاريخ الدولة العثمانية العليّة" للكاتب المصري "محمد فريد بك" وكيل النائب العمومي للمحاكم الأهلية وأحد أعضاء الجمعية الجغرافية الخديوية، مكتوب بخط اليد ويصل عمره إلى مئة وخمسين سنة تقريباً، قام بتحقيقه ومراجعته علي صالح الجاسم، وكان لدار موزاييك للدراسات والنشر السبق في تبنّي هذا الكتاب وطباعته ليصل إلى القارئ العربي بحلة جميلة من القطع الكبير، فقد صدر هذا الكتاب في الأشهر الأخيرة من سنة 2022.  

ولا شكّ أن تحقيق أيّ كتاب مخطوط قديم يحتاج إلى دقة في العمل وجهد ذهني مركز وصبرٍ وأناة كبيرين حتى تستطيع الوصول إلى الغاية والهدف الذي تبتغيه من عملك.

إنّ الكتاب الذي بين أيدينا يحكي قصة الدولة العثمانية من تأسيسها حتى القرن التاسع عشر، أي إلى ما قبل سقوطها بخمسين سنة تقريباً، وبعبارة أدق إلى تاريخ معاهدة برلين المؤرخة بالثالث عشر من تموز عام 1878م.

إن هذه الإمبراطورية العظيمة تحاكي نشأة الإنسان، فمن الطفولة إلى الشباب والقوة الجبّارة إلى الكهولة والضعف ثم إلى الشيخوخة والفناء، وإن علاقتنا نحن – العرب – بهذه الدولة العظيمة علاقة عميقة امتدت إلى أربعة قرون وأكثر قليلاً، لذلك من المستحسن أن يعرف العربي تاريخ هذه الدولة كونه جزءاً من تاريخها، خاصة أن التيّار القومي العربي عموماً حاول في أدبيّاته أن يصوّر هذه الدولة بالمحتلة، وراح يحاول تثبيت هذه الحقيقة في أذهان الشباب العربي على مدى مئة عام من خروجنا كعرب من حكمها ونيلنا استقلالنا بعد ما اصطُلِح عليه ثورة الشريف حسين عام 1916.

 وأنا هنا لست في صدد إثبات صفتها هذه أو نفيها، لكني أتساءل كيف لأجدادنا أن يتحمّلوا ظلم أربعمئة سنة ولا يثورون طالبين للاستقلال إلا في الخمسين السنة الأخيرة التي اتفق مع التيار القومي العربي ومعي الكثيرون في كون الدولة العثمانية قد تحوّلت إلى دولة احتلال في أواخرها في القرن الأخير الذي حكمتنا فيه عندما سيطر التيار القومي الطوراني التركي على قرار الدولة وصادره، وقدّم العنصر التركي على غيره من شعوب الدولة العثمانية.

وأقصد هنا "جمعية الاتحاد والترقّي" التي كان أغلب أعضائها ينتمون إلى الحركة الماسونية، وقد تحوّلت هذه الجمعية فيما بعد إلى حزب يميني متطرّف، فما كان من القوميات الأخرى في الدولة وأبرزها العرب إلا أن برز لديها الشعور القومي كردة فعل على ما كان ينادي به هذا الحزب من تمييز للعنصر التركي وفرض سياسة التتريك على شعوب الدولة العثمانية، والذي أنتج فيما بعد مصطفى كمال أتاتورك ملغي الخلافة ومؤسس الجمهورية التركية الحديثة.

 لغة عربية ركيكة

ولقد لاحظت في هذا الكتاب المخطوط أنه مكتوب بلغة عربية ركيكة يحتوي في عباراته على الكثير من الأخطاء اللغوية، فقمت بتصويبها في هذه النسخة الحديثة أولاً بأول، ولم أتركها كما هي حفاظاً على ذائقة القارئ الكريم واحتراماً للغتنا الكريمة لغة الضاد المحفوظة بوعد الله في حفظه كتابه العزيز " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".

كما إن المؤلف رحمه الله قد استخدم بعض الكلمات التركية بحرفيتها، فقمت بترجمتها في أسفل الصفحة الواردة بها أوّل مرة، حيث إنّ الكلمة نفسها قد تم تكرارها عشرات المرات بعد ذلك.

ولقد وردت عند المؤلف رحمه الله معلومة تاريخية على الهامش حول الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور أحسبها خطأً منه أو سهواً، خاصة إذا كان رحمه الله يملي الكتاب شفاهاً على كاتب من الكتبة، وإني أرجّح ذلك لكثرة الأخطاء اللغوية، ولوجود حرفين في نهاية أغلب الفقرات بهذا الشكل (اهـ)، وهذا باعتقادي أن المؤلف وهو يملي يتلفّظ بها عند انتهائه من فكرة، فيقوم من يملي عليه بكتابتها كما سمعها منه، وهي لا علاقة لها بسياق الكلام مطلقاً.

وبالنظر إلى السياق الذي عالج فيه الكاتب محمد فريد بك الأحداث متسلسلة منذ التأسيس على يد عثمان بن أرطغرل حتى الوصول إلى مرحلة الضعف والتراجع، فقد يلاحظ القارئ الكريم في قراءته للكتاب، أن هذه الدولة بلغت أوج قوتها وجبروتها على الشرق والغرب في عهد السلطان سليمان القانوني، وأن بداية التراجع بدأت باستلام ابنه السلطان سليم الثاني العرش بعد سيل من المؤامرات والدسائس بين الإخوة الأمراء ونساء الحرملك.

القيادة الحكيمة

ولولا المؤامرة التي حيكت حول الأمير مصطفى بن السلطان سليمان القانوني البكر، فأدّت إلى إعدامه بأمر من والده السلطان، والذي كان يتصف - أي الأمير مصطفى - بالقوة وبكل صفات القيادة الحكيمة، الأمر الذي كان سيجعل الدولة العثمانية تستمر في قوتها واتساعها ولربما زادت على ذلك على يديه لمدة لا تقل عن مئة سنة أخرى، إلا أن القدر لم يمنح هذا الأمير الشجاع العمر المديد حتى يستلم العرش بعد أبيه، فكان من نصيب أخيه الأصغر سليم الثاني الذي لم يكن يتصف بالصفات الكافية التي تؤهله للاستمرار على نهج أبيه والعمل على تثبيت قوة الدولة واتساعها، فكانت النتيجة أن بدأت في عهده سلسلة التراجع وإن بشكلٍ بطيء جداً، ما دعا إلى أن يستغرق ذلك قروناً من الزمن حتى آلت إلى السقوط أخيراً في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. 

ولعله لا يسعني في هذا المقام الجليل أخيراً إلا أن أقول إن هذا الكتاب بما يحويه من معلومات تاريخية قيّمة حول الدولة العثمانية كتابٌ مهم، ومهم جداً لمن أراد أن يطّلع على تاريخ هذه الدولة العظيمة التي حمت بيضة الإسلام قروناً طوالاً وحملت لواءه عالياً عزيزاً كريماً، ما جعلها عرضة للمؤامرات الغربية التي حمل لواءها الصهاينة وأرباب المال من يهود العالم، حتى استطاعوا أخيراً تفكيكها وتقاسم أملاكها.

وإن كان هناك من فخرٍ يمكن أن تباهي به هذه الدولة بعد قرن على تفكيكها هو رفض سلطانها عبد الحميد الثاني (1842م – 1918م) التنازل عن فلسطين لتصبح وطناً لليهود مقابل دفع كل ما على الدولة من ديون، إلا أنه رحمه الله أبى أن يلتصق هذا العار باسمه وأسماء أجداده من سلاطين الدولة مدى الدهر، فكانت النتيجة خلعه ونفيه عام 1909م بعد بقائه في الحكم مدة ثلاثٍ وثلاثين سنة، ثم انتهى المطاف بالدولة العثمانية أخيراً إلى سلبها كثيراً من أملاكها بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وإلغاء الخلافة على يد مصطفى كمال أتاتورك، وتأسيس الجمهورية التركية الحديثة عام 1923م، والتي اقتربت من إتمام المئة سنة من عمرها، والذي سيحلّ قريباً. 

التعليقات (3)

    محمد الابراهبم

    ·منذ سنة أسبوع
    أي اغتصاب لبلد أو شعب بدون ارادته هو احتلال مرفوض مهما كانت مبرراته المعلنه دينيه او قوميه وجب مقاومته

    Guest

    ·منذ سنة 6 أيام
    بدايه ونهاية دولة احتلال قائمة على قتل الأب لأبنه والأم لوليدها من أجل التربع والهيمنه على السلطه باسم الخلافه الكاذبه

    رمضان

    ·منذ سنة 6 أيام
    اسأل الله تعالي ان يجعل الحكم بشريعته يعود لنا كما كان
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات