الثورة السورية الضامن الأخير للأمن العربي المطبّع مع المشروع الإيراني وأدواته

الثورة السورية الضامن الأخير للأمن العربي المطبّع مع المشروع الإيراني وأدواته

كانت ولا زالت تلك المصطلحات الرنانة التي تتردد باستمرار على مسامع الشعوب العربية عن التضامن الإقليمي العربي والأمن القومي العربي ومواجهة المشاريع المعادية.. مجرد كلام مرسل لا قيمة فعلية له، جسّدها الواقع الذي تعيشه البلاد العربية اليوم ومنذ عدّة عقود، أمام التحديات التي واجهت البلاد العربية، كالمشروع الصهيوني سابقاً والمشروع الإيراني حالياً.

اليوم، مع تسارع الأحداث السياسية في ملفات المنطقة الساخنة، تم استحضار هذه العبارات مجدداً كمسوّغ للتوجهات العربية الجديدة، وآخرها كان بتوجه للملكة العربية السعودية بالتطبيع مع نظام الأسد، الذي لا يرقى لأن يكون حالياً أكثر من ميليشيا ضمن عشرات الميليشيات الإيرانية التي دمّرت العراق ولبنان واليمن وبطبيعة الحال سوريا.

يمثل هذا التوجه في حقيقته مهما غُلِّفَ بشعارات وأهداف وغايات تظهر وكأنها "إستراتيجية" وتحمل الأمن والاستقرار للشعوب والمنطقة بعيداً عن التدخلات الدولية، ما يمكن اعتباره استسلاماً للمنظومة العربية وخنوعاً أمام المشروع الإيراني وتخلياً كلياً عن سوريا وشعبها وخيانة لدماء السوريين.

إذ إن التخلي عن دعم الثورة السورية _في حال وجوده جدلاً_ والانفتاح لتخفيف أزمات وكلاء إيران في سوريا؛ اقتصادياً وسياسياً، ومحاولة تعويمه رغماً عن التوجه الدولي المعلن على الأقل، يعني تسليم مفاتيح المنطقة للميليشيات الإيرانية في سلوك يتوافق مع مسارات سابقة أدت لانهيارات الأمن القومي العربي الحقيقي المتمثلة بشعوبه، كما حصل في لبنان التي تُركت لسيطرة ميليشيا حزب الله والعراق الذي بات وكراً للمليشيات الإيرانية واليمن كذلك.

اليوم ومع هذا التوجه الجديد أصبحت سيطرة إيران على العواصم العربية الأربعة، لا تحظى حتى بالامتعاض أو المواجهة الناعمة أو الخجولة، إذ يفترض هذا التوجه احترام سيادة سوريا وقرارها الداخلي ودعم إعادة إعمارها، وبالضرورة أن يحترم طريقة وأسلوب نظام الأسد في تصفية حساباته مع السوريين، وتشيّده لمنظومة القمع بالطريقة التي يراها مناسبة، لكن هذه المرة مع مئات آلاف المجنسين من الميليشيات الشيعية الإيرانية، ومع قطعات وأجهزة ومؤسسات يسيطر عليها الحرس الثوري، ومع نفاذ اتفاقات اقتصادية وسيادية مع إيران تم توقيع العشرات منها خلال السنوات الماضية.

لكن، هل يعني ذلك المشهد السوداوي الطابع _إن صح التعبير_ استسلام السوريين الأحرار والثورة "بالضرورة" أمام المشروع الإيراني؟ وإن لم يكن ذلك فما هي الخيارات المتاحة أمام التخلي العربي الكامل، وما يشير إليه بمرحلة جديدة قد يتم فيها دعم نظام الأسد وعصاباته "التي تسمى بمؤسسات" لفرض السيطرة على السوريين.

تأتي أحداث الثورة السورية منذ أكثر من 12 عاماً، لتجيب عن هذا التساؤل الكبير أمام ضعف وفشل المنظومة العربية، حيث واجه السوريون وهزموا أصالةً عن أنفسهم وتجسيداً حقيقاً للدفاع عن الأمن القومي العربي في جولات عديدة، نظام الأسد وإيران وميليشياتهما معاً، قبل تدخل روسيا الذي قلب الموازين العسكرية.

واليوم أيضاً يبدو قرار السوريين في الداخل أو في دول العالم أجمع واضحاً في المضي بالثورة والتمسك بأهدافها وبرفض الوطن الخاضع للمنظومة الإيرانية، قراراً محسوماً ليس فقط من الناحية الأخلاقية، وإنما لمعرفتهم الكاملة بطبيعة هذه المنظومة ولاستعدادهم المستمر للتضحية.

لذلك يمكن القول إن قدر الثورة السورية هو أن تكون مجدداً الضامن الأخير للأمن القومي العربي، رغماً عن منظومته التي قررت التعايش مع الخطر والانحناء للعاصفة، وللسوريين في هذه المواجهة خيارات عديدة أيضاً بعد أن حسم الآخرون خيارهم على النحو السابق.

تتمثل هذه الخيارات بأشكال وأساليب عديدة، وفي داخل الوطن السوري وخارجه معاً؛ يأتي في مقدمة ذلك إحياء الحراك المدني والثوري بكافة أشكاله السلمية وعبر مختلف أساليب الحشد والمناصر خاصةً مع وجود عدد كبير من السوريين في مختلف عواصم العالم.

من جانب آخر يمثل الملف الحقوقي وما يحشده من رأي عام شعبي ومؤسساتي عالمي، بوابة مهمة لرفض التنازلات المطلوبة لتعويم نظام الأسد مجدداً؛ إذ بات لكل صوت صادر عن الضحايا ولكل المطالبات المستمرة في مختلف المنصات، دور هام في رفض التطبيع مع المجرمين وفي الإصرار على المحاسبة بدلاً من المكافأة.

هذا الضغط الحالي والقادم، وما يقابله من الرفض العام للسوريين والصمود الفكري قبل العسكري، سينتج بتفاعلاته نخباً قيادية على مختلف الصعد السياسية والعسكرية، كما حصل في عام 2011، ولعلّها تكون بوابة لإنهاء الانقسامات بين السوريين أنفسهم والتوحد في إنقاذ مصير وأهداف الثورة ومن خلفها المنطقة ككل؛ وهي التي ستقود المواجهة كبديل عن المسارات السابقة، وكل ما على السوريين هو الصمود وانتظار المتغيرات الدولية والإقليمية العديدة.

التعليقات (4)

    فهمان

    ·منذ سنة أسبوعين
    وكل ما على السوريين الصمود والانتظار المتغيرات الدولية والاقليمية شو هاذا الفهم الثوري من وين جايبه ؟

    من الشعب

    ·منذ سنة أسبوع
    عم تكتب وكأنك في ٢٠١٤ حرام عليكم احترمو حالكم

    ابودحيم

    ·منذ سنة أسبوع
    يا كاتب المقال. اسمعها من أخ مشفق عليكم ويريد لكم العزة والكرامة. لا يكسر الحديد إلا الحديد . وشكراً.

    ابودحيم

    ·منذ سنة أسبوع
    نسيت ان اذكر امراً . إن لم تأخذوا بأسباب القوة سيكون مصير قضيتكم نفس مصير القضية الفلسطينية الآن حيث انها ماتت وتخلى كثير من اهلها إن لم يكن اغلبهم عنها واصبحت سلعة يتاجر بها الطغاة
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات