لم يجرؤ الطبيب عبد الرحمن محمد من الخروج من غرفة العمليات في مشفى المجتهد في دمشق بعد وفاة أحد عناصر لواء زينبيون تحت العملية، وهو الذي وصل إلى المشفى بحالة حرجة بعد أن تعرّض إلى انفجار مجهول لم يفصح عنه مرافقوه أدى لبتر أطرافه السفلى وإصابات بالغة في باقي جسده.
أحد العناصر المرافقين للعنصر الهالك وجّه تهديداً مباشراً للفريق الطبي في حال لم يتمكنوا من إنقاذ حياة زميلهم وسيلقون مصيره في حال فارق الحياة، وكان المرافقون مدججين بالسلاح، كما وصف الطبيب محمد في حديثه لأورينت نت: "للأسف لا يتمكن حرس المستشفى من منع العناصر المسلحة من الدخول إلى المستشفى، وكنا قلقين جداً لأن اللهجة التي تحدث بها معنا المرافقون توحي بأن عملية تصفية أحدنا ستتم فعلاً لو خرجنا من غرفة العمليات".
انتظر الطبيب عبد الرحمن وباقي زملائه حتى وصول مدير المستشفى الذي كان خارجها حين إجراء العملية، والذي حاول بدوره تهدئة المرافقين واصطحبهم إلى مكتبه ليخبرهم بمصير زميلهم، وكأنه اعتاد على تعرّض فريقه الطبي للتهديد من الميليشيات المسلحة.
لم يفكر الطبيب عبد الرحمن يوماً بالهجرة إلى اليمن، حيث الحرب لا تزال تعصف هناك أيضاً "لم يبقَ لي أي خيار آخر، تعرضت لتهديدات كثيرة من عناصر ميليشيات وبعضهم لا يتحدث العربية"، وصل الطبيب عبد الرحمن إلى عدن 2022 ، بعد أن أصبح بقاؤه في سوريا يشكل خطراً على حياته وحياة عائلته، "رغم قلة فرص العمل في اليمن إلا أنها تبقى أفضل من سوريا".
النظام يهجّر الأطباء بطرق شتّى
بعد أكثر من 12 عاماً من اندلاع الثورة السورية، لم يبقَ في مناطق سيطرة نظام الأسد سوى 20 ألف طبيب من أصل 70 ألفاً، وفق تصريح نقيب الأطباء السابق كمال عامر في فبراير/شباط 2021، علماً بأن وتيرة الأطباء ارتفعت أكثر خلال العامين السابقين مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والخدمية في مناطق الأسد، أي إنّ الرقم انخفض أكثر.
وبحسب تقرير صدر عن اللجنة الدولية للإنقاذ عام 2021 ، فقد غادر حوالي 70% من العاملين في القطاع الصحي البلاد، فيما باتت النسبة الآن طبيباً واحداً لكل 10 آلاف سوري، وفي محاولة لتعويض النقص، يضطر العاملون في هذا المجال للعمل أكثر من 80 ساعة في الأسبوع وفق التقرير ذاته.
وعلى وقع عمليات التهجير المختلفة التي يمارسها نظام الأسد بطرق شتى مباشرة وغير مباشرة، أعلنت وزارة الصحة لدى الأسد أن البلاد تعاني من نقص كبير في الكوادر الطبية من مختلف الاختصاصات، بسبب هجرة الأطباء والظروف الصعبة التي تحول دون ممارسة المهنة جراء الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتلاحقة.
معاينة الطبيب بنصف دولار
قدم الطبيب عبد الكريم الخميس إلى ألمانيا عام 2018 ويقيم حالياً في مدينة ماينز غرب ألمانيا، يقول لأورينت نت: "تعرضنا لشتى أنواع الضغوط، وجلّ الأطباء كما باقي السوريين تعرّض للاعتقال ومنهم من توفي تحت التعذيب ومنهم لا يزال قيد الاعتقال، ويضاف لها الوضع المعيشي الصعب حيث تم تحديد معاينة الطبيب بأربعة آلاف ليرة وهو ما يعادل نصف دولار، وراتب الطبيب في المشفى لا يتجاوز مئتي ألف ليرة أي نحو 30 دولاراً، وهو سبب إضافي للهجرة".
وأضاف الخميس بأن أحد أسباب هجرة الأطباء السوريين هو الوضع الاقتصادي المزري، ولعل عدم دعم النظام وهو الذي يجني نحو 56 مليار دولار من الكبتاغون ويخصص فقط ثلاثة مليارات دولار كميزانية للبلاد بأكملها هو طريقة لـ"تفريغ الكوادر" الطبية من سوريا.
اليوم يعرض الطبيب عبد الرحمن عيادته للبيع بسعر أقل من سعرها الحقيقي رغم ذلك لم يجد من يشتريها لأنه حدد شرط البيع مع الأجهزة الطبية التي يمتلكها، لكن أغلب مَن تقدم لشرائها كان يشترط عدم شراء الأجهزة الطبية.
ويختم الطبيب حديثه بالقول: "المضحك المبكي أن أحد الزبائن يريد أن يشتري العيادة وعيادة في مقابلها ليحولهما إلى مركز بيع ألواح طاقة شمسية وهي التجارة الرائجة هذه الأيام في البلاد".
التعليقات (2)