خلا البيان الصحفي الذي صدر في ختام زيارة فيصل المقداد وزير خارجية نظام أسد إلى السعودية من ذكر القرار 2254، إلا أنه تضمّن إضافة لأهمية الحل السياسي، مصطلح النظام "المصالحة الوطنية"، وتصريحاً للمقداد يمتدح فيه جهود السعودية في إنهاء الأزمة السورية.
الحل السياسي وصفه الجانبان في البيان الصحفي بالتسوية السياسية الشاملة للأزمة وبأنه تم بحث خطوات الوصول إليها لإنهاء جميع تداعياتها بما يسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي.
عودة سوريا إلى محيطها العربي بحسب البيان يأتي كنتيجة للتسوية السياسية التي ستعمل السعودية على تحقيقها، ما يعني أن هناك خطوات يجب إنجازها قبل تلك العودة، ولكن الجانبين لم يتحدثا في البيان عن ماهية تلك الخطوات في حين تشير دعوة السعودية للمقداد للتباحث لأول مرة منذ العام 2011 إلى أنها بصدد لعب دور قيادي في إطار الدور العربي الذي تحدثت عنه قمة الجزائر العربية قبل نحو ستة أشهر.
الخطوات السعودية التي تمت الإشارة إليها لن تكون ضمن مسار جنيف واللجنة الدستورية التي أجهض عملها الروس والإيرانيون، ولا سيما أن هذا المسار المستند على القرار 2254 غاب عن فقرات البيان الصحفي، في حين كان اللافت فيه التركيز على أهمية تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله وتنظيماته وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتّجار بها، وهذا يتعلق بوقف تدفق الكبتاغون إلى الخليج عن طريق تهريبه من سوريا إلى الأردن.
وتلك الخطوات أيضا ستكون أقرب أو ضمن مسار آخر أفرزه الاتفاق السعودي الإيراني الشهر الماضي ونصّ على العمل خلال شهرين على تنقية الأجواء إقليمياً بينهما قبل افتتاح السفارات رسمياً، ما سيؤدي إلى تخفيف حدة الصراع في أكثر من دولة إقليمية شرق أوسطية، وسيدفع نحو حلول سياسية، تجعل الدولة المركزية أكثر استقراراً بحسب ما نقلت قناة العربية عن مصادر سعودية.
وعلى الرغم من اندفاع السعودية باتجاه ما تراه تنقية الأجواء بينها إضافة لدعوة فيصل المقداد لزيارتها، لقاءات مسؤوليها مع الحوثيين في اليمن إلا أن إيران لم تظهر من خلال نظام الأسد مؤشرات إيجابية لا بالنسبة للسوريين ولا بالنسبة للسعودية، فما زال نفوذها يتسع في سوريا، في حين أنها لم تجنِ من اليمن سوى وقف القصف على مدنها.
وقد يكون التقدّم بالحل السياسي في اليمن مرتبطاً بحصول إيران على امتيازات في سوريا ولا سيما في ضوء توقف مسؤولي الخليج عن الحديث عن نفوذ إيران في سوريا وهو ما أشار إليه بشار الأسد مؤخراً، إذ تحدث أيضاً عن تغيّر في الموقف السعودي.
أما ما يتعلق بالجانبين الآخرين اللذين تحدث عنهما البيان الصحفي وهما وقف تهريب المخدرات ومسألة اللاجئين فإنه من المرجّح أن تكون السعودية أبلغت المقداد بوجوب اتخاذ إجراءات أو تطمينات بخصوصهما ،وذلك قبيل انعقاد اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ودول عربية أخرى في جدة يوم الجمعة القادم.
وبهذا الصدد يمكن الإشارة إلى أن السعودية حرصت على تضمين البيان تصريحاً للمقداد يعرب فيه عن تقدير النظام للجهود التي تبذلها السعودية لإنهاء الأزمة السورية، أي مسألة اللاجئين ما يعني أنها تريد منه التزاماً علنياً بالاستجابة لخطواتها المقبلة، والتي بدأتها ببدء العلاقات القنصلية واستئناف الرحلات الجوية، والهدف هو إقناع دول أخرى أو الرأي العام بصحة ما تقوم به لجهة إعادة النظام للجامعة العربية.
سيعطي النظام وعوداً ويماطل كما عادتُه بهدف اتخاذ العرب في اجتماع جدة قراراً أو توصية بالعودة لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، ولكن هل سينفذ أياً من تلك الوعود، حتى بالنسبة لمسألة اللاجئين؟ بكل تأكيد لا، لأن نظاماً كهذا مستمر في قصف المدنيين ورفض أي حل سياسي طيلة السنوات الماضية لن يتقدم بخطوة واحدة ومهما كانت صغيرة تجاه السوريين.
وأيضا ما الذي ستقدمه إيران للسعودية في سوريا وقد دأبت منذ توقيع الاتفاق بينهما على تعزيز نفوذها أكثر، وأحد دلائل ذلك ازدياد تدفق الأسلحة إلى مناطق متعددة استهدفها الطيران الإسرائيلي بشكل مكثف خلال الأسابيع الأخيرة، وأيضاً هل ستوقف هي وميليشياتها والنظام تهريب الكبتاغون إلى الخليج في وقت يدرّ عليهم مليارات الدولارات؟ ربما ستخفف من ذلك تكتيكياً فقط.
يمكن القول إن الرابح الأكبر من خطوات السعودية سواء في سوريا أو اليمن وهما دولتان عربيتان هو إيران الفارسية، فقد وضعتها في مفاوضات مع ميليشياتها أو عملائها، وعززت وضعها كقوة عسكرية تتجاوز السعودية بوصفها قوة اقتصادية، وهي على استعداد في أية لحظة لإعطاء الأوامر لعملائها لقلب الطاولة إن تهدد نفوذها.
السعوديون يتحدثون عن مصلحة السوريين وإيجاد تسوية سياسية ولكنهم للمرة الأولى يشاركون النظام مصطلحه بالمصالحة الوطنية، فهل تكمن مصلحة السوريين في إعادة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية؟ ويتساءل السوريون هل تستطيع السعودية تجاوز المليون قتيل وملفات عشرات آلاف المعتقلين ونصف السكان المهجرين؟ وأيضاً هل باستطاعتها إيجاد حل في شرق الفرات وشمال سوريا وماذا عن الولايات المتحدة وتركيا؟
القضية السورية هي أكبر من إمكانيات العرب، وإن أخذت طابعاً إنسانياً دولياً وليس سياسياً خلال السنوات الماضية، فهي تتعلق بشعب يتعرض للإبادة منذ 12 عاماً، وهناك قوى دولية وإقليمية ذات نفوذ و مصالح إستراتيجية وذات حضور في سوريا أقوى من جميع العرب، ويرجّح أن تكون السعودية متفهمة لهذه المعطيات إلا أنها رأت أن مصالحها هي في التقارب مع النظام أسوة بإيران وروسيا والإمارات وغيرها، والهدف هو الحد قدر الإمكان من شروره وشرور إيران على الخليج.
التعليقات (6)