الماهية الإجرامية الواحدة للقتلة الروس

الماهية الإجرامية الواحدة للقتلة الروس

عُرض شريط فيديو قصير على شبكة الإنترنت يوم الإثنين 6 مارس 2023، ظهر فيه مقاتل أوكراني أعزل يقف وسط حفرة ويسحب آخر أنفاس سيجارته بكل هدوء ورباطة جأش... وما تلبث أن تمر عدة ثوان حتى يرفع صوته قائلاً "المجد لأوكرانيا"؛ وهنا ينهالون عليه بوابل من الرصاص والشتائم الروسية المعروفة...

هذا المقاتل، الذي نفدت ذخيرته وقُتل كل رفاقه، لم يستسلم رافعاً يديه أو يركع على ركبتيه طالباً الرحمة، بل وقف متحدياً الغزاة الروس بكل شموخ وكبرياء وعظمة... 

في اليوم التالي، ذكرت "قناة تيليغرام" القوات المسلحة الأوكرانية أن الروس أطلقوا النار على جندي تابع لهم يدعى تيموفي شادورا، لكن تبين فيما بعد أنه ألكسندر ماتسيفسكي الذي خدم في الكتيبة 163 من اللواء المستقل 119 المنتشر في منطقة تشيرنيهيف (1). 

في 29 ديسمبر 2022، دخل مع أربعة جنود آخرين غمار معركة غير متكافئة ضد مجموعة كبيرة من المحتلين الروس بالقرب من سوليدار، بعد ذلك انقطع الاتصال معهم ولم تتمكن التعزيزات من اختراق التحصينات وإنقاذهم بسبب نيران الهاون والأسلحة الثقيلة.

كان مصير ألكسندر ماتسيفسكي ومجموعته مجهولاً، لكن بعد مرور بعض الوقت، تم تبادل لجثث القتلى في تلك المعركة؛ ليصل جثمانه أخيراً ويدفن في أرض وطنه بتاريخ 14 فبراير 2023.

فيديو قتل هذا الجندي الأوكراني الأعزل بكل الرغبة الحيوانية الافتراسية الجامحة لدى الروس يرجعنا قليلاً للوراء، ويذكرنا بجريمة أخرى لا تقل عنها قسوة وبشاعة وسقوطاً أخلاقياً.. إنها جريمة تعذيب وضرب المواطن السوري الأعزل محمد طه إسماعيل العبد الله (2) بمطرقة ثقيلة حتى الموت؛ ومن ثم تقطيع أطرافه وصلب جثته وحرقها على أنغام الأغنية العنصرية "أنا مقاتل من القوات الخاصة الروسية"، التي انتشرت أيام الحرب الروسية الشيشانية الأولى:

القرية تحترق،
والأم الشيشانية تهرب..
لا تريد أن تعطيني الطفل؛
ألتقط البندقية الثقيلة من على كتفي،
آخذ الطفل وأقتل الأم.
أنا مقاتل من القوات الخاصة الروسية،
ولا يهمني شيء على الإطلاق...

نشرتُ مقالاً حول مرتزقة فاغنر الروس الذين قاموا بتعذيب ذلك المواطن السوري وقتله؛ لكن لم يكن جميع القتلة حينها معروفين(3)، كذلك طالبت الجهات الرسمية المحسوبة على الثورة كـ "الحكومة المؤقتة" و"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" بمتابعة الموضوع وملاحقة المجرمين قضائياً بعدما وفرت لهم المعلومات المطلوبة والضرورية لأي عمل قانوني أو ملاحقة جنائية دولية، لكن لا حياة لمن تنادي!

وهنا، في هذا المقال، سأتابع الكشف عن بقية المجرمين الروس، لكي يكون العمل متكاملاً، لا سيما بعد تسريب وثائق لـ "شركة كونكورد القابضة" التي تُعدّ الشركة الأم لمؤسس "شركة فاغنر العسكرية الخاصة" يفغيني بريغوجين بداية هذا العام، تدل على أن جهاز الأمن التابع لهم قد أجرى تحقيقاً داخلياً من أجل تحديد هوية القتلة بعد تلك الحادثة المشينة، كان الهدف منه ليس جمع الأدلة والقرائن لتقديمها إلى المحاكم ومعاقبة الجناة، وإنما من أجل معرفة من المسؤول عن تسريب ذلك الفيديو إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. 

في ذلك المقال كشفتُ عن هوية المجرمين التاليين:

القاتل الأول ستانيسلاف يفغينيفيتش ديتشكو وهو روسي من مواليد 1990 إقليم ستافروبول، انتسب إلى "مجموعة فاغنر" وخدم في الاستخبارات التابعة لها، بعد أن تمت إقالته من جهاز الشرطة في كانون الثاني 2014 نتيجة سوء السلوك واستغلال المنصب وضبطه في حالة سكر. 

القاتل الثاني رسلان وهو عسكري روسي سابق من منطقة بريانسك بلغ من العمر 39 عاماً، كان يعمل كمتطوع في مسابقات السياحة بقصر المحافظ للأطفال والإبداع الشبابي.

القاتل الثالث فلاديسلاف أبوستول الملقب بـ "فولك" وُلد في 13 كانون الثاني 1988 بقرية تشوتوليشت التابعة لمنطقة فلوريشت، يحمل الجنسية المزدوجة - المولدوفية والروسية - وعاش في منطقة بيلغورود، حسب معلومات جهاز الأمن الأوكراني فإن أبوستول قاتل مع الفاغنريين، لكنه قُتل إلى جانب ثمانية مرتزقة آخرين بالقرب من دير الزور أثناء قصف طائرة أمريكية عام 2018.

بعد ظهور فيديو التعذيب والقتل مباشرة على الشبكة العنكبوتية في 20 يونيو 2017، بدأ جهاز الأمن التابع لـ "شركة فاغنر" فحصاً واسع النطاق للتسريب، بناء على مكان قتل الشاب السوري، تم تحديد المقاتلين المنتمين إلى "فرقة الاقتحام الرابعة" العاملة في تلك المنطقة، والتعرف على المشاركين أنفسهم في الفيديو، أولاً عن طريق علامات النداء، ثم بالاسم.

تُظهر الوثائق أن التعذيب والقتل "وقعا على الأقل بعلم، وعلى الأرجح بناء على تعليمات من قيادة فرقة الاقتحام"، قام المرتزق ستانيسلاف ديتشكو الذي حمل علامة النداء "سكاراب"بتصوير الفيديو بناء على أوامر قائد الكتيبة نيقولاي بودكو، الذي نقله بدوره إلى قيادة اللواء، وهو نفسه الذي أعطى الأمر بالقتل! 

وُلد هذا المجرم في عام 1975 بمنطقة موغيليف، وخدم في القوات المسلحة البيلاروسية المحمولة جواً في تسعينيات القرن الماضي، ثم حصل على الجنسية الروسية، بعد ذلك انتقل للعمل في جهاز شرطة منطقة كوستروما، وذهب في مهام قتالية إلى الشيشان وداغستان.. كان له تجربة في "الفيلق الأجنبي الفرنسي" و"مجموعة موران الأمنية الروسية". وأخيراً انضم إلى مرتزقة فاغنر عام 2015.

لم يُطرد ديتشكو أو يعاقَب على إصداره أوامر تعذيب وقتل المواطن السوري؛ بل بقي في الشركة لمدة عامين آخرين.. غادر مجموعة الإجرام لأسباب صحية، وتوفي عام 2021. 

كان المرتزق ميخائيل مشاروف الذي حمل علامة النداء "مافر"، هو الذي سرّب الفيديو إلى شبكة الإنترنت، وبسبب ذلك فُصل من "شركة فاغنر" دون الحق في العودة إليها بناء على التصوير غير المصرّح به بواسطة الهاتف المحمول. 

من الواضح أنه الوحيد الذي عاقبته القيادة من بين جميع المشاركين في القتل، عمل لبعض الوقت في مدينة أستراخان كسائق سيارة أجرة، ومن ثم اختفى أثره؛ ولا يعرف أي شيء عن مصيره.

وهكذا، يمكننا استناداً إلى التقارير والتحقيقات المختلفة تسمية جميع المشاركين الآخرين مع ألقابهم في جريمة تعذيب وصلب وقتل المواطن السوري محمد طه إسماعيل العبد الله:

ستانيسلاف ديتشكو (سكاراب).

ميخائيل ماشاروف (مافر)

جاهونجير ميراتسورف (بامير)

فلاديسلاف أبوستول (وولف)

فلاديمير كيتايف (كيتايتس) 

فلاديسلاف بانشوك (روجر) 

أوليغ كونغين (كونغ) 

أندريه باكونوفيتش (سلينغ) 

إيغور كريجانوفسكي (ريكوشيت) 

نيقولاي بودكو (قائد مفرزة الاقتحام الرابعة)

يذكر أن جريدة "نوفايا غازيتا" قد تقدمت في عام 2019 بطلب إلى الكرملين ولجنة التحقيق ومكتب المدعي العام، من أجل فتح قضية جنائية فيما يتعلق بجريمة تعذيب وقتل المواطن السوري البريء، ولكن لم يكن هناك أي رد فعل!

منذ عرض ذلك الفيديو المروّع بدأت "شركة فاغنر" خطها الدموي القذر، ومن ثم أصبح معروفاً تورطها الإجرامي على نطاق واسع.. إن السلوك السادي المخزي المشين في الجريمتين يُظهر بوضوح للعالم، العديد من السمات المتشابهة والمخفية سابقاً للأعراض المرضية والشراهة العنفية والقسوة غير المبررة في ما يعرف بـ "الروح الروسية الغامضة" وهذه ليست مجرد مظاهر فردية لسلوك المعتدين، بل هي سمات عامة لأخطر المجرمين والإرهابيين في واحدة من أبرز العلامات النخبوية العسكرية الروسية في الآونة الأخيرة "جماعة فاغنر"؛ والتي يحاولون من خلالها إعطاء حداثة تسويقية للغزو الروسي لسوريا وأوكرانيا ودول أخرى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية...  

قدم الفاغنريون دعماً قوياً لنظام بشار الأسد خلال حربه الشعواء ضد شعبه، وعلى الرغم من إعلانهم أنهم "صيادو داعش"؛ إلا أن تخصصهم الرئيس اقتصر على الغوص في رمال شرق سوريا من أجل الاستيلاء على حقول النفط والغاز والاحتفاظ بها إلى أجل غير مسمى. 

في النهاية، من أجل تعريف العالم بالماهية الإجرامية الواحدة للقتلة الروس، لابد من ذكر ما صرّح به الكاتب الروسي المعارض فيكتور شندروفيتش في مقابلة مع "قناة صدى موسكو" معلقاً على دعم روسيا للطاغية بشار الأسد، حيث كانا حينها يدكان معاً مدينة حلب الشرقية بمختلف أنواع الأسلحة والذخائر القاتلة: "حسناً، لسنا أول من يدعم أكلة لحوم البشر، نحن أنفسنا أكلة لحوم البشر، وندعم أكلة لحوم البشر!".

(1) وُلد ألكسندر ماسيفسكي في مولدوفا بتاريخ 10 مايو 1980، حيث درس هناك وتخرج من كلية الهندسة الكهربائية، عاد بعد ذلك مع عائلته إلى وطنه، ليعمل في تخصصه حتى فبراير 2022. ترك عمله مباشرة بعدما هاجمت روسيا بلده والتحق بالجيش الأوكراني، تم تعيينه قناصاً في كتيبة الدفاع الإقليمي نيجين، التي توجهت نحو الشرق للمشاركة في الأعمال القتالية النشطة... 

(2) المعروف أيضاً باسم حمادي الطه البوطه، من مواليد الخريطة في محافظة دير الزور العام 1986.. كان قد عمل في مكبس لطوب البناء بلبنان، واعتُقل على الحدود أثناء عودته إلى البلاد في تموز 2017، ليساق بعدها للخدمة اﻻحتياطية في مطار التيفور.

(3) لمزيد من التفاصيل راجع: د. علي حافظ، هويات القتَلة في فيديو التوحش الروسي.. الصحف الروسية المعارضة تكشف هويات مشاركين في فيديوهات التوحش الروسية في سوريا. مجلة عين المدينة، 2019-12-14.

(4) نقلاً عن  صحيفة الأوبزرفر(9.12.2016).

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات