أُجبر ملايين السوريين على الهروب من سوريا بسبب إجرام نظام أسد وميليشياته، حيث انتشروا في أصقاع العالم طلباً لمكان آمن، ومن بين هؤلاء اختار حوالي 70 ألف سوري الجزائر لأنها لم تكن حينها تحتاج إلى فيزا، فاستقبلتهم الشعب الجزائري وتعاطف معهم ليبدؤوا حياتهم من جديد، فقاموا بافتتاح المحال التجارية في مختلف الولايات الجزائرية.
فرض الفيزا على السوريين
في كانون الثاني/ يناير 2015 فرضت السلطات الجزائرية الفيزا على السوريين، وأصبحت تُمنح لمن لديه عقد عمل، أو سجل تجاري أو قبول جامعي للطلبة في الجامعات الجزائرية، فتراجع قدوم السوريين إلى الجزائر لصعوبة الحصول على الفيزا، ومن دخل قبل فرض الفيزا واجه مشكلة "بطاقة الإقامة" للأجانب، التي تسمح لهم بإجراء كافة المعاملات الرسمية في الدوائر الحكومية.
وكثيرون ممن دخلوا الجزائر ما بين عامي 2012 و2014 باعوا ممتلكاتهم في سوريا على أمل الاستثمار في الجزائر، لكنهم وجدوا صعوبة في توطين الاستثمار لعدم حيازتهم على "الإقامة" فتجاوزوا المشكلة بالشراكة مع الجزائريين بعامل "الثقة"، بحيث يكون المشروع الاستثماري باسم جزائري لتسيير العمل، فوضعوا ملايين الدنانير الجزائرية باسم الشريك الجزائري، وفتحوا متاجر أقمشة، معامل خياطة وتطريز، ومطاعم، ومحال حلويات سورية، ومشاريع بناء، ورشات ديكور ومفروشات فاخرة، توابل شامية، وغيرها من أعمال يشتهر بها السوريون.
ما إن استقرت أعمالهم حتى شعروا بحاجة لاستقدام عائلاتهم، والسفر والعودة للجزائر، وحاجتهم لحساب بنكي يضعون فيه أموالهم، وشراء سيارة، وشهادة قيادة سيارة، كلها غير قادرين على فعلها لعدم حصولهم على بطاقة مقيم أجنبي تسمح لهم بإجراء كافة المعاملات الرسمية في دوائر الدولة. وبسبب الوضع الذي لم يساعد الكثير من المستثمرين غادروا الجزائر إلى تونس أو تركيا أو مصر، ومنهم من ذهب إلى دول أوربية طالبين اللجوء الإنساني بموجب قانون الحماية الصادر عن الأمم المتحدة.
الإقامة هي الحل
ويُقدّر عدد السوريين حالياً بنحو 30 ألف سوري في كافة ولايات الجزائر، لديهم دخل جيد من أعمالهم ولا يحتاجون أحداً كما قال أبو فواز( 58 سنة) لأورينت لديه متجر أقمشة: "الحمد لله عندنا عمل، عايشين منه مبسوطين، ولسنا بحاجة مساعدة بل نساعد بعضنا عند اللزوم، ونرسل لعائلاتنا في سورية المصروف، ولكن نتمنى أن يجتمع شمل العائلة معنا، صار لي تسع سنوات لم أر أولادي، كبروا في غيابي، ترعاهم أمهم وحدها، والحياة صعبة بسورية، حاولت كثيراً بكل الطرق للحصول على إقامة لأتمكن من زيارتهم أو أحضرهم لعندي لم أستطع، والجواب واحد لدى مصلحة الأجانب "المشكلة ليست من عندنا القرار من فوق".
وتابع أبو فواز "لم نعرف صاحب القرار اللي فوق ليحل مشكلة الإقامة ونعيش وعائلاتنا بالجزائر حياة طبيعية إلى أن يفرجها الله في سوريا ونعود لبلدنا".
لم أستطع تسجيل الزواج
بدوره، عماد (29 سنة) لديه مطعم مأكولات سورية بضواحي الجزائر العاصمة تحدث لأورينت والغصّة بحلقه "دخلت الجزائر عام 2014 نظامي، بجواز سفر سوري، وحجز فندقي و4 آلاف دولار أمريكي، كان حينها شرط الدخول، وكان الوالد سبقني ببضعة أشهر، وفتحنا مطعم مأكولات سوري، شاورما وفلافل وحمص، ومأكولات جزائرية مرغوبة، لكن لم نستطع تسجيل المطعم باسمنا، لعدم وجود إقامة، توقعنا نحصل عليها بالاستثمار، وشغّلنا معنا جزائريين، فكان الحل تسجيل المطعم باسم شريك جزائري وكأننا نعمل عنده".
وأضاف "تعرفت على جزائرية بنت عائلة وتزوجتها، لم أستطع تسجيل الزواج لعدم وجود الإقامة، جاء الولد الأول ولم أستطع تسجيله، فرفعت زوجتي دعوة لتثبيت الزواج رفضت الدعوة مرتين لأني غير مقيم نظامي، وفي المرة الثالثة بعد عشر جلسات وافقت المحكمة على منحنا دفتر عائلي. وبقي وضعي لا أستطيع الخروج من الجزائر، اشتقت لأمي جدا لا فيني جيبها ما بيعطوها فيزا ولا فيني سافر لبيروت لشوفها، بسوريا مطلوب للعسكرية".
وأردف: "مستأجر المنزل باسم زوجتي، وأولادي جزائريين على جنسية أمهم، ولكن محروم من كلشي رسمي، لا أستطيع شراء سيارة، ولا شهادة سواقة، ولا فتح حساب بنكي أو حساب بريدي لأضع فيها أموالي، لذا أضعها بالبيت وأبقى خائف من سرقة المنزل، كل السوريين بهذا الوضع، ونجدد التأشيرة كل شهرين "إقامة مؤقتة" أوقفوها خلال جائحة كورونا، وأعادوها منذ فترة، وتجديدها يحتاج جواز سوري ساري الصلاحية لستة أشهر على الأقل، وجوازي اقتربت نهاية صلاحيته، وتجديده بالسفارة 800 دولار لمدة سنتين لأني بسن العسكرية، وضعي المالي لا يسمح بدفع هذا المبلغ بالدولار، أشتريه من السوق السوداء، يعادل نحو 180 ألف دينار، هنا تدخلت زوجته "توقعنا لما ننجب الولد الأول تنحل مشكلة الإقامة، هناك سوريون تزوجوا بجزائريات وحصلوا على الإقامة، لا نعرف كيف، والقانون الجزائري يسمح للمرأة الجزائرية المتزوجة بأجنبي منح الجنسية لأبنائها، وبعد ثلاث سنوات متواصلة بالزواج يستطيع الزوج تقديم طلب جنسية ويتجنس حسب قانون الجنسية، وهذا لم نستطع فعله لأنه غير مقيم نظامي".
اعتصام بالمطار
من جهته، ذكر "أبو عبدو" أنه جاء الجزائر أول مرة 2012 "وكانت الطائرة تركية قادمة من بيروت، كل الركاب عائلات سورية مع أطفالها، نزلوا بالمطار واعتصموا طالبين اللجوء، ونحن ثلاثة عشر شاباً لا نريد اللجوء، جئنا لنفتح مشاريع عمل، قال ضابط الشرطة لو أردتم الدخول لاجئين انضموا لهم أو عودوا بنفس الطائرة، كان جوازي نظامي وعندي حجز فندقي ومصروف يطلبونه للدخول 4000 دولار، وحينها لا توجد فيزا بين سوريا والجزائر، فعدنا الشباب بنفس الطائرة إلى بيروت، وفي العام 2013 دخلت نظامي، وكان أخي سبقني، والحمد لله مرتاحين مع شريكي جزائري، تزوجت وأخي جزائريات وعندنا أولاد وعندنا إقامة (لم يوضح كيف حصل عليها)".
وبرر "أبو عبدو" وضع عدم منح الإقامات: "موقف الجزائر مفهوم لأن الوضع الأمني في دول الجوار، ليبيا، ومالي ودول أخرى فيها إرهاب، لذا تتخذ هذه الإجراءات على كل الأجانب، نحن كسوريين نقدر الوضع، ولكن الناس عملياً محبوسة لا تستطيع الخروج من الجزائر، فالعودة بالتأشيرة أصبحت صعبة، والإقامة المؤقتة كل شهرين تتجدد فقط لإبرازها للشرطة".
شهادة الميلاد الجزائرية
من جانبه، "أبو زهير" جاء الجزائر 2014 بشكل نظامي، قال: "زوجتي مولودة بالجزائر كانت تسافر عادي لسوريا على شهادة الميلاد الجزائرية وشهادة إقامة من البلدية والجواز السوري، وقدمت طلب الحصول على الجنسية بالمولد، ولم تحصل عليها حتى اليوم، آخر مرة سافرت قبل عامين، وعند العودة رفضوا دخولها ما معها إقامة، حاولت مع جهات كثيرة لتدخل مع الأولاد، الجواب تقدم فيزا، وقدمت الفيزا ثلاث مرات ولم تحصل عليها ولا زالت بسوريا".
قرار أمني سياسي
وعن قانونية عدم إعطاء إقامة لسوريين يقيمون ويستثمرون بالجزائر منذ أكثر من تسع سنوات قال المحامي مصطفى بوشاشي والناشط في جمعيات حقوق الإنسان عربية ودولية لأورينت: " القرار أمني سياسي، وهو قرار سيّد للدولة الجزائرية المضيفة للاجئين من كل الجنسيات وليس السوريين فقط، والقرار من جهات عليا بالدولة، تقدره السلطات الأمنية ولا علاقة للقانون بالأمر".
وهو ما أكده مسؤول رفيع المستوى، رفض الكشف عن اسمه، تحدث لأورينت "مشكلة السوريين صعبة فعلاً، نعرف هذا، ولا بد لها من حل رغم أن أبناءهم يتعلمون بالمدارس والجامعات الجزائرية مثل الجزائريين تماماً، ولديهم إقامة طالب، لكن آباءهم لا يحصلون على الإقامة، وعن مسمى الجهات "اللي فوق" صاحبة القرار كما تقول لهم الشرطة؟ أجاب: "المؤسسات الأولى بالدولة الرئاسة وما يرتبط بها".
ويأمل السوريون أن تحل مشكلة الإقامة العام الجاري 2023 حسب وعود تلقوها، وينتظرون بأمل كبير أن تدرس السلطات الجزائرية وضعهم، ويحصلون على بطاقة الإقامة، المطلب الوحيد لهم.
التعليقات (7)