عن اغتيال الأسود والاختراق الإسرائيلي لنظام الأسد

عن اغتيال الأسود والاختراق الإسرائيلي لنظام الأسد

أعلنت حركة الجهاد الإسلامي الأحد الماضي عن اغتيال أحد قادة جناحها العسكري ومسؤول التصنيع المهندس علي رمزي الأسود في ضاحية قدسيا بريف العاصمة دمشق.

بدت عملية الاغتيال لافتة جداً في المكان والزمان، كما قياساً للظروف السياسية التي تمر بها المنطقة.

حسب مصادر مطلعة ومقربة من الحركة، فالاغتيال تم بـ30 رصاصة برشاش كاتم للصوت وليس عبوة ناسفة كما جرت العادة في هكذا اغتيالات، ما يعني أن الفريق المنفذ تمتع بحرية تامة ومعرفة كاملة بطبيعة المكان قبل وبعد العملية لجهة مراقبة الشهيد عن كثب وتتبع حركاته ونمط حياته اليومي، وتنفيذ العملية خلال دقائق قليلة، ومن ثم الانسحاب السريع والآمن كما جرى فعلاً.

الأسود لم يكن معروفاً على نطاق واسع خارج نطاق الحركة، وحتى خارج جناحها العسكري، كونه شاب يعمل في الظل بعدما راكم خبرات أكاديمية ومهنية ساعدته على تولي مسؤولية التصنيع العسكري بالحركة، والإشراف على نقل الخبرات إلى الداخل في الضفة الغربية وغزة حيث الثقل الأساسي للحركة.

 بدايةً واضح تماماً أننا أمام اختراق إسرائيلي كبير ربما بصفوف الحركة نفسها، كون الضحية لم يكن معروفاً أو يعمل بالعلن وممكن أن يحصل هذا نتيجة التفوق الإسرائيلي الكبير خاصة تقنياً، والعلاقات المباشرة للأسود مع الداخل الفلسطيني، ما يجعله معروفاً في صفوف الحركة ومن يتم اعتقاله هناك، وبالتالي لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تملك قدرات كبيرة خاصة الوحدة 8200 ذائعة الصيت التابعة للاستخبارات العسكرية، والتي تضم خبرات بشرية وعلمية هائلة، وخريجوها هم من أسسوا شركات التكنولوجيا الفائقة خاصة تلك المعنية بالتجسس واختراق الأجهزة الذكية الحديثة وقرصنتها، بحيث باتوا فعلاً قراصنة العصر كما يُطلق عليهم في الصحافة الغربية المعنية بالتقصي والتحقيق.

مع ذلك فلا شك أن الاختراق الإسرائيلي الكبير هو في مناطق سيطرة نظام الأسد أي سورية الأسد الطائفية المتجانسة المفيدة والمستباحة للغزاة، الذين استقدمهم بل توسّلهم بشار الأسد من أجل بقائه في السلطة، ولو دون سيطرة فعلية وضد إرادة السوريين الحرة.

تبدو روسيا المتهم الأول دائماً بالتعاون الأمني مع إسرائيل عبر التنسيق التقليدي والخط العسكري المفتوح بين قاعدتي الاحتلال الروسي في حميميم باللاذقية والإسرائيلي في "الكرياه" مقر رئاسة الأركان بتل أبيب، ويتعلق التنسيق التقليدي هنا بالغارات الإسرائيلية التي لا تكاد تتوقف ضد مواقع التموضع الإيراني بما فيها المعسكرات التابعة شكلاً واسماً لنظام الأسد، وذلك كي تخرس وتصمت المنظومات الروسية المضادة بقرار سياسي لخدمة إسرائيل وخشية افتضاح تخلفها أمام التكنولوجيا الإسرائيلية الغربية.

لا بد من الانتباه إلى أن التنسيق الأمني الروسي والإسرائيلي هو في الحقيقة متعدد المستويات مثلما رأينا في البحث عن رفات الجنود الإسرائيليين المفقودين، وتحويل نظام الأسد بضباطه وجنوده إلى حفارة قبور بإمرة روسية بحثاً عن جثث المفقودين في مخيم اليرموك، بل وتسليم أحدهم "زخاريا بومل" فعلاً لإسرائيل في مراسم عسكرية بموسكو رغم التضحيات الفلسطينية الهائلة التي قدمت لأسرهم من أجل مبادلتهم بأسرى فلسطينيين.

في ملف التنسيق الأمني الروسي الإسرائيلي لا يمكن بالتأكيد استبعاد التعاون ضد عناصر الفصائل الفلسطينية المنتشرين في مناطق سيطرة النظام المستباحة. وهنا لا بد من التذكير باتهام حركة الجهاد نفسها لروسيا بالانخراط في المحاولة الإسرائيلية لاغتيال المسؤول العسكري للحركة والذي بات الآن الرجل الثاني فيها "أكرم العجوري" قبل أربعة سنوات – 2019 - بعد انتقاله إلى بيته الجديد بضواحي دمشق بأيام فقط. بينما تتردد نفس الاتهامات الآن داخل صفوف الحركة فيما يتعلق باغتيال علي الأسود.

الاختراق قد يكون له علاقة بالحرس الإيراني، ما يعني أن كشف إسرائيل لشخصية وطبيعة عمل الضحية ربما أتى من الجهة الإيرانية في ظل الاختراقات الإسرائيلية الواسعة في صفوفها، كما تبدى في عمليات الاغتيال الأخيرة بدمشق وبغداد وحتى في طهران نفسها.

وبالتأكيد لا يمكن فصل الأمر عن غارة كفر سوسة الأخيرة التي استهدفت فيها إسرائيل مسؤولين إيرانيين ولبنانيين مرتبطين أيضاً بالتصنيع العسكري والتي عبّرت بدورها عن الاختراق الإسرائيلي الواسع للمنظومة الإيرانية والدوائر المتعاملة معها، مع الانتباه هنا كما دائماً إلى حق المقاومة الفلسطينية المشروع حتى لو أرادت إيران استغلال هذا الحق في الباطل للتغطية على سياستها الاستعمارية والطائفية بالمنطقة.

فيما يخص النظام فلا جدال أنه مخترق شكلاً ومضموناً من رأسه حتى أخمص قدميه ومبدئياً، فالاغتيال جرى في ضاحية قدسيا حيث لا كثافة سكانية كبيرة، والانتشار الواسع والكبير للحواجز الأمنية لأجهزة المخابرات المتعددة كما تحيط معسكرات الميليشيات التابعة للنظام بالمنطقة وقبل الاغتيال بأيام فقط كان هناك استنفار أمني بالمنطقة من أذرع مخابرات النظام المختلفة.

بالعموم يتراوح الأمر بين التقصير أو التواطؤ وتسهيل الاغتيال، خاصة أننا نتحدث عن فريق استخدم رشاشاً كاتماً للصوت مطلقاً عشرات الطلقات ومنسحباً من المنطقة بسلام وأمان مع معرفة تامة، فواضح أن الاختراق كبير وكبير جداً.

 وعليه يبدو النظام وكأنه يقدّم أوراق الاعتماد لإسرائيل لنيل دعمها عبر التضحية بقادة الفصائل والقضية الفلسطينية نفسها، كما فعل بتدمير مخيم اليرموك عاصمة الشتات الفلسطيني وعنوان حق عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي شُرّدوا منها كما حصل مع الأسود وعائلته.

لا شك أن ثمة علاقة أيضاً ما بين الاغتيال والتطبيع، كون الأنظمة العربية المطبّعة مع إسرائيل هي نفسها المنفتحة على الأسد بضوء أخضر غير خفي من تل أبيب.  

في الأخير باختصار وتركيز، واضح تماماً حجم وعمق الاختراق الإسرائيلي لمناطق سيطرة النظام، والعجز بل التقصير والتواطؤ عن حماية الفصائل وقياداتها رغم كل الأكاذيب عن المقاومة والممانعة وتحرير فلسطين، وبالتوازي توفر الغطاء الإسرائيلي للتطبيع العربي مع الأسد ونظامه، ودعم تل أبيب لجهود ومساعي منظومة الاستبداد والفساد العربية لشرعنة النظام وتعويمه.

وكان لافتاً حضور الأمر في لقاءات وقمم واتصالات بين الحكومات الإسرائيلية وبعض الأنظمة العربية، مع دعم إسرائيلي صريح لتعويم الأسد شرط ابتعاده عن إيران وهو محض سراب ووهم لا يستر عورة التطبيع والمطبعين، بينما تتولى إسرائيل نفسها أمر التموضع الإيراني، دون أن يحرك الأسد ساكناً كونه غير معني أو منشغل بأي شيء، سوى بقائه في السلطة بدعم الطغاة وحراب الغزاة وضد إرادة الشعب السوري الثائر.

التعليقات (2)

    try

    ·منذ سنة 3 أسابيع
    لا حاجة للاختراق الخادم المعتوه متعاون دائما مع أسياده الصهاينة

    عزام

    ·منذ سنة 3 أسابيع
    يعني مابدكم تبطلو طائفية يا أورينت ويا عزام
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات