في صراع الثيران.. العشب وحده من يدفع الثمن

في صراع الثيران.. العشب وحده من يدفع الثمن

ليس من المستغرب أن تصبح الأرض السورية مسرحاً لصراع القوى الدولية والإقليمية بعد اثنتي عشرة سنة على انطلاقة ثورة شعبها مطالباً بالحرية والكرامة.

فهذه القوى المتقاسمة للجغرافية السورية تتنافس فيما بينها على مساحات النفوذ حسب الموارد المتوفرة في كل قطعة من هذه الجغرافية، وكلهم يدّعون أنهم يفعلون ما يفعلون لمصلحة الشعب السوري، وهم لا شك كاذبون فيما يدعونه، فالشعب السوري آخر ما يفكر فيه هؤلاء، هذا إذا كان في حساباتهم بالأصل ولو بآخر القائمة.

ولا أعتقد أن هناك اثنين يختلفان في أن أمريكا ووراءها إسرائيل خلف الستار، تتحكم بكل ما يحدث على هذه الأرض، فهي التي سمحت لهذه القوى بالدخول كل حسب دوره والمهمة المنوطة به، لكن الذي حدث بعد ذلك هو أن بعض هؤلاء ـ وهنا أقصد إيران ـ قد تجاوز الحدود المرسومة له، فراح يتمرّد على المخرج ويضيف على الحوار من عنده ما يروق له، وهذا الأمر أزعج المخرج وأخرجه عن طوره، ولذلك قرر أن يعيد كل من تجاوز حده إلى حجمه الطبيعي.

من هنا نستطيع قراءة الخلاف الأمريكي الإيراني على الأرض السورية، فإيران وميليشياتها لم تدخل إلا بضوء أخضر أمريكي مثلها مثل روسيا لحماية النظام من السقوط، لكنّ تجاوز الإيرانيين لهذه المهمة والسعي إلى الانتشار والسيطرة ليصبح لهم الكلمة الأولى واليد الطولى في الأرض والدولة السورية، هو ما أزعج الأمريكيين، فراحوا يهددون ومعهم الإسرائيليون بحرب تصل إلى العمق الإيراني وتدمير منشآتها النووية. الأمر الذي يتمنى حدوثه كل سوري حر غيور على وطنه وحريته، يدرك أن إيران وميليشياتها كانت لها اليد الطولى في مأساته، قتلاً وتهجيراً لإحداث تغيير ديمغرافي يصب في مصلحة مشروعها الشيعي الفارسي.  

وما حدث مؤخراً من قصف مسيّرة إيرانية لقاعدة أمريكية بالقرب من الحسكة ما أدى إلى إصابة خمسة جنود أمريكيين، وقيام القوات الأمريكية بالرد المباشر وقصف قواعد ومقرات تابعة للميليشيات والحرس الثوري الإيراني على الأرض السورية وقتل وجرح العديد منهم، لا يخرج عن سياق هذه المناكفة على مساحات النفوذ، وليس على الوجود.

فلو كانت أمريكا جادة بإخراج الإيرانيين من سورية بشكل كامل، لما كلفها ذلك كثيراً، فهناك عشرات الآلاف من الشباب الثائر في الشمال السوري نزحوا من الغوطة وباقي المناطق بعد أن تخلى عنهم العالم أمام جبروت القصف الروسي، ينتظرون من يمد لهم يد العون لفعل ذلك، هذا عدا ميليشيا قسد وبعض الفصائل الأخرى مثل مغاوير الثورة المدعومة أمريكياً بالأصل.

إن هذه الفصائل والتنظيمات في حال وجدت الدعم والإرادة الدولية على إحداث تغيير حقيقي على الأرض السورية، قادرة على دحر إيران بقضها وقضيضها من الأرض السورية، وفرض حل سياسي على كل الأطراف المتناحرة لإخراج السوريين من المأزق والنفق الذي دخلوا فيه.

إن ما يؤلم أشد الألم أن هذا الصراع الدائر بين هذه القوى هو على الأرض السورية وعلى حساب الشعب السوري، فهو الوحيد الذي يدفع الثمن في صراع الثيران هذا، ولعل ما يزيد الطين بلة هو غياب المشروع الوطني الذي يجمع كل السوريين المعارضين لنظام الأسد، فهذا التشرذم في قوى المعارضة يزيد من وقع المأساة وطول أمدها، الأمر الذي يجعل توحيد كلمتها وخطابها ورؤيتها أمراً حتمياً تفرضه الظروف المحيطة سواء على مستوى الإقليم أو على المستوى الدولي.

وحتى لا نكون العشب الذي يدفع وحده الثمن في صراع الثيران، على قوى الثورة والمعارضة (الشريفة تحديداً) أن تقف موقفاً مسؤولاً أمام هذه التحديات، وتنظف صفوفها من العملاء والانتهازيين وتجار الحرب، وتعمل على نسج تحالفات جديدة حسب الظروف الحالية من شأنها أن تكون من مصلحة الشعب السوري ولصالح ثورته ومطالبها المحقة.

ولعلّ هذا الذي يحدث بين أمريكا وإيران على الأرض السورية، يتطور ليصبح حرباً حقيقية تفضي إلى إخراج إيران نهائياً منها، الأمر الذي يفسح المجال للدخول جدياً في خطوات الحل السياسي، وعليه فإن على قوى الثورة والمعارضة أن تكون جاهزة بوجوه جديدة وبأساليب عمل مبتكرة، لتكون على قدر المسؤولية التاريخية المنوطة بها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات