"أبو هادي" قصة وجع لم تُروَ: فقد 18 من عائلته بالزلزال وأنين طفلته شام لا يغادر أذنيه

"أبو هادي" قصة وجع لم تُروَ: فقد 18 من عائلته بالزلزال وأنين طفلته شام لا يغادر أذنيه

كثيرة هي القصص التي شاهدناها أو سمعناها بعد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب شمال غرب سوريا، وتعتبر قصة "أبو هادي" الذي كان مقيما في بلدة جنديرس واحدة من القصص المؤلمة حيث فقد عائلة بأكملها إضافة إلى 18 شخص من أهله.

ويروي "أبو هادي" ماذا حدث في تلك الليلة التي ضرب فيها الزلزال البلدة قائلاً: " إنه أمضى 37 ساعة تحت ركام منزله بعد الزلزال المدمر الذي فقد فيه أطفاله الخمسة وزوجته"، مضيفا أنه لجأ إلى بيت أخيه القريب من بيته المدمر في جنديرس، لعلاج جروحه وليخبر من يلتقيه ما حدث معه.

وعن تفاصيل ما عاشه، قال "أبو هادي" لمراسل أورينت "إنه في ذاك الفجر اهتزت الأرض تحتنا بعنف، قفزت من فراشي وتوجهت نحو الباب وأنا أردد أنها هزّة ككل الهزات السابقة وستمضي سريعا، واستيقظت زوجتي مع أطفالي الصغار الثلاثة الذين ينامون جوارنا، وسألتني عما يحدث وماذا نفعل، قلت لها لا شيء، فقط نذكر الله وستمضي كما سابقاتها، لكن الاهتزاز اشتدّ، مما سبب ميلان الجدار، حاولت سنده بكلتا يديّ لكن السقف إنهار فوق زوجتي وطفليّ الصغيرين ( ليث وعلا) وأسقطني عند أقدامهم، عرفت عندها أنهم رحلوا!"

وأضاف: "ابنتي شام ذات العشر سنوات التي وقعت جواري تحت الركام، بدأت تناديني: يا أبي، لا أستطيع أن أتنفس، يا بابا أشعر أنني أختنق، ساعدني أرجوك! قلت لها: اعذريني يا ابنتي العزيزة، فأنا أيضا مربوط من يديّ ورجليّ، السقف من جهة والجدار من جهة أخرى، رجلي اليسرى كسرت وقدمي اليمين تمزقت والسقف يضغط على رأسي".

وتابع: "سألتني إلى متى سنبقى على هذا الحال، ولما لا أسمع صوت أمي وأخوتي؟ فأجبتها عما قريب سيحضر الدفاع المدني لإنقاذنا، لا عليكِ فقط اذكري الله، وادعي لهم فهم بخير. ولكنها عادت وسألتني عن أخويها الكبيرين هادي ورائد الذين ينامان في الغرفة المجاورة، قلت لها أنهما بخير أيضا لأعلم لاحقا أنهما فارقا الحياة".

 

بعد قليل سمع أبو هادي منبه هاتف زوجته يعمل وصوت الأنشودة يعلو، وتذكر قولها خلال السهرة أنها ستصوم غدا الأثنين وأنها ضبطت الهاتف على الخامسة والنصف، عندها قلت "يارب ها هي جاءت إليك صائمة، فأدخلها يا الله من باب الريان".

يعود أبو هادي للحديث عن ابنه شام :" أنينها استمر حوالي أربع ساعات، عادت خلالها تطلب مني نجدتها وكررت لها عجزي واعتذاري وطالبتها بعدم الكلام لتحافظ على ما تبقى لها من الأوكسجين، لكن شيئا فشيئا خفَتَ صوتها وانقطع أنينها وقلت في نفسي"هل لحقتِ بأمك وإخوتك يا شام؟،عرفت عندها أني أمسيت وحيدا!

عادت الدموع لتنهمر من عينيّ أبي هادي، وعاد لمسحها مضيفا: هنا أظلمت الدنيا في وجهي ولم يعد لي شيئ فيها، لجأت لمناجاة رب العالمين والدعاء وقلت : يا الله، إن شئت ألحقني بعائلتي أو أخرجني من بطن هذا الركام كما أخرجت نبيك يونس من بطن الحوت، ورحت أكرر دعوة سيدنا يونس (لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين)، سمعت عندها أصوات عمال الإنقاذ وضجيج ( الكمبيرسات) وهم يحاولون رفع أنقاض  البناء المكون من خمس طوابق والذي كنا نقطن الطابق الثالث فيه.

اقترب صوت العمال من أبي هادي قليلا ثم ابتعد، نادى بأعلى صوته دون جدوى، ثم عاد للدعاء:  يا رب امنحني فقط أربع وعشرين ساعة لأدفن أبنائي وأعود إليك فليس لي مهرب إلا إليك.

ساعات المناجاة الطويلة أنست أبا هادي الألم، وفي صباح اليوم التالي عاد الجرح في رأسه ينزف وتجمع الدم في أذنه وتجمّد، مما سبب ضعف سمعه، هنا يقول : شعرت أني في منام، ورحت أطلب من طفل صغير أمامي أن يذهب إلى سائق التركس ويخبره عن وجود رجل تحت الأنقاض ويذهب الطفل ويعود ليخبرني أنه قادم لإنقاذي ويدلوا لي حبل النجاة وأربط نفسي وأصعد ولكني أفشل بالخروج لأن كتلة بيتونية كبيرة تتعلق برجلي وتمنعني من النجاة.

لحظات النجاة المأساوية

يقول أبو هادي صحوت من حلمي أم غيبوبتي لست أدري، قبيل غروب الشمس حيث استطاع الدفاع المدني كسر الحائط عبر ضربة واحدة من التركس وحمدت الله أنه لم يكررها لأني صرت تحت شفرته وشعرت عندها بقرب النهاية الحتمية، وعدت لأستبشر خيرا عندما ابتعد عني وبدأ العمال كسر السقف وفتحوا فيه كوة ونادوا عن وجود أحد هنا، قلت لهم أنا أبو هادي، لتعلو التكبيرات ويستمر العمل لمدة ساعة كما أخبروني بينما أنا شعرت أن المدة لم تتجاوز خمس دقائق، و ليسحبوني وأبنائي ولأعلم لاحقا بوفاة كل بيت أخوايّ وعائلة أختي المجاورين لنا.

في هذه الأيام الفضيلة من شهر رمضان، لا زال أبو هادي عند السحور ينادي بأسماء أولاده وزوجته لتناول الطعام، ويقول لهم إنّ وقت الأذان قد اقترب، لكن أصوات أبناء أخيه تقاطعه عندما يأتيان ويدعوانه إلى السحور.

وقبل يومين، أعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن إحصائية جديدة لعدد الضحايا السوريين الذي قضوا في الزلزال الذي ضرب شمال غرب سوريا وجنوب تركيا في 6 شباط/ فبراير الماضي.

وقالت الشبكة إنها سجّلت وفاة 10 آلاف و24 سورياً بسبب الزلزال، بينهم 4191 توفّوا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، و394 في المناطق الخاضعة لسيطرته، و5439 لاجئاً في تركيا.

وعرض التقرير رسوماً بيانية تُظهر توزّع حصيلة الضحايا بحسب المناطق التي توفّوا فيها ضمن المحافظات السورية. فيما قدّم توزيعاً لحصيلة الضحايا الذين توفوا داخل الأراضي التركية، تبعاً للمحافظة السورية التي تنتمي إليها الضحية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات