رمضان: الشهر الاستثنائي

رمضان: الشهر الاستثنائي

عندما نتحدث عن رمضان، فإننا يجب علينا أن نتحدث عما يجب أن يكون، وليس عما هو موجود. فهذا الشهر له معنى وأهمية خاصة، وفي هذا العام بالذات تتجلى أهميته أنه جاء بعد كارثة عظيمة زادت من معاناة السوريين على كل الأصعدة. صحيح أن الحياة السورية لها مظاهرها، القهرية والمؤلمة والكئيبة، الخاصة؛ إلا أنها في هذا الشهر ليست كباقي الأشهر في السنوات السابقة. 

رمضان سياسي جداً

نشهد في هذا الشهر، على غير العادة، خطفاً سياسياً لكل مناحي حياة السوريين، فاللاجئون السوريون يتم إقحامهم في معارك السياسة في دول الجوار، ففي تركيا، تشكل ورقة اللاجئين السوريين بيضة القبان للأحزاب السياسية التركية في معركتهم الانتخابية القادمة، وفي لبنان، يحمل اللاجئون السوريون وزر الضائقة الاقتصادية، وأنهم السبب في بطالة اللبنانيين، وفي بعض الدول الأوروبية، أصبح كثير من اللاجئين السوريين مهددين بالترحيل. كل ذلك ضمن مشاريع سياسية في يتم العمل عليها في أبرز بلدان اللجوء السوري. 

أخطر ما نشهده في رمضان 2023، هو محاولة إعادة تعويم نظام أسد. فملف التطبيع هو الجديد والأبرز لهذا العام على الصعيد السياسي بما يخص الثورة السورية، فلم نشهد في السنوات السابقة تسيّيساً لآلام السوريين كما شهدناه في هذا العام، فالنظام وحلفاؤه لم يتركوا شيئاً للصدفة، الطفلة شام، الطفلة التي ولدتها أمها تحت الأنقاض، صور إخراج الناس من تحت الأنقاض في جنديرس وإدلب، والزلزال الذي شكل فرصة ذهبية للنظام للخروج من عزلته الدولية. 

الشهر الفرصة

صحيح أن شهر رمضان فيه من المميزات الإلهية الشيء الكثير، إلا أنه في سوريا يتمتع بمميزات بشرية أظن أنها لا توجد في دول أخرى بنفس المستوى في سوريا. تمشي الآن في شوارع الشمال السوري مثلاً، فتجد أن أسعار السلع تختلف من مدينة لأخرى، ومن متجر لآخر. فيصبح الأمر في أيدي التجار، يتحكمون بالأسعار كيفما شاؤوا، لأنهم يعلمون أن لا أحد من البشر يراقبهم ويسألهم، ضاربين بعرض الحائط الوضع المعيشي المتدني/المتردي لكثير من السوريين. فشهر رمضان بالنسبة لهؤلاء فرصة لتعويض الخسائر. 

من جهة أخرى، هناك من يتحلى بأخلاق الشهر الفضيل، فشهر رمضان بالنسبة لهم هو فرصة لزيادة مبيعاتهم وزيادة أرباحهم، حيث يحرص التجار على استغلال هذا الشهر المبارك في تسويق منتجاتهم وتوفير عروض وخصومات للمستهلكين. ومن أبرز الطرق التي يستخدمها التجار لاستغلال شهر رمضان هي توفير المنتجات الخاصة بالشهر بأسعار مقبولة، مثل الحلويات والمشروبات والمأكولات التي يتم تناولها خلال شهر رمضان، كما يقوم التجار بتقديم العروض والخصومات على منتجاتهم خلال هذا الشهر لجذب عملائهم. 

رمضان ما بعد الزلزال

هذه المرة، شهر رمضان هو رمضان التضامن والتماسك المجتمعي، فله في هذا العام معنى وأهمية خاصة. ما زالت المنطقة تعاني من تداعيات كارثة طبيعية مدمرة، قضى فيها أكثر من خمسين ألفاً نَحبهم، وبعد أن أظهر السوريون مثالاً عظيماً للتضامن في أعقاب زلزال السادس من شباط؛ تتعاظم أهمية الاستمرار بمداواة جراح المنكوبين بقوة من خلال تعزيز الوعي بالتضامن الاجتماعي عبر حملات الاستجابة المادية والمعنوية. خاصة إذا علمنا أن نجدة السوريين وتفانيهم في الأيام الأولى للكارثة قد ضعفت، فيجب علينا عدم التباطؤ وأن نواصل المساعدة. 

من جهة أخرى، يتوجب على كل الناس إخراج زكاة فطرهم للمنكوبين، وأن تكون منابر المساجد عبارة عن منصات للدعم النفسي الاجتماعي، وأن يكفوا عن سرد القصص التي لا معنى لها. في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب السوري، تبرز أهمية التضامن الاجتماعي كأساس للحياة الاجتماعية في المجتمع السوري، وهو ما يساعد على تخفيف الألم والمعاناة التي يعيشها الناس، وتحسين جودة حياتهم. ففي شهر رمضان، تتزايد الرغبة في مساعدة الآخرين وتقديم العون لهم، سواء كان عوناً مادياً أم معنوياً.

إلا أنه كئيب

كثير من السوريين يستقبل هذا الشهر بحالة من الوجوم ليست في غيره من الأشهر الأخرى، فهناك مئات الآلاف من السوريين في أقبية المعتقلات الأسدية منذ سنوات، ومازال ذووهم ينتظرون عودتهم بفارغ الصبر، يشتهون الإفطار معهم على مائدة واحدة، يشتهون أن يعيشوا هذا الشهر كما يعيشه غيرهم ممن يجلسون كعائلة واحدة كاملة، إنه شهر كئيب بالنسبة لهؤلاء فعلاً. والزلزال أيضاً، قضى على عائلات سورية بأكملها في شمال سوريا، فكيف نستسيغ الطعام والشراب؟ 

أخيراً، كل ما سبق ليس جديداً في شهر رمضان هذا العام، إلا أن هذا العام هو استثنائي بالنسبة للسوريين، فزلزال مدمر غيب عائلات بأكملها، ودول تسعى جاهدة لإعادة الاعتبار لمدمر سوريا الأول، ومئات آلاف المعتقلين مازالوا مغيبين، وسوريون يقتلون هنا وهناك دون أن ينصفهم أحد، والقائمة تطول. شهر رمضان في هذا العام، هو شهر تكاثفت فيه مظاهر القهر والألم لكثير من السوريين، وهو فرصة أيضاً لإعادة بناء النفسية السورية وتعزيز التضامن بين السوريين.  

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات