هيكتور كوبر مدرباً لمنتخب البراميل

هيكتور كوبر مدرباً لمنتخب البراميل

أعلن اتحاد كرة القدم التابع لنظام بشار الأسد في شباط فبراير الماضي رسمياً عن تعاقده مع الأرجنتيني هيكتور كوبر لتدريب المنتخب الأول التابع للنظام على أن يبدأ مهامه عملياً في فترة التوقف المعتمدة دولياً بالعشر الأواخر من مارس آذار الجاري.

لا يمكن مقاربة الأمر من الزاوية الرياضية الكروية الفنية البحتة المتعلقة بشخصية وقدرات المدرب كوبر، وعمره وتاريخه وأدائه التكتيكي، وإنما من الناحية السياسية أيضاً، الخاصة بالنظام البشع وهيمنته على كافة مناحي الحياة بما في ذلك الرياضية، كما هو متبع عادة في أنظمة الاستبداد التي تتعاطى مع الرياضة باهتمام بالغ لأهميتها ومركزيتها وتأثيرها في المجتمع والعالم عموماً وتحديداً في السنوات والعقود الأخيرة.

فرض نظام آل الأسد - الأب والابن - الأكثر بشاعة ضمن منظومة الاستبداد العربية وحتى الدولية قبضته على الرياضة وبشكل شيطاني لا يمكن تخيّله مع هيمنة الذهنية العسكرية أو للدقة البوليسية المخابراتية عبر ما يُسمى الاتحاد الرياضي العام غير المعهود، والذي لا نظير له في العالم كي يتحكّم بكل التفاصيل كذراع رياضي مباشر للنظام، ولكن دون أي مسؤولية أمام المؤسسات الرياضية العالمية مثل اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحادات والهيئات الأخرى ذات الصلة التي ترفض التدخل الحكومي في الرياضة بأي شكل من الأشكال.

يدير الاتحاد الرياضي العام غير المنتخب بالطبع شخص عسكري تابع للمخابرات يعيّنه النظام للتحكم بكل التعيينات والقرارات في الاتحادات والمنظومة الرياضية بشكل عام، حيث تبدو الانتخابات - المشروطة دولياً - شكلية ومعلّبة مع قدوم اللوائح الفائزة من أجهزة المخابرات كي يتم إخفاء أو تمويه التدخل السلطوي الحكومي في الرياضة، وهو ما لا تسمح به المواثيق واللوائح المعمول بها دولياً.

وعليه، فإن الاتحادات الرياضية كلها تُعيّن وتدار بشكل مباشر من أجهزة المخابرات، كما الأطر النقابية الأخرى ضمن هيمنة النظام الاستبدادي على كافة مناحي الحياة، حيث نجد الأمر نفسه في النقابات المهنية والاقتصادية والفنية والثفافية والفكرية الأخرى ضمن تغوّل تام للنظام على المجتمع والحياة عموماً.

بعد حقبة التأميم زمن حافظ الأسد والانفتاح النسبي زمن بشار الأسد خصّخص الابن ما أمّمه الأب تحديداً بالاقتصاد لصالح العائلة والطائفة الحاكمة، وأقنعتها وأدواتها ضمن ذهنية العصابة والميليشيا والتقاسم الوظيفي أو الأقنعة للتحكم بالحياة الاقتصادية بكل تفاصيلها حتى الصغير منها.

الأمر نفسه تم تعميمه على الرياضة طبعاً لأهميتها ومركزيتها وتأثيرها، وإضافة إلى تحكم النظام بالاتحادات والأندية بشكل تام، فقد جرى توزيع القطاعات الرياضية على العائلة الطائفة الحاكمة وعليه، هيمن آل الأسد على الفروسية وآل معلا على السباحة، وهكذا في الرياضات الأخرى التي طوبت للعسكر للتحكم والمتاجرة بها كما يشاؤون.

هنا لا بد من التذكير بقصة الفارس عدنان القصار الذي دخل المعتقل لعقود فقط لأنه تفوّق على باسل الأسد في إحدى المنافسات، بينما نالت ابنة ماهر الأسد ميداليات المراكز الأولى والثانية في مسابقة واحدة بالفروسية بحادثة بل فضيحة غير مسبوقة عربياً ودولياً.

مع اندلاع الثورة لجأ النظام إلى استهداف وقتل متعمد للثائرين بمن فيهم الرياضيين وتدمير منهجي لمؤسساتهم ومرافقهم، وبدا لافتاً أن أول شهيد في الثورة، وهو محمود جوابرة كان رياضياً من مدينة درعا بعدما انحازت الأسرة الرياضية بغالبيتها العظمى إلى الشعب الثائر مع استثناءات قليلة تثبت القاعدة لا تنفيها.

في هذا السياق، يمثل حارس الكرامة الشهيد عبد الباسط الساروت رمزاً وتعبيراً عن الرياضيين والمزاج الثوري عموماً رياضياً واجتماعياً وشعبياً وجماهيرياً أيضاً.

خلال عشر سنوات تقريباً قتل النظام مليوناً من السوريين في طليعتهم الشباب والرياضيون بالطبع، وهجّر عشرة ملايين آخرين ودمّر نصف سوريا بشعار الأسد أو نحرق البلد من أجل البقاء في السلطة ولو شكلاً حتى مع خضوعه للغزاة الذين استقدمهم لحمايته في مواجهة الشعب الثائر.

بعد ذلك وفي السنوات الأخيرة جرى استخدام كرة القدم والمنتخب الأول تحديداً لتجميل وجه بشار الأسد والنظام، وتبييض صفحته والزعم بشرعية تمثيله سوريا والسوريين مع سطوة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي التي حوّلت العالم إلى قرية صغيرة، حيث تنال الرياضة وكرة القدم نصيباً كبيراً من الاهتمام الشعبي والجماهيري فيها.

لجأ النظام خلال هذه السنوات إلى استقدام مدربين أجانب معروفين ضمن نفس الهدف، الخاص بتبييض صفحته وتكريس فكرة أن الأمور عادت إلى طبيعتها، وأن لا شيء يحدث في سوريا. وهكذا تمّ التعاقد مع المدرب التونسي المعروف نبيل معلول الذي بقي لشهور فقط وهرب متراجعاً عن الخطأ بعدما فهم أن لا فرصة لأي عمل مهني ومنظّم ولا حتى لحياة عادية في بيئة الاستبداد المهترئة والفوضوية والمنهارة.

يأتي التعاقد الأخير مع الأرجنتيني هكتور كوبر لتحقيق نفس الأهداف وترويج فكرة أو أكذوبة التعافي، وأن الأحوال عادت إلى ما كانت عليه قبل الثورة، مع استخدام اسم المدرب المعروف دولياً لتبييض صفحة النظام نفسه، علماً أن ثمة أسئلة وعلامات استفهام ضرورية يجب أن تطرح هنا.

في البعد الاقتصادي، يعاني النظام على كل المستويات لدرجة توقف نشاطات كرة القدم نفسها خلال الشهور الماضية، لعدم توفر الوقود اللازم للتنقل الفرق الرياضية، مع انهيار الأوضاع عموماً بمناطق سيطرته ما يطرح التساؤل عن كيفية تأمين رواتب كوبر ومعاونيه – أربعة - بالعملة الصعبة، بينما يعجز عن توفير الحد الأدنى من مستلزمات الحياة للمواطنين المغلوب على أمرهم بمناطق سيطرته الوهمية والشكلية على أي حال، والخاضعة للغزاة الروس والإيرانيين وحتى الإسرائيليين.

من هنا يمكن الاستنتاج أن القصة كلها سياسية أساساً ودعائية بامتياز، أما فيما يتعلق بكوبر شخصياً فهو في خريفه الزمني والرياضي بعمر 67 بعد 30 سنة بالمسار الرياضي والمهني لم يعد لديه ما يقدمه، بعدما فشل في تحقيق نتائج لافتة في آخر تجاربه مع منتخبات أوزبكستان وجورجيا والكونغو الديموقراطية، وقبل ذلك مع أندية أوردو سبور بتركيا والوصل بالإمارات، وقدّم كرة قدم رديئة مع منتخب مصر في تجربة أثارت الانتقادات ضده رغم وصوله إلى كأس العالم 2018 ونهائي بطولة إفريقيا 2017، حيث خسر أمام فريق كاميروني شاب بأسماء مغمورة دون خبرات دولية ومدرّب بلجيكي مغمور"هوغو بروس"، ورغم امتلاك الأرجنتيني قواماً قوياً لم يستفد منه أو يستخدمه كما ينبغي لفكرة التكتيك الجامد والمتحجّر، وهو نفس القوام الأساسي للنادي الأهلي الذي هيمن به على إفريقيا مع فوزه بدوري الأبطال مرتين ووصوله إلى النهائي خمس مرات في آخر ستّ سنوات.

 فنياً، يقدم كوبر كرة قدم قديمة دفاعية وقبيحة ومملة، ويبدو مواطنه مدرب أتلتيتكو مدريد دييغو سيميوني الذي يتلقى الانتقادات دائماً وكأنه يقدم كرة دفاعية محدثة وعصرية أكثر مما يفعل مواطنه العجوز.

هنا لا بد من التذكير بحقيقة أن ثمة عمراً افتراضياً للمدرب كما اللاعب. وكوبر في خريفه وأفول نجمه يبدو معبّراً عن نظام الأسد القبيح الذي يحاول إعادة عجلة التاريخ والزمن إلى الوراء، ما يمثل ربما أحد أسباب وأسس التوافق بين الجانبين.

يبدو الطاقم التدريبي المعاون لكوبر لافتاً أيضاً مع أربعة مساعدين غير سوريين، أرجنتيني ويوناني ومصريان، أحدهما عصام الحضري كمدرّب لحرّاس المرمى.

جاء اختيار الحضري ضمن الطاقم دعائياً بامتياز أيضاً، نظراً لكثرة مشاكله وعدم امتلاكه خبرات وقدرات تدريبية لافتة، حيث كانت المجاملات حاضرة أصلاً في تعيينه ضمن طاقم منتخب مصر الأول ثم الأولمبي، بينما جرى تجاوز كل المعايير والأعراف بالتواصل معه أثناء توليه مهمة العمل فعلاً. حيث تفاوض اتحاد الكرة التابع لنظام الأسد واتفق مع الحضري، وهو على رأس عمله مدرّباً لحراس مرمى المنتخب الأولمبي المصري تحت 23 الذي تنتظره استحقاقات هامة ومصيرية - قد تنقذ جيلاً كاملاً أو تقضي عليه - بمباريات إقصائية حاسمة ثم لعب دورة مجمعة بالمغرب صيف العام الجاري من أجل التأهل إلى الألعاب الأولمبية القادم في باريس 2024. 

الحضري ترك مهمته وهرب كعادته في وقت حساس وحرج – كما فعل مع الأهلي نفسه في العام 2008 - وبذروة تحضير المنتخب الذي كان فعلاً في معسكر إعدادي قبل المباراتين الحاسمتين مع زامبيا في مارس/ آذار القادم.

 عموماً أدى الزلزال الأخير إلى توقف النشاط الرياضي لأسابيع بمناطق سيطرة النظام، وفي كل الأحوال تبدو فرصة استمرار كوبر وطاقمه مثل فرصة نظام الأسد في البقاء بالسلطة على المدى الطويل. وهم سيقفزون حتماً من السفينة الغارقة بالنظام والمنتخب التابع له عندما تسنح الفرصة لهم ولكن بعد الحصول على أكبر مبلغ ممكن بالعملة الصعبة من نظام الكبتاغون المفلس والساقط.

 

التعليقات (3)

    ·منذ سنة 3 أسابيع
    وانت ليش مبعوص من المدرب خص نص ؟!! ههه

    قطاع الطرق

    ·منذ سنة 3 أسابيع
    من يوم ما سرقوا قطاع الطرق في القرداحة سوريا وللأسف سوريا من سيء الى أسوأ وتسير في انحدار قاسي ... حتى وصلنا الى الحضيض واسوا دولة في العام من كل النواحي رياضيا و علميا واقتصاديا وحضاريا وصناعيا ... سرقوا كل سوريا وخربوها في المقابل قاموا بأعمار القرداحة بالقصور والفلل الفخمة واحدث السيارات ... العلوين عبارة عن عصابة قطاع طرق لادين لهم ولا عقيدة سوى السرقة والنهب والسلب وشرب العرق

    سوري مُشرد

    ·منذ سنة 3 أسابيع
    لو ماكان هذا المدرب أنجس و أجحش من أفراد العصابة النصيرية الطائفية الحاكمة لما رضي بتدريب منتخب بلد تحكمه عصابة إرهابية إجرامية تترزق من تجارة المخدرات. و حتى عناصر منتخب البراميل هم من الشبيحة خونة الوطن المطبلون للنظام المارق النجس . ولن أتعجب لو أن منتخب البراميل إنتقل من خسارة إلى خسارة لأن هذا شيء طبيعي فكيف يمكن أن تكوّن منتخباً قوياً من مجموعة من الشبيحة عديمي المستوى و الكفاءة الرياضية فقط لأنهم نصيريون و بعثيون و مطبلون و لاحسي البسطار الأمني و العسكري.
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات